يمثل عبود جابر حالة سياسية تحتاج لدراسة متعمقة، فقد مثل عبود جابر حقبة سياسية كاملة في تاريخ السودان، فالسيد عبود جابر هو الأمين العام لأحزاب الوحدة الوطنية التي تشكل الحكومة السودانية اليوم، وبحكم منصبه هذا يمثل عبود جابر هرم الجسم التحالفي الذي يكون الحكومة بما فيها حزب الموتمر الوطني، وطبعا لا يمكننا أن نصدق أن هذا صحيح إلا إذا اقتنعنا أن النور جادين كان رئيسا حقيقيا لحزب الأمة. لا تتوفر أي معلومة عن عبود جابر سوى أنه محام، وهو السياسي الوحيد في العالم الذي يرأس مجموعة من الأحزاب دون أن يعرف له أحد حزبا محددا أو غير محدد، وكنت قد نشطت لفترة زمنية ليست بالقصيرة قبل عام أو يزيد مع صديقي الصحفي حسام الدين بدوي لجمع معلومات عن عبود جابر لكتابة بروفايل عنه، ذلك البروفايل الذي اخترنا له اسما لكننا لم نجد أي شخص يحدثنا عن عبود جابر، حتى أنني خلت أن الرجل قدم للسودان بعد أن اكتمل نضجه السياسي وبراعته الكبيرة، تلك البراعة التي وفرت له أن يكون الأمين العام لمجلس أحزاب الحكومة دون تاريخ سياسي معلوم، أو حزب محدد أو توجهات فكرية، أو حتى كتابات ونضالات سابقة.. أهل السودان يتبرعون عادة للحديث عن أي سياسي مرموق بأحاديث شتى مثل أن السياسي الفلاني (دفعة خالنا في حنتوب وكان متوسط الذكاء)، أو أن الوزير الفرتكاني (كان جارنا في السكن ولم يكن يملك حق الإيجار) إلى آخره من الأحاديث المرسلة. لكن لم يتطوع لنا أحد ليكشف لنا سيرة عبود جابر سوى شخص قال إن عبود محامي من ولاية كسلا ولم يضبط مدينته هل هي حلفا الجديدة أم خشم القربة. تمثل حالة عبود جابر الزراية الكاملة بعقل المواطن السوداني، فالحكومة تقول إن الحكومة الحالية مكونة من عدد كبير من الأحزاب، وهذه المعلومة غير حقيقية، اللهم إلا إذا اعتبرنا حزب الميرغني الذي أصبح يرأسه أحمد سعد عمر في حقبة مفصلية من تاريخ السودان مع غياب تام لمحمد عثمان الميرغني حزبا مشاركا، وحتى هذه المعلومة تحتاج إلى ضبط، فالحزب يشارك بأشخاص ويعارض بضعفهم. تقول الحكومة إن عبود جابر هو الأمين العام لتلك الأحزاب المؤتلفة ولو صح ذلك لوجب أن يكون عبود جابر رئيس الجمهورية أو الرجل الأقوى في الجهاز التنفيذي لحكومة السودان، أو صاحب الرأي السياسي الأعلى حال اتفاق الأحزاب المؤتلفة على عدم تولي عبود جابر أمين عام أحزاب الوحدة الوطنية لمنصب تنفيذي. أين موقع عبود جابر من تلك المطالب التي ذكرناها؟ الأمر لا يحتاج إلى كثير ذكاء. لو كتبت اسم عبود جابر على محركات البحث لحصلت على آخر تصريحات له، وأكثر من90% من هذه التصريحات هي دفاع عن حكومة الموتمر الوطني بكلام يخجل الموتمر الوطني عن قوله، مثل ما جاء منه خلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية للملتقى التفاكري لأمناء الشباب بحزب الأمة الفيدرالي، حيث طلب عبود من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية وكافة المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني أن تضطلع بدورها وتساند وتدعم الشعب السوداني حتى يتم رفع ذلك الحظر الاقتصادي عنه. وطالب الأمين العام لمجلس أحزاب حكومة الوحدة الوطنية بالسودان عبود جابر، الإدارة الأمريكية، برفع الحظر