عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. محاورة مع الأستاذ محمد الأمين أبوزيد في ملاحظاته على رسالة السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي؛ بعنوان "الوصال والشفافية" لمؤتمر نداء السودان الصحفي بتاريخ 25/7/2016م بقلم : عبدالمحمود أبّو بدأ الأستاذ محمد الأمين أبو زيد ملاحظاته بمدخل تقريري؛ يبين قناعاته وموقفه من منهج السيد الصادق وتعاطيه السياسي؛ حيث يقول:" لم يكن السيد الصادق المهدي صاحب النفس الطويل في كل تاريخه السياسي ، ولاسيما في مواجهة الدكتاتورية ؛ فقد كان ملك التسويات الفاشلة ، وأحيلكم إلى تاريخه؛ فهو فيلسوف المصالحة مع النظام المايوي في 77 على حساب مجازر الجزيرة أبا وودنوباوي ، ومقتل إمام الأنصار وشهداء 76، ..." واسترسل في ملاحظاته منتقدا الرسالة في كل فقراتها، ويمكن تلخيص ملاحظاته في النقاط الآتية: 1- اتهامه للسيد الصادق بأنه لم يكن صاحب النفس الطويل في كل تاريخه السياسي!! ولاسيما في مواجهة الدكتاتورية، وأنه مهندس التسويات الفاشلة... 2- عندما جثمت الإنقاذ على صدرالبلاد قبض عليه بعد أيام وفي جيبه مشروعا تصالحيا بعنوان" رسالة الشرعية والقوة" 3- ادعاؤه الوطنية وحرمان المخالفين له منها، هكذا يفهم من مضمون ملاحظته. 4- اتهامه بالتفريط في حقوق الشعب السوداني لقبوله بالحوار غير المتكافئ مع نظام لايقبل إلا بحوار يعزز وجوده وضمان بقائه. 5- استهجن الأستاذ محمد فكرة الجمع بين الحوار والاستعداد للانتفاضة في نفس الوقت . وعاب على السيد الصادق أنه لم ينظم قاعدته وتثويرها ضد النظام ، واتهمه بتحاشي المواجهة مع النظام وتمترسه حول مصفوفات الجهاد المدني ، والهبوط الناعم، وغيرها من الشعارات التي دجنت جماهير الأنصار صاحبة الإرث الثوري التاريخي والاستعداد النضالي العالي. 6- تساءل الأستاذ محمد الأمين عن من هم الذين شاركوا النظام ويتعنترون الآن ؟ ونفى أن يكونوا هم في حزب البعث قد شاركوا سلطة الجبهة في أي مفصل من مفاصل السلطة طوال عمر النظام، لاضمن اتفاق عام ولاخاص! وأشار في تهكم إلى الذين يتأهبون للمشاركة هم من ظلوا يحاورون الطغيان بيد! وهو يقصد حزب الأمة. 7- وذكر إن استحقاقات الحوار الوطني التي يدعو لها حزب الأمة لم تتحقق وهي(إلغاء القوانين المقيدة للحريات، إشاعة الحريات وبسط الحقوق، إيقاف الحرب،...الخ) وذكر أن النظام لن يستجيب لهذه المطالب لأن بقاء هذه القوانين هو ضمان ديمومته وسيطرته، وأقصى مايمكن تقديمه في هذا الجانب هو إشراك الآخرين ضمن معادلة محاصصة تحافظ على ركائزه وقاعدته الاجتماعية والسياسية. 8- نفى الأستاذ محمد الأمين أوجه الشبه بين السودان وقواه السياسية وبين البلدان التي تحولت من الطغيان إلى الديمقراية . 9- استهجن الأستاذ محمد الأمين حديث السيد الصادق عن استحقاقات الحوار التحضيري واستقلاليته عن حوار القاعة ، وأنه سيكون شاملا؛ مستندا على حديث وزير الإعلام الذي أكد بأن نداء السودان سيوقع على خريطة الطريق تمهيدا لالتحاقه بالحوار الوطني !!!! ودعا أهل النداء أن يكونون صادقين مع شعبهم دون مراوغات!! 