شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية يهاجم تسابيح خاطر: (صورة عبثية لفتاة مترفة ترقص في مسرح الدم بالفاشر والغموض الحقيقي ليس في المذيعة البلهاء!!)    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    التقى وزير الخارجية المصري.. رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    الدعم السريع تحتجز (7) أسر قرب بابنوسة بتهمة انتماء ذويهم إلى الجيش    نزار العقيلي: (كلام عجيب يا دبيب)    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    ميسي: لا أريد أن أكون عبئا على الأرجنتين.. وأشتاق للعودة إلى برشلونة    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سباق دولي لتقرير مصير السودان قبل الاستفتاء ... بقلم: خالد التيجاني النور
نشر في سودانيل يوم 14 - 03 - 2010

فيما يشبه السباق مع الزمن يشهد الشأن السوداني تحركات دولية محمومة تجري على المستويين العالمي والإقليمي مع اقتراب انقضاء أجل الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل, وبطبيعة الحال إكمال إجراءات الانتخابات العامة والاستفتاء على تقرير المصير, والعنوان الرئيس لهذه التحركات الدولية والإقليمية هي ضمان التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام ولكن بأي مفهوم؟, والمفارقة كما يتضح من سياق التحليل في هذه المقالة, أن العكس تماماً هو الصحيح, أي أن هذه التحركات تستهدف في الواقع البحث عن إمكانية تجنب الاستحقاق النهائي لهذه الاتفاقية على النحو الحرفي بمعني تقرير المصير المفضي إلى الانفصال الفعلي وتقسيم السودان دون اعتبار لمفهوم ومغزى التسوية العميق, والبحث في إمكانية إعادة التفاوض لفتح الآفاق أمام طريق ثالث يحقق للجنوبيين مطلبهم ولكن يحافظ في الوقت نفسه على وحدة السودان, ولكن كيف ذلك؟.
من المهم الإشارة هنا إلى أن ما أفسد اتفاقية السلام الشامل النظر إليها والتعاطي معها بحسبانها مجرد صفقة بين النخب لاقتسام مغانم السلطة والثروة في السودان لأجل محدود ثم الهرولة إلى تحقيق تلك المغانم كل في حدود دولته المنقسمة عسى أن يكون في ذلك تعظيم لاحتكار تلك المكاسب في السلطة والثروة, لقد كان أكثر ما آذى الاتفاقية أنه عندما حان وقت تنفيذها أن توارى النظر والمفاهيم التي هندستها, غابت معانيها وبقيت هياكلها وأشكالها, فالمفهوم أنها سعي مشترك للانتقال بالسودان إلى مربع جديد, لا هي نسخة الحركة الإسلامية السودانية وتصوراتها للدولة السودانية, ولا هي نسخة الحركة الشعبية لتحرير السودان واشتراطاتها للدولة الموحدة, فالاتفاقية فعلت ما هو أشبه بتجهير الملعب وتحديد قواعد للعب النظيف لا يقوم على الإقصاء المتبادل, ولكن على التدافع الإنساني الموجب الذي يكشف أن المشترك أكبر بكثير من المتخلف عليه.
وبقيت محنة الاتفاقية أن الجدل والصراع يدور بين مفهومين لكل أنصاره في أوساط الشريكين, بين من يؤكد أن الاتفاقية جرى تنفيذها على نحو كامل عند من يرون أن الأمور يجب أن تقدر بحسابات ميكانيكية, وعند من يستعجلون الوصول إلى محطة تقرير المصير المؤدية إلى طريق الانفصال, وبين من يرون أن المفاهيم التي أسست عليها الاتفاقية تم القفز عليها, فجرى تنفيذ النصوص على حساب الروح والمعاني ليؤدي إلى نتيجة حتمية هي أن الحل الوحيد أن يذهب الشمال والجنوب كل في حال سبيله.
ولعل التحركات الدولية الراهنة عندما تجعل عنوانها هو ضمان تنفيذ الاتفاقية إنما تعني أن التنفيذ الذي يتم التحدث عنه بطريقة آلية إنما أفضى إلى المسار الخطأ, وليس إلى المسار المرجو.