الاقتصادي على السودان، واصفا ذلك الحظر ب(المجحف)، وأن ما ترتب عليه من آثار اقتصادية واجتماعية أضرت بالشعب السوداني (صحيفة الشروق المصرية/ السبت 10 مايو/ 2014). ما تفوه به عبود جابر في ذلك الموتمر يخجل الموتمر الوطني من ترديده علنا، فقد هدد الإسلامويون أمريكا بالويل والمحو من خارطة الوجود، إلى آخره من أوهام الأيدلوجيا التي تعتري مثل تلك الحركات التي يصور لها عقلها أنها بسيطرتها الكاملة على دولة فقيرة وضعيفة بإمكانها مناطحة القوى العظمى، ما فعلته أمريكا بحكومة الإسلاميين بل وببلادنا قاطبة مازلنا ندفع ثمنه الفادح المتزايد يوما بعد يوم، ولم تفلح وعود رجال المخابرات أو جهود الدبلوماسية الرسمية أو وساطات الأصدقاء في رفع العقوبات عن السودان، ومازال السودانيون قاطبة يدفعون ثمن مزايدات الإسلامويين، لكن عبود جابر يتحدث ويطالب، وأمام من؟ شباب حزب الأمة الفيدرالي، وهو حزب غير الذي يقوده الصادق المهدي، وأيضا غير الحزب الذي يقوده مبارك الفاضل. وكثيرا ما يظهر مولانا عبود بعمامته المميزة ليتحدث عن حالة إجماع السودانيين حول أمر محدد، ومثل حديثه هذا يطلقه قادة الأحزاب ذات الوزن الجماهيري، أو رؤساء الحكومات ولكن عبود يتحدث: "شرعت الأمانة العامة لمجلس أحزاب حكومة الوحدة الوطنية في عقد لقاءات سياسية تفاكرية مع الأحزاب السياسية في السودان للتوصل لرؤية واضحة حول القضايا الوطنية تقود للتضامن والوفاق الوطني". وقال الأستاذ عبود جابر الأمين العام للمجلس في تصريح (لسونا) إن هذه اللقاءات ستشمل بصورة مباشرة السيدين محمد عثمان الميرغني، والصادق المهدي زعيمي الاتحادي الأصل، والأمة القومي، والأحزاب المعارضة الاخري وأحزاب الشيوعي، والشعبي، باعتبارها مكونات القوى السياسية الوطنية في الوقت الراهن (وكالة السودان للأنباء24 أغسطس2012). عبود يتحدث بثقة كبيرة جدا عن الاتحادي الأصل، والأمة القومي، والشيوعي، والموتمر الشعبي، وإذا وافقت تلك الأحزاب على الدخول في حكومة الوحدة الوطنية بصورتها الحالية فإنها ستصبح مباشرة تحت قيادة عبود جابر الأمين العام لأحزاب الوحدة الوطنية، وسينضم الصادق المهدي وحسن الترابي إلى عمر حسن البشير ومحمد عثمان الميرغني اللذين يرأسهما عبود جابر بحكم منصبه كأمين عام لحكومة الوحدة الوطنية التي يمثل فيها الموتمر الوطني والأصل. في كثير من المناسبات يقول أبناء الموتمر الوطني الحزب الحاكم إنهم أداروا حوارات كثيرة كانت نتيجتها مشاركة عدد مقدر من الأحزاب السودانية في حكومة الخرطوم، وتكون هذه الأحزاب حكومة يطلق عليها حكومة الوحدة الوطنية، وهي الحكومة التي تحكم السودان اليوم. ولهم نقول هذا التحالف لم يحقق الاستقرار ولم يوقف الحرب المتصاعدة، كما أنه لم يحقق أي قدر من التنمية. تشبث أبناء الموتمر الوطني بالحكم يجعلهم يقولون إن أحزاب الوحدة الوطنية تحالف حقيقي. لكن ماذا سيقولون لو طلبت منهم هذه الأحزاب (أحزاب الوحدة الوطنية) خوض الانتخابات القادمة بقائمة واحدة كما ينبغي لأي تحالف سياسي راسخ عمل سنوات طويلة ببرامج موحد، وطالبت تلك الأحزاب بتقديم أمين عام المجلس كمرشح لرئاسة الجمهورية؟ يومها سيظهر الجد من الهزل. صحيفة اليوم التالي [email protected]