هذا مقال نشرته صحيفة المستشار العراقية بتاريخ 30 يناير 2014م وحمل عنوان : من أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي . ووجدت انه من الطريف استبدال عبارات وكلمات مثل : السودان، الحزب الوطنى، الإسلاميون الإصلاح والحوار ليبدو المقال وكأنه يصف الأوضاع فى بلادنا الان.فليجرب القارىء هذا التمرين العقلى وسيجده ممتعا ومؤلما فى ذات الوقت. (في بداية الثمانينيات قاد يوري أندروبوف، خط التشدد الأيديولوجي العسكري في مواجهة ما اسماه «نزعة الهيمنة الأمريكية على العالم، والتصعيد الأمريكي لسباق التسلح وتحول صراع الأفكار إلى صراع عسكري، في محاولة لتقويض التوازن العسكري الإستراتيجي القائم. بيد أن وصول اندروبوف إلى زعامة الحزب والدولة في الاتحاد السوفيتي سجَّل في الوقت ذاته بداية ثورة الجلاسنوست التي أطلق لها العنان خليفته ميخائيل جورباتشوف. ولعل أخطر ما أتت به ثورة المصارحة أو المكاشفة، هو النقد الذاتي الذي كشف عن أسباب تردي قوة الدولة السوفيتية. وإذا كان يوري أندروبوف قد واصل خط التشدد في إدارة الصراع السوفيتي الأمريكي، مستنداً إلى قبول تحدي سباق التسلح، فإن خط المهادنة الذي تبناه ميخائيل جورباتشوف انطلق من اليقين باستحالة مواصلة دور القوة العظمى في الحرب الباردة بالاستناد إلى القوة العسكرية وحدها، خاصة مع تدهور القدرة الاقتصادية السوفيتية. ومع إقدام ميخائيل جورباتشوف على تقديم التنازلات العسكرية والسياسية من جانب واحد، ويؤكد انهيار القوة العظمى السوفيتية. وإذا كان يوري اندروبوف قد طالب بالتروي في التغيير الذي أراده في إطار النظام ذاته، فإن جورباتشوف قد فجر الثورة التي قادت إلى تفكيك البناء الإمبراطوري وانهيار النظام الشيوعي، بإضعاف التلاحم الشمولي. وطبقاً للأدبيات السوفيتية فإن مفهوم القوة الشاملة للدولة كان يعني أنها تشمل الجوانب التالية: القدرة الجيوبوليتيكية، والموارد الطبيعية، والقدرة الاقتصادية، وميزان التجارة والمدفوعات، والقوة العسكرية، والسكان، والعوامل المعنوية والسياسية، ونوعية الدبلوماسية، ونوعية إدارة البلاد، ومستوى التقدم العلمي والتكنولوجي، ومعدلات التجديد والتحديث. و رغم امتلاك الاتحاد السوفيتي السابق إحدى أعظم ترسانتين للأسلحة التقليدية، فضلاً عن الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، فإن احتفاظه بالتفوق في مجال القوة العسكرية بدا مستحيلاً، بالنظر إلى تكاليف ومخاطر هذا التوجه، والأهم هو تدهور القدرة الاقتصادية السوفيتية نتيجة عجز آليات اقتصاد الأوامر عن توفير الأساليب التكنولوجية والتنظيمية والإدارية الحديثة، التي تؤمن تسريع التنمية ورفع الإنتاجية. وقد تفاقم مأزق الاقتصاد السوفيتي بسبب الحصار التكنولوجي، واستخدام سلاح الغذاء، وتصعيد سباق التسلح، من جانب الدول الغربية. هذا بالإضافة إلى تخصيص الاتحاد السوفيتي لموارده العلمية والتكنولوجية والمالية والبشرية وغيرها للأغراض العسكرية على حساب حاجات الاقتصاد، وهو ما أدى إلى تدهور القدرة الاقتصادية النسبية للاتحاد السوفيتي على الصعيد العالمي. وقد انعكس هذا في أن حصة الآلات والمعدات في إجمالي الصادرات إلى الدول الصناعية لم تتعد نحو 2%، وأن المواد الأولية ونصف المصنعة مثلت أكثر من 70% من صادراته إلى العالم في منتصف الثمانينيات. وكما أوضح يوري أندروبوف، فإنه مع ثورة الاتصالات العالمية، أضحى الاتحاد السوفيتي، عاجزاً عن إخفاء حقيقة تدني مستويات الرفاهية ونوعية الحياة لسكانه مقارنة بالدول الصناعية الرأسمالية. ومع الجلاسنوست أدى إلى تفكك ما يسمى بالأمة السوفيتية، وتدهورت هيبة الدولة الشمولية، وتفكك الجهازان السياسي والأمني للدولة، ودفع في ذات الاتجاه، عدم قدرة الاتحاد السوفيتي على تحمل تكاليف مواصلة الثورة العلمية وتخليه عن أوهام هزيمة الإمبريالية وانتصار الشيوعية، وعجزه عن رفع مستويات الرفاهية الجماهيرية، وتورطه في حرب أفغانستان التي أدت إلى تقويض مصداقية الاتحاد السوفيتي لدى الرأي العام العالمي.