إذ لم يعد سراً أن المؤشرات كافة المتوفرة تشير إلى أن مسألة انفصال جنوب السودان أصبحت مسألة وقت لا أكثر, وهذه المعطيات التي باتت في باب اليقين لدى النخب السياسية في السودان أثارت قلقاً وتوجساً في أوساط دوائر صناعة القرار دولياً وإقليمياً على خلفية أن هذه الأطراف الخارجية تتدرك بوعي أكبر وحسابات دقيقة التبعات والتداعيات الخطيرة, ليس على السودان فحسب, بل كذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها, وأن مضي الأمور في هذا الطريق يعني أن هذه المنطقة من العالم مقبلة على خلفية هذه السابقة على تغيير كبير في خريطتها السياسية, وهو ما يعني فتح بؤرة اضطراب في منطقة استراتيجية لن يكون سهلاً تدارك حبات عقدها إن انفرطت. والأمر هنا لا يعني فقط أن دولة الجنوب الوليدة ستكون مواجهة بتحديات جدية أكبر من قدرتها على التصدي لها, بل ينسحب كذلك على أن الدولة المتبقية في الشمال, فانفصال الجنوب لا يعني وكأنه مجرد تخلص من فائض بل ستواجه دولة الشمال أيضاً تحديات, ربما أكثر خطورة من دولة الجنوب, فالأمور لن تمضي كالمعتاد للطرفين, ومن هنا فالتخوف من آثار الانفصال لا تأتي من الجنوب وحده بل للشمال نصيب وافر منذ ذلك.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن ما يقوي فرص الانفصال لا يأتي من كون ذلك أصبح خياراً حاسماً لمواطني الجنوب المفترض استفتاؤهم لتقرير مصيرهم, بل الترويج له من قبل قيادات ساعية لذلك في الشريكين, فمع كثرة إشارات السياسيين والمحللين التي تغلب خيار الانفصال عند الاستفتاء إلا أنه لا يوجد دليل يؤكد على ذلك في غياب آليات علمية دقيقة لقياس الرأي العام في أوساط المواطنين المنوط بهم الاقتراع لتحديد موقفهم عند ممارسة حق تقرير المصير, والواقع أن هذه المؤشرات المغلبة لخيار الانفصال تستند على المواقف السياسية لبعض النافذين في طرفي اتفاقية السلام الشامل, المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.
وقد تعود شريكا نيفاشا على تبادل الاتهامات على مدى سنوات الفترة الانتقالية الماضية بخرق بنود الاتفاقية, إلا أنهما مع كل حالات العداء العلني والمستتر, ظلا متفقين على شئ واحد خرق أهم مبادئ تسوية مجاكوس المؤسسة لاتفاقية السلام الشامل, فالبند الأول في ذلك الإعلان يؤكد على أن (وحدة السودان, التي تقوم على أساس الإرادة الحرة لشعبه والحكم الديمقراطي, والمساءلة, والمساواة, والاحترام, والعدالة لجميع مواطني السودان, ستظل هي الأولوية بالنسبة للطرفين), وهذا يشير بوضوح إلى أنه, على الرغم من كفالة حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم وتحديد مستقبلهم, إلا أن الأولوية هي للحفاظ على وحدة السودان ضمن شروط محددة, وأن الطرفين ملزمان, وليسا مخيرين, بحكم هذا الاتفاق على العمل من أجل تحقيق هذه الشروط الموضوعية المفضية إلى الحفاظ على وحدة البلاد, وأنهما يتحملان, أحدهما أو كلاهما, المسؤولية التاريخية كل حسب قسطه من التقصير عن التفريط في وحدة البلاد.
بالطبع من السهولة أن يتنصل كل طرف عن مسؤوليته في القيام بواجبه الملزم للعمل من أجل المحافظة على وحدة البلاد, وأن يلقي باللوم على الطرف الآخر, وهي على أي حال مسألة فيها النظر, ولكن ما تورط فيه قيادة الطرفين أنهما لم يكتفيا بالتقصير في توفير مستحقات الوحدة, بالزهد فيها نحو ما يشير إلى ذلك ضعف التزام المؤتمر الوطني أو لنقل على الأقل جماعات بارزة من قيادته, أو بالتفريط فيها نحو ما تسلك قيادة الحركة الشعبية, بل اشتركا معاً في اختطاف حق المواطنين الجنوبيين في تقرير مصيرهم واستبقا الاستفتاء بالترويج للانفصال بحسبانه أمراً لا مناص منه, وأغفلا مسؤوليتهما الاساسية وهي العمل بجد وإخلاص حتى آخر لحظة من عمر فترة الانتقال من أجل تمتين دعائم الوحدة بالأسس العادلة والفعالة التي تؤكد ذلك وليس بمجرد إطلاق الشعارات, ومسؤولية الطرفين لا تقف عند ذلك الحد بل التبشير بالوحدة على الأسس الجديدة لدولة المواطنة وسيادة القانون والمساواة والعدل وتكافؤ الفرص, والدعوة لها, فإن اختار مواطنو الجنوب, بعد أن يبذل قادة الطرفين غاية الجهد في الوفاء بالتزاماتهما في الاتفاق الإطاري المؤسس للتسوية, الانفصال فلهم ذلك ولا مندوحة عليهم, وتبقى المسؤولية على الطرفين حينها تسهيل تحقيق أماني وتطلعات الشعب في الجنوب, ولكن ما نراه حقاً هو القيادة على الطرفين تعمل بجد لتحديد المصير بالنيابة عن أصحاب المصلحة الحقيقة, دون وجه حق.
