بسم الله الرحمن الرحيم ورد في سورة القلم في الآية رقم (16)، قوله تعالى: (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)، وقد أشارت كلّ التفاسير التي اطَّلعت عليها على أنَّ الخرطوم تعني الأنف، علماً بأنَّ القرآن استخدم كلمة أنف، حيث قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[المائدة: 45]، لذلك ليس هناك مبرِّراً لأن تكون كلمة (الخرطوم)، تعني الأنف مقاربة مع خرطوم الفيل، فالخرطوم قد يكون اسم مكان كما في قوله تعالى عن القرية: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [يوسف: 82]، فالقرية تُسأل ويُقصد أهلها، والخرطوم توسم، ويقصد أهلها، فالسودان الذي عاصمته وعنوانه الخرطوم، وهو من الدول القليلة التي ترفع حكومته شعار تطبيق شرع الله منذ ثلاثة عقود، وتفاخر بذلك، فلابد أن يكون هذا الأمر مكان اهتمام من الناس الذين يهمهم أمر تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع أركان الأرض، والشريعة تعني العدل والأمن في النفس والمال والعرض، وتعني الأمان في الطعام والكساء والعلاج والتعليم والعمل، وتعني الإيثار والفلاح والصدق والإخلاص والتجرد، والأمانة وعدم أكل أموال الناس بالباطل، فهل تحقق هذا في السودان؟ لا يقبل الله سبحانه وتعالى أن نحكم باسمه ولا نحقق هذه المعاني بصدق، ولا يقبل أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، فنحن لا نطبق النظام الإسلامي في التصرفات المالية بصدق ووعي وعلم ومعرفة إسلامية كما يريدها الله، وإنما نطبق أسس الدين العلماني كما هو واضح في النظام الضرائبي، والسوق الرأسمالي الحر، ونساوي بين المرأة والرجل مساواة مطلقة كما يريد الدين العلماني فألحقنا بها الظلم وأخرجناها إلى العمل والإنتاج المادي وتركناها تتنافس مع الرجال في الدراسة والعمل المادي، ونطبق النظام الانتخابي بدلاً عن الشورى التي تعني في أبسط معانيها الاستشارة، التي لا تكون إلا لأهل الاختصاص في كلِّ مجال، وننشئ المجالس التشريعية أسوة بالنظم العلمانية، وندعي أنَّ المشرع هو الله، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تنطبق علينا معاني الآيات التي وردت في سورة القلم؟ وهل الخرطوم المذكورة هي خرطومنا هذه؟ أرجو منكم الإخوة الأفاضل قراءة الآيات التالية مع تفسيرها الذي سطره بعض أهل التفسير في المواقع الالكترونية، لكن أرجو أن تكون قراءتكم على اعتبار أنَّ الخرطوم هي الخرطوم عاصمة السودان، وأنَّ الأمر يعنينا نحن أهل السودان، فالخرطوم مكان، وله أصحاب، كما أنَّ الجنَّة مكان ولها أصحاب، فإذا كان الأمر كذلك فما هو الحل؟ قال تعالى: ﴿ َلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ﴾[القلم: 8 – 16]. يقول الله تعالى، لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) الذين كذبوك وعاندوا الحق، فإنهم ليسوا أهلًا لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم، وهم لا يريدون إلا الباطل، فالمطيع لهم مقدم على ما يضره، وهذا عام في كل مكذب، وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب، وإن كان السياق في شيء خاص، وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه، ولهذا قال: (وَدُّوا ) أي: المشركون (لَوْ تُدْهِنُ ) أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، (فَيُدْهِنُونَ) ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه. (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب، ولا يكون كذابًا إلا وهو (مُهِينٌ) أي: خسيس النفس، ناقص الهمة، ليس له همة في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة. (هَمَّازٍ)، أي: كثير العيب للناس والطعن فيهم بالغيبة والاستهزاء، وغير ذلك. (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، أي: يمشي بين الناس بالنميمة، وهي: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء. (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ)، الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة والكفارات والزكوات وغير ذلك، (مُعْتَدٍ)، على الخلق في ظلمهم، في الدماء، والأموال، والأعراض، (أَثِيمٍ)، أي: كثير الإثم والذنوب المتعلقة في حق الله تعالى. (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ)، أي: غليظ شرس الخلق قاس غير منقاد للحق، (زَنِيمٍ) أي: دعي، ليس له أصل ولا مادة ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، ولا يرجى منه فلاح، له زنمة أي: علامة في الشر، يعرف بها. وحاصل هذا، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب، خسيس النفس، سيئ الأخلاق، خصوصًا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، والتكبر على الحق وعلى الخلق، والاحتقار للناس، كالغيبة والنميمة، والطعن فيهم، وكثرة المعاصي. وهذه الآيات - وإن كانت نزلت في بعض المشركين، كالوليد بن المغيرة أو غيره لقوله عنه: (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، أي: لأجل كثرة ماله وولده، طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة أساطير الأولين، التي يمكن صدقها وكذبها- فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة. ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله، بأن الله سيسمه على خرطومه في العذاب، وليعذبه عذابًا ظاهرًا، يكون عليه سمة وعلامة، في أشق الأشياء عليه، وهو أنفه وبالتالي وجهه. قال تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾[القلم: 17 – 33]. يقول تعالى: إنا بلونا هؤلاء المكذبين بالخير وأمهلناهم، وأمددناهم بما شئنا من مال وولد، وطول عمر، ونحو ذلك، مما يوافق أهواءهم، لا لكرامتهم علينا، بل ربما يكون استدراجًا لهم من حيث لا يشعرون فاغترارهم بذلك نظير اغترار أصحاب الجنة، الذين هم فيها شركاء، حين زهت ثمارها وأينعت أشجارها، وآن وقت صرامها، وجزموا أنها في أيديهم، وطوع أمرهم، وأنَّه ليس ثم مانع يمنعهم منها، ولهذا أقسموا وحلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها أي: يجذونها مصبحين، ولم يدروا أن الله بالمرصاد، وأن العذاب سيخلفهم عليها، ويبادرهم إليها. (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) أي: عذاب نزل عليها ليلًا (وَهُمْ نَائِمُونَ)، فأبادها وأتلفها (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)، أي: كالليل المظلم، ذهبت الأشجار والثمار، هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم، ولهذا تنادوا فيما بينهم، لما أصبحوا يقول بعضهم لبعض: (أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا) قاصدين له (وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ) فيما بينهم، ولكن بمنع حق الله، ويقولون: (لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ)، أي: بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء والمساكين، ومن شدة حرصهم وبخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفًا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء. (وَغَدَوْا) في هذه الحالة الشنيعة، والقسوة، وعدم الرحمة (عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ)، أي: على إمساك ومنع لحق الله، جازمين بقدرتهم عليها. (فَلَمَّا رَأَوْهَا) على الوصف الذي ذكر الله كالصريم (قَالُوا) من الحيرة والانزعاج (إِنَّا لَضَالُّونَ)، أي: تائهون عنها، لعلها غيرها، فلما تحققوها، ورجعت إليهم عقولهم قالوا: (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)، منها، فعرفوا حينئذ أنه عقوبة، ف (قَالَ أَوْسَطُهُمْ) أي: أعدلهم، وأحسنهم طريقة (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ)، أي: تنزهون الله عما لا يليق به، ومن ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فلولا استثنيتم، فقلتم: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وجعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئة الله، لما جرى عليكم ما جرى، فقالوا (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) أي: استدركوا بعد ذلك، ولكن بعد ما وقع العذاب على جنتهم، الذي لا يرفع، ولكن لعل تسبيحهم هذا، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة، ولهذا ندموا ندامة عظيمة. (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ) فيما أجروه وفعلوه، (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ)، أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده. (عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ) فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرًا منها، ووعدوا أنهم سيرغبون إلى الله، ويلحون عليه في الدنيا، فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرًا منها لأن من دعا الله صادقًا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله. قال تعالى مبينا ما وقع: (كَذَلِكَ الْعَذَابُ)، أي: الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلب الله العبد الشيء الذي طغى به وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأن يزيله عنه، أحوج ما يكون إليه. (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) من عذاب الدنيا (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، فإن من علم ذلك، أوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العذاب ويحل العقاب. تساؤلات فيما سبق إذا كان ما ذهبنا إليه هو صحيح، فيجب علينا أن نتساءل ونسعى لمعرفة الآتي: 1 – من هم أصحاب الجنة في هذه الحالة، والذين أقسموا حين زهت ثمارها وأينعت، وآن وقت صرامها، وجزموا أنها في أيديهم، وطوع أمرهم، وأنَّه ليس من مانع يمنعهم منها، ولهذا أقسموا وحلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها مصبحين؟ 2 – من هم المساكين الذين لهم حق العيش من هذه الجنة، وهم شركاء مع أصحاب الجنة في ثمارها، فحرموا منها، وها هي الجنة أصبحت كالصريم؟ 3 – من هو أوسط أصحاب الجنة؟ (قَالَ أَوْسَطُهُمْ) أي: أعدلهم، وأحسنهم طريقة، الذي أسدى النصح وما ذال يسدي النصح لهم؟ ها هي الدولة السودانية أصبحت كالصريم، وظهرت سمة الخراب على الخرطوم وفي أوجه المساكين الذي يسكنوها، وكذلك في أوجه الذين يسكنون باقي السودان، فالخرطوم هي أم قرى ومدن السودان، فما هو الحل؟ ونواصل إن شاء الله أبوبكر محمد آدم أبوبكر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.