10- استهجن تصنيف السيد الصادق للرافضين للحوار والتسوية بالغلاة الذين لايدركون الواقع الدولي والاقليمي والمحلي، وبالعميان الذين يستغلهم الآخرون، وبالأدوات لجهات أمنية تريد أن يواصل النظام طغيانه؛ واعتبر أن الواقع الدولي والإقليمي في صالح ميزان بقاء النظام ؛ لأنه متصالح مع مصالحه وليس مصالح شعب السودان. وأن وصف بعضهم بالعميان الذين يستغلهم آخرون؛ فيه استخفاف بالقوى السياسية التي وقفت ضد نهج التسوية، وأما الجهات الأمنية في النظام فهي تعمل في تناسق مع الجهات السياسية بتقديم المعلومات المعنية ، وبحكم طبيعة النظام فإن القرار السياسي مطبخه أمني بالأساس. 11- عاب على السيد الصادق قوله: " إن الشروط الموضوعية للانتفاضة لم تبلغ مداها بعد " مستشهدا بما وصل إليه حال البلاد من حروب وانهيار اقتصادي وتردي اجتماعي وفشل متناسل على كل الأصعدة...الخ مستشهدا بعبارة الأستاذ محمد سليمان صاحب دنيا دنبقا المشهورة: "يارااااااااااجل" قائلا: لوقال السيد الصادق بأن الظروف الذاتية للانتفاضة لم تكتمل بعد ؛ لأننا لم نخطط لها أصلا وانشغلنا بالحلول السياسية ؛ لكان صادقا مع نفسه وحزبه وشعبه ونداء السودان ، ولكن هذه هي المراوغة بعينها والمحاولة البراجماتية والذرائعية لإلباس الواقع لباسا مغايرا. 12- وفي الختام طالب الأستاذ محمد الأمين السيد الصادق وحلفاءه في نداء السودان أن يتحملوا خياراتهم بالكامل؛ لأن الشعب السوداني لن يسمح بتناسل التجارب الفاشلة، ولن يعيد انتاج الفشل ، ولن يقبل بغير التغيير الجذري بديلا. انتهى كلام الأستاذ محمد الأمين أبوزيد. يعتبر كلام الأستاذ محمد الأمين أعلاه، وكلام الأستاذ علي إدريس علي؛ اللذان نشرا في جريدة الهدف؛ بمثابة مذكرة تفسيرية لبيان حزب البعث القومي – المكتب السياسي الصادر يوم 21 يوليو حول مخرجات باريس. وتفاعلا مع هذه الملاحظات أُدْلِي بِدَلْوِي وأقول: أولا: يحمد للأستاذ محمد الأمين أبوزيد متابعته للشأن العام وتناوله المرتب لأفكاره ؛ التي ستمكن القارئ من فهم مقصده دون عناء، فكثير من الكتاب لايفصحون عن أفكارهم ورؤاهم بأسلوب جاذب ومرتب مما يجعل القارئ يعاني كثيرا لفهم مقصوده، فأنا أُحَيِّي الأستاذ محمد الأمين على أسلوبه وترتيب أفكاره والافصاح عن مقاصده. ثانيا: لاشك أن الأستاذ محمد الأمين ينظر للأحداث من زاوية تختلف عن رؤية حزب الأمة وغيره من الأحزاب والقوى المكونة لنداء السودان؛ وبالتالي فإن تعاطيه مع الشأن السياسي سيكون مختلفا عن رؤية تلك القوى السياسية؛ بدليل أن ماكتبه قادة نداء السودان- د جبريل والأستاذ ياسر عرمان والأستاذ الدقير- يتفق مع مع ذهب إليه السيد الصادق المهدي؛ وهذا هو جوهر التعددية الحزبية؛ الذي يقوم على تقديم خيارات مختلفة ، ورؤى متنوعة؛ لتكتمل الصورة عند المواطن ليختار الأسلوب الذي يتفق مع قناعاته وقدراته ؛ ومن هنا فإنّ تقييم الأستاذ محمد الأمين أبوزيد لأداء السيد الصادق السياسي عبر التاريخ؛ يعبر عن قناعاته وقناعات من يمثلهم ويتفقون معه في أفكاره ومنهجه؛ وسبقه لذلك آخرون في كل العهود التي شارك فيها السيد الصادق في الشأن السياسي، وبالمقابل فإن المتفقين مع السيد الصادق والمؤيدين لأفكاره لايتفقون معهم فيما ذهبوا إليه من أحكام، ولايعتبرون أن السيد الصادق قد فشل في أدائه السياسي، بدليل تكرار انتخابه