لذلك فإن الذين يرون في تحرك منظمة إيقاد, راعية تسوية نيفاشا, بحسبانه خارج السياق ويأتي في وقت متأخر, مخطئون, فدول المنطقة التي انخرطت في هذا الشأن منذ وقت مبكر لم تفعل ذلك من باب المجاملة الدبلوماسية, ولكنها تدرك جيداً أن الصراع في السودان وعليه, لن يقتصر أثره عليه وحده, بل يؤثر على نحو مباشر على الأوضاع في داخل كل واحدة من هذه الدول, وهي لذلك لم تكن مجرد وسيط إبان البحث عن السلام بل شاركت بصورة مباشرة في تخليق نموذج التسوية.
يقول الخبير في الشؤون السودانية إدي توماس (إن التصورات الأجنبية الخارجية هي جزء من عملية تقرير المصير وأن السودان عرضة لقوة التصورات الدولية. لذا وفي بداية التسعينيات عندما كانت الدولة السودانية منهمكة بشدة في تجريب نسخة من تقرير المصير أوحت بها نسخة معينة من الإسلام أمدَّت بعض دول الجوار السوداني السودانيين بنسختها التي تحدد هوية السودانيين (في إشارة إلى إعلان المبادئ الذي قدمه وسطاء إيقاد في العام 1994). يرى إعلان المبادئ ضرورة لعدة طرق مختلفة تفضي إلى تقرير المصير في السودان، فالانفصال والاستقلال هو واحدٌ من الطرق ولكن إعلان المبادئ يقدم هذا الخيار باعتباره خياراً مشروطاً في حالة فشل الطرق الأخرى لتقرير المصير. وقد كانت الديمقراطية الجامعة, وهي ديمقراطية مختلفة عن ديمقراطية النظم البرلمانية التي تقودها النخبة, هي أحد هذه الشروط، والشرط الآخر هو نظام اقتصادي عادل كما كانت الدولة العلمانية شرطاً أيضاً وهي الدولة التي تضم الهويات الدينية المختلفة ويمكن أن تكون وسيطاً بينها).
ويضيف توماس قائلاً (وبالعكس فإن الإسلاميين ينظرون إلى العلمانية باعتبارها نوعاً من رفض الهوية عكس تقرير المصير فرفضوا إعلان المبادئ عندما ظهر في البداية. وفي عام 2002م عادت الحكومة السودانية إلى وساطة الإيقاد بحزمٍ جديد بعد أن تدخلت الولايات المتحدة وبعد أن بدت الهجمات على الولايات المتحدة تغيِّر النظام الدولي. كانت وجهات النظر الأمريكية حيال السودان مختلفة عن وجهات نظر الإيقاد، فالسناتور دانفورث المبعوث الرئاسي للولايات المتحدة وافق على دعاوى الإسلاميين في تمثيل هويةٍ مسلمة موحدة لشمال السودان والتحدث باسمها. وكان الأمريكان ذوو القوة يرون في ذلك الوقت أن الإسلام هو كيانٌ توحيدي عمل على تحديد المجموعات السياسية. وقد قبلت اتفاقية نيفاشا بوجهة النظر الأمريكية حول السودان، فاتفاقية السلام الشامل أكدت على أن تبقى الشريعة مصدراً للقانون في الشمال كما اعترف رسمياً بالعرف مصدراً للقانون بدون الشريعة في الجنوب. ولكنها وافقت على الحاجة لتحولٍ ديمقراطي حتى لا ينفرد الفائز بكل حصص الاقتصاد، وبالمقابل أعطت الاتفاقية شيئاً لم تعطه الإيقاد ألا هو الحق غير المشروط لتقرير المصير من خلال استفتاءٍ حول الانفصال لمجموعةٍ منتقاة من مواطني السودان هم الجنوبيون).
