بسم الله الرحمن الرحيم 8-8 : التوافق الخلاق بقلم: د. عادل الخضر أحمد بلة جامعة الجزيرة [email protected] 8-8 : التوافق الخلاق قال الله تبارك وتعالي :"إنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومآ جهولآ" (سورة الأحزاب الآية :72) .. الناظر لواقعنا المعاش بموضوعية سيجد بلا إستغراب ان حلم كل من تولي الحكم شرعيآ أو ثوريآ أن ينقذ الوطن .. ويصطدم منذ البداية بالواقع المتعثر نسبة لأسباب موضوعية منها غياب الرؤية المتوافق عليها جمعيآ .. ثم الضرب تحت الحزام منذ البداية من قوي طامعة أخري (الشيوعيون مع نميري والأحزاب مع بعضها في عهد الأحزاب الأخير الذي إنتهي بإنقلاب الجبهة القومية الإسلامية علي باقي الأحزاب) ..عليه أليس من الحكمة ولدوافع وطنية بحتة دعم مبادرة الرئيس عمر البشير والأخذ بما تيسر من إيجابيات والسير بها للأمام؟ فهناك إعتراف من المؤتمر الوطني ورغبة في مسيرة ديمقراطية حقيقية (طه : البشير يعد رؤية شاملة لحل مشاكل السودان صحف 27 يوليو 2013) .. " والتجربة البشرية الطويلة تقول إن النظام الديمقراطي الذي يستند على دستور تتراضى عليه الأمة، وعلى قوانين تشرعها هيئة منتخبة من عامة المواطنين، وعلى حكومة رئاسية أو برلمانية مفوضة من قبل الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة يتم فيها تداول السلطة سلمياً بين القوى السياسية، وعلى كفالة حرية التعبير والتنظيم، وعلى استقلال القضاء والفصل بين الجهاز التشريعي والتنفيذي هي أفضل ما يمثل تجسيد حق الشعب في إدارة شؤونه (أ.د.الطيب زين العابدين ، للديمقراطية ثمن غالٍ ينبغي أن يدفع ، سودانيل 13 أغسطس 2013)... الملاحظ في واقعنا : أولآ: الشاهد أن القول بأن حزبآ أو حتي إئتلافآ حزبيآ يحكم السودان يستطيع أن يفرض رؤيته وحدها هو قول غير عملي لأنه كحد أدني يحتاج للآخرين داخليآ علي الأقل عند الشدة .. فبدون "توافق وطني حقيقي" "توافقآ خلاقآ" لا يمكن أن تكون للرؤية الوطنية المستقبلية أي إمكانية للقبول والتنفيذ والإستمرارية لا داخليآ ولا إقليميآ ولا دوليآ.. وهذا لا تحدثه ذهنية المخطط والمنفذ السائدة الآن : حزبآ حاكمآ سادت عنده عقلية "أمنية الدولة" فأصبح يخطط وينفذ " بسياسة التمكين" بعضويته فقط التي سادها روح ملوكية غير مستحقة فتمكن من كل مفاصل الدولة وإستثمرها لمصلحة رؤاه والمصلحة الشخصية لمنتسبيه وأبقي كل الشعب (المالك الحقيقي) متفرجآ .. ولا تحدثه أحزابآ كسيحة لتشوه تكوينها الخلقي وهلاميته ولضعفها تنتظر المحاصصة للحصول علي مقاعد وزارية في تعديل وزاري أو حتي إنفجار غضب الشعب لتدير هي الأمور بذهنية ملوكية باد زمانها كما حدث في التجربة الحزبية الأخيرة ... ولا بتسيس الخدمة المدنية ... ولا بالإنكفاء علي الذات .. فالشعب السوداني بفعل أحزابه - الحاكمة والمعارضة - مقصي عن شئوون دولته .. وليس مستغربآ وحال الشعب السوداني في غالبه في حالة بؤس شديد أن يصاب الكثيرون حتي بالجنون .. "فالمجتمع هو الذي يصيب الفرد بالجنون لا إختلاله العقلي فقط" كما قال بذلك الفيلسوف ميشال فوكو في دراسته التي نشرها في كتابه " تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" .. .. فالوضع