رئيسا لحزب الأمة في كل مؤتمرات الحزب، وإعطاء حزبه الأغلبية في كل انتخابات ديمقراطية نزيهة خاضها، ولايعتبرون المصالحة الوطنية في 77 فاشلة ؛ فقد حقنت الدماء، وفتحت الباب للحريات، واطلقت سراح المسجونين والمعتقلين، وأتاحت الفرصة لآلاف المواطنين الذين شُرِّدوا من ديارهم العودة لوطنهم وممارسة حياتهم؛ صحيح أن المصالحة لم تحقق كل أهدافها وهذا أمر طبيعي في الشأن السياسي ، وينطبق الأمر على نداء الوطن وعلى التراضي الوطني وعلى كل محطات الحوار بين الحكومة والمعارضة؛ فهي التي بصورة أوأخرى فتحت الباب لأهل السودان أن يعيدوا تكوين أحزابهم وأن يعبروا عن أفكارهم وآرائهم بحرية – وإن كانت نسبية- والذين عاشوا تجربة الشمولية المرة يدركون هذه الحقيقة. ولاشك أنّ تقييم الآخرين لتجربة البعث في العراقوسوريا تختلف عن تقييم الأستاذ محمد الأمين وحزب البعث السوداني لتلك التجربة. ثالثا: المتتبع لأفكار السيد الصادق المهدي منذ الستينات؛ يجد أن سلوكه السياسي يجسد أفكاره المنشورة؛ فلا تجد تناقضا بين قناعاته الفكرية ومواقفه السياسية؛ فهو يمثل مدرسة ترى أن مشاكل السودان في الأصل ثقافية وسياسية؛ تعالج بالتشخيص الصحيح لها، والاعتراف بالمظالم السياسية والثقافية ومعالجتها بالحسني. ففي عام 1964 أصدر كتابا حول أزمة جنوب السودان بين فيه أن الأزمة لاتعالج عسكريا وإنما تعالج سياسيا وثقافيا؛ وكذلك موقفه من الاشتراكية والقومية العربية والعلاقة بين الإسلام والعلمانية ، والتنمية وكل القضايا التي يختلف حولها الناس وأفرزت أزمة السودان والمنطقة العربية والاسلامية. ومن هذا المنطلق كان موقفه من إنقلاب الإنقاذ والمذكرة التي أشار إليها الأستاذ محمد الأمين التي وجدت في جيبه لحظة اعتقاله"رسالة الشرعية والقوة" فقد بين في تلك المذكرة أن مشاكل السودان مشاكل موضوعية راسخة في بنية المجتمع؛ لا تعالج بالأوامر العسكرية، ولا بالشعارات الأيديولوجية؛ وإنما تعالج بالمعرفة الصحيحة لها، والاعتراف بها واتخاذ السياسات الجادة لمعالجتها. ومن هنا كانت الدعوة للمؤتمر القومي الدستوري الذي تشترك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية، وتناقش فيه كل القضايا؛ ليتم التوصل إلى خارطة طريق وبرنامج مفصل يَعْبُر به السودانيون حالة اللاإستقرار التي صاحبتهم منذ الاستقلال؛ ولو استجاب الانقاذيون لهذا المطلب لما كانت نيفاشا ولما انفصل الجنوب، ولما اندلعت أزمة دارفور، ولجنبنا السودان كل الويلات التي حلت به، ولقدمنا نموذجا للاصلاح السياسي تستفيد منها الدول العربية والإفريقية؛ التي تعيش الآن في بحور من الدماء بسبب القتال بين مواطنيها نتيجة للتعصب للرأي وقلة الوعي بالمخاطر والمآلات. رابعا: السيد الصادق يمثل تاريخا سودانيا حافلا بالتضحيات، ولديه خبرة متراكمة بأساليب النضال في مواجهة الإستعمار والنظم الشمولية، وهو رجل دولة انتخبه الشعب مرتين في ظل نظام ديمقراطي يكفل الحريات للجميع ، وشارك مشاركة فعلية في إزالة نظامين ديكتاتوريين بل كان هو من أبرز مهندسي الثورات الشعبية وكاتب مواثيقها؛ لذلك ليس هو من يُزايَد عليه بمعرفة شروط الانتفاضة وعوامل نضجها! والفرق بينه وبين كثير من المناضلين هو أنه