ولكن من الواضح الآن أن تلك الوصفة الأمريكية (نظامين في دولة واحدة) المستندة على اعتبارات عملية لم تعمل على نحو فعال بما يجنب السودان الانقسام, أو يقلل من مخاوف دول الجوار من تبعات السودان المنقسم على نفسه, والمعضلة هنا أنه حتى في حالة أفضت ممارسة الاستفتاء على تقرير إلى المصير فسيبقى هذا الانقسام على الهوية قائماً, وهو ليس انقسام طابعه نظري بل ينعكس كذلك ضعفاً على الدولة الموحدة اسماً المنقسمة فعلاً, وهو ما ينسحب بالضرورة على الأوضاع في المنطقة, فما بالك إذا ذهبت الأمور بإتجاه الانفصال الكامل, ذلك أن سقف خيار الوحدة المنصوص عليه في الاتفاقية عند ممارسة تقرير المصير جاء منخفضاً للغاية إذ جعلها تقوم على الترتيبات التي تم الاتفاق عليها في برتوكولاتها لاقتسام السلطة والثروة والامنية والعسكرية, وهو ما يعني أن الوضع حتى ما بعد الاستفتاء في حالة اختيار الوحدة فسيكون لصالح دولة الرأسين, أو النظامين في الدولة شبه الكونفدرالي, ولعل ذلك هو ما دعا الاستاذ علي عثمان محمد طه, أحد مهندسي اتفاقية نيفاشا, للاجتهاد واعتبار ذلك الخيار المحدود السقف هو الحد الأدنى وأن المطلوب للخروج من هذا المأزق هو الانتقال للتفاوض على سقف مفتوح للوحدة, وهو ما يعني بالضرورة إنهاء حالة الثنائية في تعريف الهوية وما يتطلبه ذلك من ترتيبات دستورية وقانونية خلاقة تعيد تعريف مسلمات سائدة عند الطرفين, وتطلق مفاهيم جديدة لدولة موحدة للوجدان الوطني على أسس تراعي تباين مكوناتها الوطنية.
وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام فمصر التي كانت على طرف نقيض من مبادرة إيقاد التي أطلقت قطار تسوية أزمة الجنوب, تبدو اليوم أقرب إلى معسكرها, فقد كان الاعتقاد السائد أن الأفارقة نزاعون إلى فصل الجنوب, ولكن يتبين للقاهرة, المنزعجة من تبعات انقسام السودان, أنها ليست وحدها في هذا المركب المضطرب فدول الجوار الإفريقية الآخرى هي كذلك مدركة لعواقب ذلك على مصالحها الوطنية, ولذلك يبدو لأول مرة أن مصر ودول الإقليم الآخرى, خاصة إثيوبيا, وكينيا, وإرتريا ترى أن مصالحها تجتمع على ضرورة بقاء السودان موحداً, في وقت يزداد الوعي فيه على الساحة الدولية بأن مصير السودان ومستقبله باتت مسألة أكبر من يقرر فيها السودانيون وحدهم, في واقع الأمر جزء منهم, ولذلك تنشط التحركات الدولية في محاولة لفتح أفاق جديدة لمعالجة الاستحقاقات المصيرية المحددة في اتفاقية السلام الشامل.
ربما من الصعوبة بمكان إيجاد حل لهذه المعضلة في وقت آخذ بالنفاد, ففي حين تطرح دول الإقليم, مصر ودول إيقاد, خيار إعادة التفاوض لرفع سقف متطلبات الوحدة وتجاوز حواجز ثنائية الهوية عبر حل الدولة المدنية, فإن موقف الحكومة الأمريكية المعلن يوم 19 أكتوبر الماضي في استراتيجية أوباما يبقى الخيار مفتوحاً على أن يتمخض تنفيذ [اتفاقية السلام الشامل] عن سودانٍ يعيش في سلام مع نفسه ومع جيرانه لما بعد 2011م سواءً أكان سوداناً واحداً مستقراً وموحداً أو سوداناً يمضي بشكلٍ منتظم نحو دولتين منفصلتين قابلتين للعيش في سلامٍ مع بعضهما). والقراءة المتأنية, كما يذهب إلى ذلك أليكس دي وال, للجملة الأخيرة تشير إلى أن الولايات المتحدة تحاول ألا تغلق الباب على عملية انفصال مطوَّلة موحية بأن هذه العملية قد تستمر بعد عام 2011م ولذا يجب التأكيد على نتيجة "دولتين منفصلتين قابلتين للعيش في سلامٍ مع بعضهما. وهو ما يكشف عن أن بديل واشنطن لهذا الوضع المعقد هو تصميم عملية انفصالٍ مبنية حول حلِّ يمضي خطوة بخطوة للعمل بين الكينونتين خلال (فترة انتقالية ثانية).
على أي حال مهما يكن من أمر فإنه مع ملاحظة هذا الحراك الدولي الكثيف حول شأن السودان ومستقبله, فإن السودانيين يبدون عاطلين عن أي دور فعال في تقرير مصائرهم, مكتفين بدور الفرجة على التفاعلات الدولية, ولا لا يبدو أن النخب على امتداد الطيف السياسي معنية بإدارة جوار جاد وشفيف وجرئ حول السبل الكفيلة بالحفاظ على وحدة وطنهم ومصالحهم الوطنية.
ومرة أخرى يبدو أن من يحدد مصائر السودان ومستقبله ليس بنيه, بل الخارج, وستكون قمة المفارقة أن يظل السودان موحداً, ليس بإرادة أهله وعملهم من أجل ذلك, بل لأن مصالح وحسابات دول الجوار والقوى الدولية والإقليمية هي التي فرضت ذلك.
عن صحيفة (إيلاف) السودانية
الأربعاء 10 مارس 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.