الراهن للوطن يحتاج لنقد ذاتي غاية في الشفافية .. تطرح فيه كل المواضيع وتدرس بشفافية عالية من قبل الجميع بلا إقصاء .. والهدف "توافقآ خلاقآ" والعبرة فيه بالتنفيذ والمحاسبة .. إرضاء للذمة أمام الله سبحانه وتعالي .. وخدمة لهذا الوطن وشعبة العزيز.. والرجوع للشعب فضيلة. ثانيآ : قوي خارجية – ولهشاشة الجبهة الداخلية - أصبحت تخطط وتنفذ لتدمير الوطن .. الرابط أدناه يوضح فكرة د. فرانسيس فوكاياما بقطع دارفور ولزقها بتشاد .. بعد حصار بورتسودان وضرب مرافق الدولة كما قالت بذلك سوزان رايس وأنتوني ليك ودونالد بين وتنفيذ منطقة حظر جوي فوق دارفور كما قال بذلك السيد جو بايدن و25 سناتيرآ .. وراجع تعقيبي عليه نمرة 10.. http://blogs.the-american-interest.com/fukuyama/2006/10/26/darfur-and-african-state-building/ ثالثآ : من ناحية أخري فإن تفاكر واضعي السياسات الأمريكان السابق ذكرها يوضح نقطة في غاية الأهمية وهي: أن الحكومة الأمريكية تدير شئوونها في حين أن مراكز البحث تعمل وتتكامل رؤاها فيما يستوجب فعله مستقبلآ في السودان مثلآ لمصلحة دولتهم .. أنظر مثالآ آخرآ : ان مفكري أمريكا الإستراتيجيون وساستها قد خلصوا إلي أن المحرك الأساسي للسياسة الدولية في هذا القرن صار في أسيا والمحيط الهادي– لا في العراق وأفغانستان - ولهذا يخططون لتكون دولتهم في قلب الحدث بغض النظر عمن يحكم دولتهم الآن أو في قادم الأيام The future of politics will be decided in Asia, not Afghanistan or Iraq, and the United States will be right at the center of the action. (هيلاري كلينتون ، مجلة الفورين بولسي ، عدد نوفمبر 2011) .. http://www.state.gov/secretary/rm/2011/10/175215.htm من هنا تظهر أهمية إنشاء "دار الحكمة" المقترحة في المقال الأول من هذه السلسلة كمركز إستشاري أساسي لتجميع نتائج مراكز البحوث العامة والخاصة وإستقصاءات الرأي الشعبي في كل ما يخص الإطار العام .. ولإحداث "التوافق الخلاق" : البدء بالتخطيط والتنفيذ لجيل قادم بعد 25 عامآ .. والمستهدف بهذا العمل هو " المواطن السوداني الذي سيتم الحمل به في الدقيقة الأولي بعد 25 عامآ " .. لا مانع أن يأكل الأحياء من الكيكة الجاري إعدادها ولكن المؤكد أنهم ليسوا المستهدفين .. عليه يستوجب التوافق علي : النظام الأمثل لجيل قادم بعد 25 عامآ لشعب غالبيته مسلمة وبه نسبة من غير المسلمين .. في كل موضوع يحدد الهدف المراد الوصول إليه ثم من الوضع الحالي يتم تقسيمه لمراحل .. ومن الأوفق إنشاء مركز معلومات يتبع لرئاسة الجمهورية : يتضمن آخر الإحصاءات وأدقها عن كل موارد الدولة وأهمها الإنسان .. وعندها عندما يراد تنفيذ أي مشروع سيتم ذلك وفق معطيات واقعية ويمكن تقدير كل السلبيات وتلافيها منذ مرحلة التخطيط .. وأيضآ يفضل إنشاء مركز طوارئ في وسط السودان لخدمة الوطن كمساعدة مرحلية وعون المنطقة أو الإقليم كما ورد سابقآ .... وعمومآ يستحسن إستصحاب الجميل: ... التذكر ب "ان المقابر تضم أناسآ كانوا يعتقدون أن الحياة لا يمكن أن تسير بدونهم" .. بدءآ برئاسة الجمهورية فإن الوظيفة العامة تكليف لا تشريف ... وجوب النقد الذاتي علي كل المستويات: الفردي والحزب السياسي الخ ... مع الضائقة المعيشية الحالية وسياسة التمكين التي أبعدت الغالبية لا يستغرب غياب أو قلة الإبداع وتخلف الفكر .. ولذا يستوجب الإهتمام بالثقافة عمومآ وأهلها .. والثقافة الديمقراطية بشكل أخص مثلآ: وجوب إحترام الآخر والتنازل عن رأي لا يعني إهانة الكرامة .. وجوب إحترام الزمن .. ما زال جبريل يوصيني بالجار .. تبسمك في وجه أخيك صدقة ..