يعبر عن شريحة اجتماعية واسعة متغلغلة في عمق المجتمع السوداني، ومواقفه تنعكس على المجتمع بأفراده وجماعاته سلبا أوإيجابا، فلا بد أن تكون مواقفه محسوبة بدقة مراعاة لما يترتب عليها من انعكاسات على الوطن ؛ فلا يُقْدم على عمل إلا إذا توفرت شروطه واكتملت مقوماته. وهناك أمر آخر خلاصته أن كثيرا من الناس يظنون أن السيد الصادق المهدي؛ يصدر أوامره للقواعد فتنفذ دون مناقشة ! وهؤلاء لايعرفون شيئا عن الأنصار ولا عن علاقتهم بقيادتهم، فالقيادة تعبر عن قناعات القواعد، وتنفذ ما يتفقون عليه عبر مؤسساتهم لا العكس؛ فكل المواقف تناقش عبر سلسلة من الأجهزة ويتم الاتفاق عليها وإجازتها وبعد ذلك تقوم القيادة بتنفيذها؛ ونفس الأمر ينطبق على حزب الأمة. فالصورة الموجودة في أذهان كثير من المثقفين وعامة الناس؛ بأن الأنصار مجرد أتباع يؤمرون فيطيعوا ويُوَجَّهون فيستجيبوا ويشار إليهم فيُلَبُّوا؛ صورة غير صحيحة؛ فالأنصار طاعتهم مبصرة تسبقها الشورى والاقتناع والاقرار فالالتزام ثم التنفيذ. والسيد الصادق المهدي ومعه الأنصار لا ينطلقون في عملهم السياسي وموقفهم من الآخر من منصة الإنتقام والثأر؛ وإلا لكان السودان الآن في خبر كان ، فبعد حركة 76 والانتكاسة التي حدثت لها كان السيد الصادق ومعه عدد كبير من شباب الأنصار؛ يحملون أسلحة ثقيلة على مقربة من التوغل في العمق السوداني؛ لو دخلوا بها الخرطوم لمحوها من الوجود! ولكن حكمة القيادة فرغت الغضب الشبابي وامتصت حماسهم تحسبا للمآلات، ولو تعامل السيد الصادق مع حوادث الجزيرة أبا وودنوباوي بمنطق القصاص الانتقامي؛ لتضررت كثير من التنظيمات التي ساندت النظام المايوي وهتفت "راس الهادي مطلب شعبي" " وأضربوهم بيد من حديد"!!! الفكر الأنصاري قام بمراجعات كثيرة لمسيرته التاريخية؛ فكرا وسياسة ومنهجا؛ أدت به إلى تبني مدرسة الصحوة التي تقوم على التوفيق بين العصر والأصل في الفكر، والانحياز للديمقراية والمواطنة وقبول الآخر والنهج السلمي في العمل السياسي، والوسطية والاعتدال في المواقف؛ والفصل بين المؤسسة الدينية الخاصة بالدعوة والنشاط الإنساني غير السياسي؛ والحزب السياسي المدني الذي يعبر عن السودان بكل تنوعه الثقافي والاثني والديني والفئوي؛ وهي قناعات راسخة لاتغيرها المواقف العارضة التي تفرضها بعض متطلبات الواقع. خامسا: لايفوت على المراقب للمشهد السياسي أن القوى السياسية ليست على نسق واحد؛ فتصنيف السيد الصادق للقوى السياسية هو مجرد وصف للواقع ؛ والعبارات التي اعتبرت قاسية جاءت ردا على الذين تطاولوا وتجاوزوا في وصفهم لمخرجات نداء السودان على قاعدة" لايحب الله الجهر من السوء من القول إلا من ظلم" والقوى السياسية تعرف أن السيد الصادق من أكثر القيادات السياسية احتراما للآخر، وتقديرا له واعترافا بدوره في ظل التنوع الثقافي والتعدد السياسي الذي تتميز به بلادنا. وأما حديثه عن الذين شاركوا في النظام ويتحدثون الآن بلغة عنيفة ضد النظام؛ فلو كانوا صادقين لكانوا وقفوا ضد القوانين المقيدة للحريات ولم يسمحوا بإجازتها أثناء مشاركتهم، ولعملوا على تغيير سياسات النظام من الداخل لصالح الوطن والمواطنين، ولكن قراءتهم للمشهد كانت تقوم على الثقة المفرطة في