في ظل ترتيب البيت الداخلي لمرحلة الإنفتاح على العالم الخارجي.. {1} {أ} مقدمة : أجمع جُل المحللين الإقتصاديين والسياسيين على إن مرحلة ما بعد القرار الأمريكي بحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب تشكل العتبة الأولى للإنفتاح على العالم الخارجي. وللإنفتاح على العالم الخارجي متطلبات وتحديات كثيرة تتطلب إصلاح البيت الداخلي، كما ذكر وزير الخارجية السابق سعادة السفير إبراهيم طه أيوب في لقائه بموقع سكاي نيوز العربية. كما ذكر إن الشعب السوداني، الذى تحمل العبء الأكبر من فاتورة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، يتوقع من الحكومة الإنتقالية إنتهاز الفرصة داخلياً – قبل النظر للإنجاز الخارجي – والعمل على ترتيب البيت الداخلي إستعداداً للمرحلة للوصول إلى أفضل النتائج من هذا الإنفتاح ، حيث كل الظروف مواتية لذلك من موارد متميزة ، متفردة، متنوعة غير مستغلة في ظل وضع إقتصادي عالمي متداعي لأزمة تراكمية مرحلة من أزمة 2008 الإقتصادية العالمية والتي تم منحها جرعات تسكينية دون علاج لأسباب الأزمة ، والمتمثلة0 في تدني نسبة السلع الملموسة 30٪ ، وسيطرة قطاع الخدمات على الاقتصاد العالمي بنسبة فاقت ال 70٪ من الاقتصاد العالمي، وهذا وحده مؤشر كافي لإختلال الإقتصاد العالمي والعلاج الوحيد يكمن في مزيداً من إنتاج السلع لترجيح كفة نسبة السلع لتصبح فوق ال 50٪ من الإقتصاد العالمي على كفة الخدمات لتصبح 50٪ أو دونها ليشكل الإستقرار النسبي للإقتصاد العالمي.. أمريكا والدول الغربية {المسيطر على قطاع الخدمات} إستنفدت طاقاتها الإنتاجية للسلع وتبحث عن إستثمارات خارج حدودها لتخفيف حدة الأزمة الإقتصادية القادمة على إقتصادياتها {خاصة أمريكا} والمتوقعة في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينيات حسب تقدير خبراء الإقتصاد . والسودان بوضعه الحالي يمثل الهدف الأمثل للإستثمارات الأجنبية خاصة الغربية منها إذا ما قورن بالبدائل الأخرى في إفريقيا وآسيا.. {ب} الشد والجذب في الموازنة مما يؤسف له إن الشد من الحاضنة السياسية ممثلة في اللجنة الإقتصادية وما تعتمد عليه من مخرجات المؤتمر الإقتصادي، هذا الشد جانبه الصواب المهني، بنفس القدر الجذب من وزارة المالية جانبه الصواب المهني أيضاً ، من حيث إن الموازنة تم وضعها بحسابات ومعايير سياسية بعيدة كل البعد عن الطريقة المهنية البحتة لوضع موازنة دولة. وبكل أسف إتبعت وزارة المالية نهج النظام البائد في وضع الموازنة بفرض ربط على الإيرادات والمنصرفات بأرقام مفروضة فرضاً على الجهات التنفيذية الدنيا في هرم الخدمة المدنية، وهذا في حد ذاته أكبر خطأ ، لأن أكثر موظف تأهيلاً لتقدير الإيرادات والمصروفات هو الموظف او الوحدة التي تقوم بالتحصيل أو الصرف وهو الأدري بإمكانية تحصيل والمشاكل المتوقعة من عدم تحصيل الربط في الإيرادات وتخطي حاجز الموازنة في الصرف ، ينطبق هذا على الإيرادات من ضريبة وجمارك ورسوم وأي إيرادات تشكل عصب الموازنة، والمصروفات المختلفة. {ج} هل إتبعت وزارة المالية الطرق المهنية السليمة لوضع الموازنة ؟ قطعاً لم تتبعها. خرج الأنجليز من السودان يتباهون بأنهم خلفوا نظام خدمة مدنية من أفضل أجهزة الخدمة المدنية فى كل مستعمراتهم التى لا تغيب عنها الشمس لكبر حجمها. وتقع وزارة المالية وكل أقسام الشؤون المالية فى كل المصالح الحكومية من ضمن جهاز الخدمة المدنية والذي تباهى به الإنجليز. وتعمل أقسام الشؤون المالية مع وزارة المالية فى أنسجام تام عبر وكلاء وزارتها ووكيل وزارة المالية. وتنساب المعلومات أنسياباً سلساً بين هذه المصالح ومكتب وكيل الوزارة ومكتب وكيل وزارة المالية والعكس فى كل كبيرة وصغيرة حتى تعديل بنود الصرف فى حدود موزانية الوزارة الواحدة سواء كانت التربية والتعليم أو الصحة أو الدفاع. ونادراً ما تطلب أى وزارة من وزارة المالية أضافة ميزانية أضافية للصرف بشروط محددة وبمبالغ محددة فى أجازة الموازنة. الطرق الصحيحة لوضع الموازنة: من يضع الموزانة فى ظل هذا النظام المهني الدقيق للخدمة المدنية؟ يضع موازنة كل السودان صغار الموظفين المتعاملين تعامل مباشر مع المواطن سواء فى التحصيل أو الصرف من المال العام وليس وكلاء الوزرارات أو الوزراء. كيف يضع صغار الموظفين الموازنة ؟ هذا السؤال أجيب عليه بخطوات أعداد الموزانة من الصفر وحتى أجازتها فى البرلمان {والذي كان سائداً ومعمول به حتى صعود الإنقاذ على سدة الحكم} : {1} تبدأ العملية بصورة سلسة فى بداية يناير من كل عام {حيث أن السنة المالية كانت تبدأ فى أول يوليو من كل عام وتنتهى فى 30 يونيو من العام التالي} وتستمر العملية حتى أجازتها فى أبريل – مايو – 30 يونيو كآخر موعد . . فى أول يناير يقوم وكيل وزارة المالية بإرسال منشور لكل وكلاء الوزارات المختلفة يفيدهم بأنهم بصدد وضع موازنة السنة المالية القادم التى تبدأ فى أول يوليو وحتى يتمكنوا من وضع موازنة سليمة فيجب على كل الوحدات الحكومية أتباع الأسس السابقة إرسال تقديراتهم الإيرادات والمصروفات للسنة القادمة، وكذلك يفيدهم مكتب وكيل وزارة المالية بأى تعديلات فى المنهج والسياسات والأسلوب المتبع. {2} يقوم وكلاء الوزارات بإستلام منشور وكيل وزارة المالية ويقومون بتحويله دونما تعديل لمدراء المصالح التابعه لهم. {3} يقوم مدراء المصالح بتحويل منشور وزارة المالية دون تعديل لكل الأقسام التابعة لهم الى أن يصل المنشور الى الموظفين المتعاملين مع المواطن سواءً بتحصيل رسوم أو ضرائب أو جمارك أو أى رسوم تدخل فى ميزانية الدولة أو تقديم خدمة كالتعليم والصحة والغابات . {4} يقوم الموظف بتحديد الرقم الذى يمكنه تحصيله من المورد الذى يشرف عليه وهو متابع له وهو الشخص الوحيد الذى يمكنه تقدير الموارد من المواطنين حيث انه يقوم بتوضيح كل الأسباب لزيادة التحصيل أو لأحتمال نقص التحصيل فى العام القادم مع تقديم المعوقات التى تعترض طريقه . {5} كذلك يقوم الموظف القائم على بنود الصرف من رواتب ومشتريات وأى بنود صرف أخرى بتحديد الرقم المطلوب لتغطية إحيتاجات الوحدة الصغيرة التابع لها. {6} يتم تجميع كل التقديرات للصرف والتحصيل من صغار الموظفين عند مديرى الأقسام والوحدات وتتم مراجعتها مراجعة دقيقة مع مقارنتها بالتقديرات فى السنوات السابقة والتنفيذ ودرجة الإنحراف وأزالة معوقات الإنحراف نقصاً أو زيادةً. إذا لاحظ مدير القسم ما يستدعى التعديل بنسبة فرق عالية بقناعته يقوم بإستدعاء الموظف ومناقشته