الخ ... تشجيع وتحفيز روح المبادرة والعمل الجماعي لمصلحة الجماعة ... سيادة التنافس الخلاق ( كنقيض لسلبيات النفس البشرية كالحسد وغيره): بمعني "نجاح أخوك نجاحك أراد هو ذلك أم لم يرد" .. فعندها سيصب العائد في المؤسسة أو المجتمع .. وجوب الإشادة بمثل هذا والتحفيز له .. والإبتعاد عن التحقير (لا تبخسوا الناس أشياءهم وتحبوا أن تحمدوا بما لم تفعلوا) والسخرية (لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرآ منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرآ منهن ..) .. فرب أشعث أغبر لو أقسم علي الله لأبره فما باله لا يجد التقدير عند عبيد الله .. بث روح التفاؤل والمرح والفكاهة (كن جميلآ)... وهكذا ........... وآخر قولي مثل ما قلت أولآ : لا شك في ان هنالك مصلحة وطنية في مناهضة الذهنية السائدة منذ الإستقلال وحتي الآن .. فلا بد من تحمل الجميع للمسؤولية الاخلاقية والسياسية لإحداث "النموذج" لا "الممكن" .. الواقع أن الشعب السوداني يتشكك في مبادرات أحزاب الحكومة والمعارضة علي السواء .. وذلك لأن تجربته أثبتت له ان هذه الأحزاب مجتمعة ترفض قيادتها حتي الاصلاح داخلها باعتباره تهديدا للسلطات المطلقة التي تتمتع بها كمراكز قوي .. وبتوليها الحكم تنفرد في التصرف في كل شئوون الوطن في سيولة بالغة .. فالمأمول فيه هو إيجاد وضعآ ديموقراطيآ حقيقيآ قادرآ على تحقيق المتوافق عليه ممرحلآ .. إعادة تعريف الجبهة الداخلية جغرافيآ كأساس للتخطيط الإستراتيجي للأمن القومي يقود أيضآ لتوحيد وتقوية الجبهة الداخلية وإستقرار العلاقات بالجيران والمساهمة في تنمية مشتركة معها ويؤدي لتفادي ضغوط المجتمع الدولي ... ف "التوافق الخلاق" المأمول فيه يتوقع منه ان يقيم الواقع بشفافية عالية ثم يقدم برامج وخطط عمل محددة تنفذ بشكل ممرحل تتبعها محاسبة تحدث التغيير المأمول فيه في ال 25 عامآ القادمة .... وأهمية مشاركة الجميع تنبع من أن معدل التقدم فيه يعتمد على المساهمة الفاعلة للمجتمع كافة وعلي تفهم وتفاعل الجيران والمجتمع الدولي (الدائرة الكبري) .. ويمكن البدء بتجميع المبادرات بدار الحكمة ثم بالتوافق علي المأمول فيه وبدء التنفيذ محليآ ببرنامج حد ادنى يتطور مرحليآ ويتمدد في تبادل للمنفعة والخبرات مع الجيران (الدائرة الثانية) .. أخي عمر البشير إن كانت مخرجات المؤتمر الجامع الذي تدعو إليه تحدث "توافقآ خلاقآ" علي المطلوب تنفيذه وكيف ينفذ؟ ثم كيف يحكم السودان؟.. والعبرة فيه بالتنفيذ والمحاسبة بعد إنتخابات مأمولة .. فنسأل الله سبحانه وتعالي أن يكون خاتمة خير لعهدكم ومرحبآ بك رئيسآ سابقآ. اللهم هل بلغت اللهم فأشهد .. ليوفقنا الله سبحانه وتعالي جميعآ لنقدم للوطن ما يليق به .... والله من وراء القصد .... قرية الجنيد