الحركة الشعبية! التي كان لها هدف آخر هو فصل الجنوب والانفراد بحكمه بعدما قدرت أن شعار السودان الجديد يصعب تطبيقه في السودان الموحد. ولذلك لم تهتم بقضايا التحول الديمقراطي ولا الحريات ولا غيرها من القضايا التي أزَّمت الواقع السوداني. ولوكان حزب الأمة يهدف من حواره المشاركة مع النظام دون اعتبار لللآخرين ولامراعاة لمصالح الوطن؛ لفعل ذلك منذ زمن بعيد؛ فالعروض التي قدمت له من النظام كانت مغرية تقوم على المناصفة في المشاركة في السلطة، وتوفير كل مطالبه الحزبية ؛ ولكن حزب الأمة موقفه كان ولا زال مبدئيا؛ لايشارك في سلطة إلا عبر انتخاب حر ونزيه، أو عبر اتفاق سياسي جامع لايسيطر عليه أحد، ولايقصي أحدا؛ في ظل حكومة انتقالية ذات برنامج محدد بموضوعاته ومراحله وسقوفه. سادسا: الشروط الموضوعية للانتفاضة لم تكتمل؛ هذا كلام صحيح. وإلا لو اكتملت لحدثت الانتفاضة التي لا تحتاج إلى إذن من السيد الصادق ولامن غيره، فالحروب والتردي الاجتماعي والاقتصادي، وبقية الأشياء المذكورة؛ هي أزمات تساعد على الانتفاضة ولكنها لاتصنعها، فلا بد من استعداد الشعب للخروج بهدف اسقاط النظام وتحمل تبعات الخروج لا الخروج التلقائي المطلبي، ولابد من وجود آلية لتنظيم الخروج وتحضير البدائل والعمل على تشتيت جهود الأجهزة التي تتصدى للمواطنين، ومن أهم عوامل النجاح وجود قوات مسلحة وطنية تنحاز لإرادة الشعب وتحميه من القتل،ووو...الخ. سابعا: أما تمترس النظام في موقفه وعدم توفر الشروط الموضوعية للحوار فهذا صحيح؛ لكن من المعروف أن كل الظم الشمولية تظل متمترسة ومتمنعة وجامدة ولكن بالتفاعل والحراك والضغط تتم زحزحتها؛ لأن المسرح السياسي ليس جامدا وإنما هو في حراك دائم، ولماذا تفترض القوى السياسية أن النظام أذكى منها وتخشى أن يحتويها !!! لماذا لاتستخدم ذكاءها وشعبيتها ودهاءها السياسي لاقتناص الفرص والعمل على زحزحة النظام من مواقفه الجامدة من خلال استقطاب بعض عناصره المتنفذة للانحياز للوطن؟ خاصة بعد غياب العقل السياسي للنظام، وانهيار مشروعه السياسي، ورجوع قياداته للتمترس الجهوي والاثني والمصلحي والشللي؛ وإلغاء دور الحزب ومؤسساته! ولماذا لاتعتبر تصريحات وزير الإعلام دافعها الخشية من المآلات والاحساس بقرب زوال الملك بعد إنهيار ممسكاته؟. لقد ظل فرعون مصدقا أنه الرب الأعلى حتى إذا أدركه الغرق أدرك أنه كان عريانا كما وصفه الطفل البريء!!! إن التعاطي مع الموقف السياسي بمنطقه ليس مراوغة، ولاخداعا، ولا براجماتية، ولاذرائعية؛ وإنما هو استجابة لمتطلبات كل مرحلة، والتعامل معها بمنطقها، أليست السياسة هي فن الممكن؟ ومن الطبيعي أن تتحمل القوى السياسية مسئولياتها تجاه جماهيرها، وتتحمل نتائج مواقفها، فهي تراهن على الشعب وتسعى لتحقيق مطالبه، والادعاء بأنّ جهة ما تمثل الشعب وتعبر عن قناعاته؛ تبينه صناديق الاقتراع في ظل انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة . ثامنا: أما أن الوضع في السودان لايشبه الدول التي حققت الانتقال السلمي من الشمولية إلى الديمقراطية لافي طبيعته ولافي قواه السياسية؛ فليس بالضرورة أن يكون التشابه حرفيا، بل إن ظروف السودان أوجب للعمل على الانتقال السلمي؛ وذلك