بدرجة عالية من المهنية والشفافية دون تسلط والوصول الى إقناع مدير القسم أو إقتناع الموظف . أما فى حالة أن مدير القسم يرغب فى زيادة نسبة محدودة جدا على الصرف أو الأيرادات بمسببات مقنعة , يقوم المدير بالأضافة أو الخصم على أرقام الموظف الصغير مع توضيح الأسباب والمبررات فى تقرير موازنة قسمه للسلطة الأعلى منه – ويستمر إنسياب الموازنة بطريقة تدريجية من قاعدة الهرم فى الوزارة الى قمة الهرم متمثلة فى السيد وكيل الوزارة . {7} يقوم السيد الوكيل مع فريقه من المحاسبين وذوى الشؤون المتعلقة بالميزانية بدراسة موازنة وزارته القادمة من قاعدة الهرم الوظيفى بدراسة الموازنة وإبداء الآراء والتعديلات المقترحة {والتى غالبا ما تكون محدودة جداً} مع المسببات والتبريرات ويتم رفعها للسيد وكيل وزارة المالية بمستخلص كامل لما ورد إليه من قاعدة هرم وزارته. {8} يقوم السيد وكيل وزارة المالية بتجميع تقديرات موازنات كل الوزارات المنسابة إليه من كل وكلاء الوزارات – وتتم درساتها ومناقشتها بند بند مع فريقه فى الوازرة ويتم تقديم مستخلص كامل لكل الوزارات {والذى يمثل الموزانة المقترحة للدولة للعام المالى القادم} للسيد وزير المالية والذى يقوم مع فريقه بدراسته والإطلاع على مافيه ليقوم السيد الوزير بتقديمه لمجلس وزرائه لأجازة موازنته التقديرية . يقدم السيد الوزير الموازنة لمجلس الوزراء مع مقترحات مصادر سد العجز فى حالة العجز أو مقترحات أستغلال الفائض من الميزانية فى حالة وجود فائض. {9} تقدم الموازنة التقديرية بعد الأجازة من مجلس الوزراء للبرلمان والذى يقوم بدوره بتسليم صورة منها لأعضاء البرلمان قبل وقت كافى من جلسات مناقشات الموازنة، لدراستها. {10} يقوم كل من السادة أعضاء البرلمان بدراسة الموازنة بشكل كامل وبتدقيق لما يهم عضو البرلمان فى لجنته بالبرلمان أو ما يخص دائرته من إيرادات التحصيل ومنصرفات الخدمات – عند المناقشة يحتج على رقم التحصيل الخاص بدرائرته أو رقم المصروفات من خدمات تعليم وصحة وخلافه . ويناضل بلسانه من داخل البرلمان من أجل التخفيف على مواطن دائرته إذا كانت أرقام تقديرات التحصيل أعلى من اللازم أو أن مصروفات خدمات دائرته أقل من المطلوب المعقول واللازم . {11} بعد أخذ وشد بين الوزير وأعضاء البرلمان (ومناقشة وزير المالية لوكلاء الوزارات المراد تعديل أرقام إيراداتها أو منصرفاتها بصورة طفيفة يتم أخيراً أجازة الموازنة التقديرية لتصبح موازنة مجازة . {12} يقوم مكتب وكيل وزارة المالية بأرسال كل كشوفات وأرقام الموازنة المجازة (بعد التعديلات) لوكلاء الوزرات المختلفة والذين يقومون فقط بمهمة التحويل للمستويات الأدنى حتى الوصول لقاعدة الهرم المنفذة للموزانة. قاعدة الهرم المتعاملة تعامل مباشر مع المواطن سواء فى الصرف أو التحصيل تعمل كل ما فى وسعها للتنفيذ في حدود الموزانة مع أنحرافات زائد أو ناقص قليلة جداً لا تذكر بل تتم بموافقة الرئيس المباشر والذى يخطر وكيل وزارته بالإنحرافات حتى يقوم السيد الوكيل بالمعالجة. ويكون الموظف الصغير مسؤولاً أمام رئيسه بتنفيذ ما خطت يداه من تقديرات أولية عند بداية أعداد الموازنة. {13} يقوم السيد وكيل الوزراة بالمعالجة دون طلب مال لسد العجز الناتج من