و من الواضح أن الأيديولوجية التي قام عليها النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، قد تحولت إلى مؤسسات تنسب لنفسها صفة تجسيد الأيديولوجية، بينما أصبحت هذه المؤسسات في نظر الجماهير، مجرد بناء مؤسسي ينطوي على قدر كبير من الكبت، ولم تعد لها جاذبية، ومصدر ذلك الادعاء أن كثيراً مما تتطلع إليه الجماهير يعدّ انحرافاً عن المبدأ الأيديولوجي السليم، وتعبيراً عن تطلعات طبقية تتعارض مع الموقف البروليتاري الصحيح، ومع المسلك الذي يقضى في النهاية إلى المستقبل المنشود مستقبل الاشتراكية والشيوعية. وفي الوقت نفسه تفشي الفساد نتيجة هذا الكبت، ونشأت طبقة جديدة، هي طبقة المنتفعين بالمؤسسات الاشتراكية. فقد كان واضحاً أن المؤسسات الوحيدة التي استمرت تحرص على وحدة كيان الاتحاد السوفيتي، هي الحزب والمخابرات والجيش فقط، وكلها مؤسسات منظور لها على أنها أدوات كبت، بينما تعددت صور التفكك لأسباب قومية ودينية. ومن ثم فإن مؤشر عنصر التماسك الذي كان من المفترض أن يستمد كيانه وحيويته من الأيديولوجية، لم يعد قائماً وأن هذا التمسك يتحقق أساساً في صور مؤسسات، بما تملكه من قدرات كبت، كما أن الجيش والمخابرات أصبحت تطرح على قدم المساواة مع الحزب وتباشر الوظائف نفسها أدوات قمع صريحة. وقد ترتب على غياب الأيديولوجية القائمة على البعد الطبقي انتعاش لأيديولوجيات أخرى بديلة، مثل الأيديولوجية الدينية، والأيديولوجية القومية والأيديولوجية العرقية، وكل هذه عوامل تفكيك، بدلاً من أن تكون عوامل تماسك وبناء، إذ إن جميع الذين ينسبون أنفسهم إلى دين معين أو إلى قومية معينة على نطاق المجتمع بأسره إنما يشكلون مواجهة للذين ينتسبون إلى دين آخر أو قومية أخرى، وهذا معناه تقسيم المجتمع رأسياً. وهكذا، فعندما نتحدث عن التقسيم الأساسي، أي التقسيم الأيديولوجي الطبقي، فإننا نعنى به كتلة رئيسية في المجتمع، يشكل كل المنتسبين إليها وحدة كتلة الطبقة العاملة ومعها مجموع الطبقات الكادحة في المجتمع.. أنها كتلة اجتماعية يُفترض فيها التجانس، بغض النظر عن اختلاف قومية المشكلين لها، واختلاف أصولهم الدينية والعرقية، وإن وجد لهم أعداء، فهم أعداء ينبثقون من صفوف هذه المجتمعات جميعاً، وهم قابلون للعزل.و كان هناك السؤال الذي شغل الكثير من المشتغلين بالسياسة، وهو؛ لماذا فشلت إدارة ميخائيل جورباتشوف في الانتقال إلى طراز جديد متحرر من تشوهات المجتمع السوفيتي القديم وأمراضه؟. وسوف نوضح فيما يلي تحليلاً للدراسات الأكاديمية حول فشل الإدارة الجورباتشوفية للانتقال السلمي، وبالتالي حدوث الانهيار للاتحاد السوفيتي؟. وعشية إعلان نهاية الاتحاد السوفيتي رسمياً، وأمام المؤتمر الخامس غير العادي لنواب الشعب في جمهورية روسيا الاتحادية البرلمان الروسي، أعلن بوريس يلتسين انتهاء عهد التقدم بخطوات صغيرة، وهكذا انتهى الاتحاد السوفيتي مع نهاية عام 1991، إثر استقالة ميخائيل جورباتشوف، ومن الواضح أنه كان هناك العديد من الأسباب المهمة لنكسة الاشتراكية، منها على سبيل المثال، تلازم هذه الاشتراكية، مع الدكتاتورية البوليسية المطلقة التي خلصت دائرة السلطة في مجال ضيق تتناوله نخبة سياسية وعسكرية بيروقراطية، استطاعت أن تقمع الحرية والديمقراطية. ولذلك فعندما فتحت البريسترويكا إمكانية تغيير النسق السياسي السوفيتي بما يُحسِّن من شروط تداول السلطة، وبما يخلق فرصاً جديدة أمام التطور الديمقراطي للبلاد، عبَّر المجتمع عن تأييده لسياسة الإصلاحات وعن موقفه المعادي للنموذج الاشتراكي في الحكم).انتهى حسين التهامى كويكرتاون، الولاياتالمتحدةالامريكية [email protected]