بسبب غياب المؤسسة القومية الجامعة لقومياته، ولضعف مؤسسات الدولة، ولتعدد الإثنيات المسلحة، ولترهل الهيكل الإداري والتقسيم القبلي للولايات والمحليات، ولغياب البرنامج البديل المتفق عليه من القوى السياسية التي تحل محل النظام بعد زواله؛ هذه العوامل وغيرها تستوجب على القوى السياسية الجادة أن تتمسك بأي بادرة أمل تمكنها من زحزة " ديك العدة" من مطبخ السياسات الوطنية الذي يحتمي به. صحيح أن المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي يهتم بمصالحه لابمصالح النظام؛ ولكن من الممكن أيضا التأثير عليه وتغيير مواقفه كما حدث في موضوع خارطة الطريق. تاسعا: يجب علينا في السودان أن نتجاوز الأساليب القديمة في الصراع السياسي(التعصب الأيدولوجي- إدعاء إمتلاك الحقيقة والوطنية- تخوين الآخرين وتفسير نواياهم – اتهام الجادين في العمل السياسي بأنهم طلاب سلطة – انتظار جهات بعينها لتقوم بالتصدي للشمولية واسقاطها وتسلمنا السلطة- التعامل الانفعالي مع الشأن العام المعقد – العزل السياسي – التصديق بأن الأماني ستتحقق دون عمل...) . عاشرا: علينا أن نستفيد من التجربة التركية؛ فنظام أتاتورك كان ممسكا بكل مقومات الدولة؛ بل سلخ الدولة التركية من جلدتها، وقضى على كل مظاهر الخلافة العثمانية، وظنَّ النظام العلماني الصارخ أنه باقٍ إلى يوم القيامة! لم يسقط النظام العلماني بالانقلاب ولا بالانتفاضة، وإنما سقط بالزحزحة والتدرج ووعي القيادة السياسية المناهضة له، وقدرتها على تغيير أساليبها تعاطيا مع متطلبات كل كرحلة؛ فاستطاعت أن تحدث التحول بصورة أدهشت العالم رأينا آخر فصولها في المشهد الرائع الذي وقفه الشعب التركي في مواجهة الانقلاب الأخير. فالعقل السوداني ليس أضعف من العقل التركي إن لم يكن متفوقا عليه ودونكم الاستقلال الأول الذي حققه السودانيون في عام 1885م في مواجهة الاستعمار التركي، والاستقلال الثاني الذي حققه السودانيون من الاستعمار البريطاني المصري؛ "اختلفت السيوف إلا الضَّرِبْ مُتَسَاوِي" . أخيرا : إنّ مشاكل السودان والمنطقة العربية متشابهة، والتيارات النشطة في الساحات تنطلق من مرجعيات متعددة: إسلامية وقومية وعلمانية؛ والقضايا محل الاشتباك معروفة تتلخص في (الديمقراطية، والمواطنة، والحريات، وحقوق الإنسان، والوحدة، وعلاقة الدين بالدولة، والتنمية، والتداول السلمي للسلطة) ؛ وبعد حوار طويل؛ توصل الإسلاميون والقوميون لانشاء منبر مشترك هو "المؤتمر القومي الإسلامي" الذي يعمل على تعزيز المشتركات، والعمل معا على ترسيخها مع احترام خصوصيات كل تيار واجتهاداته الفكرية والسياسية، وتجنب المواقف والاشارات السالبة التي تعيدنا إلى المربع الأول، لقد قطع المؤتمر القومي الإسلامي شوطا كبيرا واستطاع أن يقرب الشقة بين التيارات ذات المرجعية الإسلامية والتيارات القومية؛ هذا التقارب أفسدته تجربة الحكم في مصر وتونس، والموقف من الأحداث في سورياوالعراق؛ والمؤتمر القومي الإسلامي يعمل الآن على تنظيم حوار بين كافة التيارات في المنطقة؛ لإعادة الأمور إلى نصابها؛ فلنعمل على تعزيز فرص النجاح لهذا الحوار الذي فيه مصلحة كسبية للمنطقة كلها، ولكل التيارات الديمقراطية العاملة في الساحات.