الإنحرافات . بل يقوم بدراسة تطبيق موزانة كل الوزارة ويقوم الوكيل بعملية شبيهة بالمقاصة فى البنوك – حيث يقوم بتغطية العجز فى بعض بنود الصرف بمبالغ من بنود صرف أخرى بها فائض فى حدود ميزانية وزارته مع أخطار وكيل وزارة المالية بأن له بعض بنود الصرف تخطت أرقامها التقديرية وتم سد العجز الناتج من ميزانية بنود صرف أخرى بها فائض. حيث يحتفظ وكيل الوزارة المعنية بموافقة وزارة وكيل وزارة المالية الكتابية لتعديل بنود الصرف والتحصيل لتقديمها للمراجع العام عند تقديم حساباته للمراجعة – حيث أن أى تعديل فى بنود الصرف أو التحصيل دون موافقة وكيل وزارة المالية الكتابية تعتبر تعدى وكيل الوزارة أو رئيس الوحدة على المال العام وصرفه فى شأن لم توافق عليه وزارة المالية والبرلمان. {14} فى حالة الإنحرافات الطفيفة ذات التأثير الضعيف على الأداء العام يتم تكوين مجلس محاسبة إدارى للموظف المسؤول وتكون محاسبته أم بالتنبيه أو الحرمان من الترقية أو النقل ، أما أذا كانت الإنحرافات كبيرة وتثير شكوكاً فيقوم السيد المراجع العام بإخطار وزارة العدل والشرطة أو النيابة لتحريك القضية للقضاء للفصل فيها. {15} أول قرار يمس الموظف عند تسليم الملف لوزارة العدل أو القضاء – إيقاف الموظف أو الموظفين المسؤولين من العمل فوراً لحين الفصل فى القضية مع إيقاف راتبه. {16} عادة فى حالة الإدانة يتم التنفيذ وتفعبل قانون المال العام حسب منطوق الحكم ودونما أى تسويات أو ترضيات. خاتمة: حسب ما علمت منذ أوأئل التسعينيات أختلت أسس إعداد الموازنة حيث أن تقدير المصروفات والأيرادات يتم أما داخل وزارة المالية أو داخل مكاتب وكلاء الوزارات دون الرجوع لصغار الموظفين . حيث يفاجأ صغار الموظفين المتعاملين مباشرة مع الجمهور فيما يختص بالمنصرفات أو الإيرادات بما يسمى{الربط}– حسب ما أوضحته أعلاه من رقم {1} ألى رقم {16}. منذ أوائل التسعينيات – وحتي موازنة 2021 الحالية- أى ربط للتحصيل أو الصرف يكون بتعليمات فوقية على الموظف بدون موافقته وتقديره . مما جعل الربط شبيه بالتعليمات عسكرية واجبة التنفيذ {نفذ أولاً وتظلم حسب القاعدة العسكرية وألا فالمحاكمة بمجلس محاسبة عسكرى ربما يقود للفصل أو نزع الرتبة أو النقل لمناطق الشدة} .أن حقق الموظف فينال الحوافز وان لم يحققه فله التوبيخ والأنذارات والحرمان من الترقيات . رقابة وزارة المالية الكاملة على المال العام لا تتم ألا بأتباع الأسس المعلومة والتى كانت متبعة منذ الأستقلال وقبله حتى 1989. ولا يجود طرق أخرى لرقابة الوزارة على المال العام بنسبة 100% ما لم تكن الموازنة معدة بصورة مهنية حسبما اوضحت بعاليه. في المقال القادم : الشد والجذب بين الحاضنة ووزارة المالية بخصوص موازنة 2021 جانبه الصواب – في ظل ترتيب البيت الداخلي لمرحلة الإنفتاح على العالم الخارجي.. {2}. سوف أتطرق – بإذنه تعالى – للمهدر من المال العام من ضرائب ورسوم وعائدات الصادر مع مقترحات للحلول منها : سلبيات النظام الضريبى المتبع ومقترح الحلول عائدات الصادر وتفعيل لقانون الطواريء ليصبح أكثر ردعاً للمتلاعبين بعائدات الصادر والمهربين. أسأل المولى عز جل التوفيق والهداية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.