"هناك أحزاب تاريخية قديمة كثيرة لم تقم بعقد مؤتمراتها العامة منذ فترة واذا لم تلتزم بالمهلة سنطبق عليها القانون مباشرة وكفاية السبهللية التى تدار بها الاحزاب سنطبق القانون بلا هوادة وبدون مجاملة والايام ستثبت ذلك وكل من لم تعجبه قرارات المجلس عليه اللجؤ للمحكمة الدستورية" هذا هو نص ما صرّح به السيد/عثمان محمد موسى رئيس مجلس الاحزاب كما جاء منشورا فى جريدة الصحافة الغرّاء في عددها رقم (6647) الصّادر بتاريخ 26 يناير (كانون الثاني)الجاري عقب اجتماع مشترك له مع لجنة الشئون العدليّة بالبرلمان.هكذا فجأة وبدون مقدمات يخرج علينا السيد مسجل الأحزاب مُنذِرًا و واعظا بأهمية عقد مؤتمرات الاحزاب؛ ومهددا بالويل و الثبور وعظائم الأمور؛ وبالرّدع والقمع والخراب والدمار ولمن يا ترى؟ ألارباب الفساد ؟أم للوردات الحروب؟ أم لسارقى المال العام؟ أم لمُرتكبي الجرائم ضد الانسانية؟ أملمنتهكى حقوق الانسان؟ إنها ليست ضد أي واحد من كل هؤلاء بل إنها موجهة لأحزابالسودان السياسية فى مشهد أقرب إلى (التراجيدوكوميدى) وأفلحت الاحزاب فى تعاملها مع هذا التصريح الغريب بما يستحقه من إهمال ولسان حالها منقسماً ما بين:لا خوف على الغريق من البلل و لايضر السماء نباح ال.....ولم يخيب الصديق العزيز الدكتور على السيد ظني، فكما توقعته جاء رد فعله على تصريح رئيس مجلس الاحزاب نارياً وبأشد العبارات وأقساها وشرح للرجل دوره وحدود وظيفته وبين له الخطوط التى ينبغى عليه عدم تجاوزها مستندا على نصوص الدستور والقانون وهو الخبير الذى لا يشق له غبار فى هذا المضمار.أما أنا فقد بلغ بى الاستفزاز من هذا التصريح درجة دفعتنى للخروج عن الحكمة اليونانية التى الزمت نفسى بها مؤخراً وهى (لا أرى ..لا أسمع..لا أتكلم) التى طبقتها ليس التزاما بموقف سلبي مما يجرى بالبلاد ولكن تجنبا للخوض فى متاهات هذا الزمن الردىء،ومن ثم جاء ميلاد هذا المقال لنقول لمسجل الاحزاب لماذا هذا العذاب؟ ولماذا الإصرار على افتتاح عهدك وتدشين حكمك بالتطاول على الاحزاب الوطنية؟ وما مصلحتك فى ازدراء و إهانة مشاعر الملايين من السودانيين الذين يفتخرون بالانضواء تحت رايات هذه الاحزاب التى هاجمتها بدون سبب؟ وماهى حكمة حكومة البشير فى تعيينك رئيسا لمجلس الاحزاب؟ ومن أنت ومن أين أتيت؟ وما هو نصيبك من ثقافة الديمقراطية؛ ومُثلَها؟وماهى درجة إيمانكبالتعددية الحزبية؛ والثقافية؟ وبمن التقيت من رؤساء الاحزاب السياسية غير رئيس حزب واحد! لن نسألك عن تخصصك الدقيق؛ ولا حتى عن قوله تعالى في سورة التوبة( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)؛ ولكن سأسلك عن الوطن والتراتيب القانونية التي يجب أن يتأهل لها. بالرغم من أهميّةالتخصص والتراكم العلمي والعملي حتى يطمئن المتلقى أن من يسمع إليه يستحق أن ينصاع لنصحه؛ وأن يكون من أهل الخبرة والدراية والتخصص؟ هنا تلقيت اتصالا هاتفيا من الشقيق بابكر عبدالرحمن المحامى فقطع تسلسل الأسئلة التى كنت أنوى طرحها على سيادة المسجل فانتهزت الفرصة وسألت صديقى بابكر:هل فكرت لماذا قرر المؤتمرالوطني تعيين السيد عثمان محمد موسى رئيساً لمجلس الاحزاب؟ بداهة لا ننتظر إجابة على أسئلتنا الحائرة هذه ولكننا نعتبرها مدخلا مناسبا لدعوة السيد المسجل الى الكف عن التصريحات الصحفية المستفزة التى من شانها زيادة حدة التوتر ورفع درجات الاحتقان بين الاحزاب السياسية ونذكره بان دوره هو لعب دور الوسيط والسعى بين الأحزاب من أجل تقريب وجهات النظر وتعظيم المشتركات والحد من تفاقم الصراع كما انه لابد من حيادية وموضوعية مجلس الاحزاب فى تناول الشان الحزبى وإلا ستظل تلاحقه تهمة التبعية لمن عينه والعمل على تنفيذ اجندته لاسيما وأن اطراف نافذة وقيادات حزبية وأمنية تحاول استغلال المفوضيات والمجالس المتخصصة كواجهات للمؤتمر الوطنى وقد جاءت المذكرة التصحيحية الاخيرة لما يسمى بالحركة الاسلامية مؤكدة لصحة ما نخشاه- وكاشفة أن مؤسسات بلادنا طرف في صراع طرفِي للحركات أو الحركة! ان ظاهرة التدخل فى الشئون الداخلية للاحزاب السياسية ومحاولات دس الأنوف فى شئونها؛لهي اكبر شهادة على ما وصلت إليه الحياة السياسية فى بلادنا؛ من تعاسة وتدهور واضمحلال وضمور؛ بسبب السياسات الشريرة التى يقوم عليها ويحرسها أصحاب العقليةالأمنية والذهنية الشمولية التى تهدف الى إضعاف الأحزاب الأخرى وتفتيتها من خلال ممارسة سياسة فرق تسد وتغذية الخلافات وتشجيع التفلتات التنظيمية داخلها والمشيبالوقيعة بينها حتى تستمر هيمنة حزب واحد على الساحة السياسية؛ ويبقى فى السلطة. من المعلوم ان الدول تعتز وتفخر بالتاريخ والتراث وتعد الرموز والاحزاب السياسية جزءً لا يتجزأ من هوية الأمة وتحرم المساس بها إلا فى دولتنا هذه التى تطلق العنان ليتطاول الأقزام على الاحزاب الوطنية الشامخة فى محاولة منهم لهز ثقة الناس فيها والانتقاص من قدرها والنيل من مكانتها وتشويه صورتها. لا يعي الحاكمون أن الأحزاب، هي الوعاء الذذي تنصهر فيه الجهويات والعصبيات، وهو الضمان لترشيد الآراء وترقيتها، وأن الشعب إن لم يجد الأحزاب لتنظم أحلامه ه وترشدها ليتم التغيير وفق آلية مدروسة، سينكسر الطوق ويخرج الناس كما يناير(كانون الثاني) المصريّة، و14 جانفي التونسيّة، وغيرها من دول ظنّ حاكموها أنهم أوهنوا الأحزاب وقلموا أظافر الشعب، فانكسر الطوق وانفتح الباب لتغيير به ما به من ضريبة الفوضى. لا أقول أن الأحزاب عاصمة من الثورة والتغيير، ولكني أقول أن قوتها ترشد الطموحات، وتنظم الخطط وتبني آليات متراض عليها للتغيير، فالأجدر بالحزب الآخر أن ينتبه، ويبادر لاحترام الآخر، وحوار الخطط والآراء، ويتنزه عن العقلية الأمنية، ويكف عن إرسال صغاره لاستفزاز الكبار! * نقلا عن صحيفة (الاحداث) الجمعة 3/2/2012 Hatim [[email protected]]