أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع البحث العلمي في السودان .. بقلم: ب. الوليد محمد الأمين / جامعة الزعيم الأزهري
نشر في سودانيل يوم 03 - 02 - 2017


عميد البحث العلمي – جامعة الزعيم الأزهري
لعله ليس من باب الكياسة أو الحكمة أن تبدأ مثل هذه المقالة بالحديث عن أهمية البحث العلمي ودوره في تطور المجتمعات والأمم ، فذلك مما صار من المعلوم بالضرورة . أرجو في هذه الكتابة الأشارة الي واقع البحث العلمي في السودان وتسليط الضوء علي بعض مناحي العوز الملازمة للعملية البحثية. أرجو كذلك أن أشير الي أنني سأحاول الابتعاد عن الاحصائيات والأرقام المعلومة بالضرورة فيما خص الصرف علي البحث العلمي من ميزانية الدولة في السودان ودول الاقليم رغم أهمية ذلك في مجال المقارنات وتبيان الحال غير انه سيأخذ المقال الي منحي آخر.
غرض هذه الكتابة أذن هو التنبيه الي واقع البحث العلمي في السودان وان كان ذلك معلوماً لدي الكثيرين من المهتمين والمتابعين الا أنه يظل حبيس النقاشات الشفاهية والتقارير الأكاديمية المحكمة علي قلتها. عليه آمل أن تفتح هذه الكتابة نافذة وتشجع البعض من المهتمين للادلاء بدلوهم فيما خص كيفية الارتقاء بالبحث العلمي في السودان حتي في ظل الامكانات الضعيفة المتاحة.
أرجو أن أشير هنا الي أن ما يتم صرفه في الجامعات ومراكز البحوث المختلفة عبر بحوث الطلاب والبحوث الممولة داخلياً أو خارجياً ( علي قلة التمويل الخارجي لأسباب المقاطعة الاقتصادية والداخلي لأسباب متعددة ) ، هذه المبالغ التي يتم صرفها لكفيلة بتحسين ولا أقول بالأرتقاء بمستوي البحث العلمي لدينا.
أن مما يؤسف له عدم وجود سياسة واضحة للبحث العلمي في غالب الجامعات السودانية ان لم يكن كلها ، والجامعات التي حاولت تحديد أولويات البحوث ووجهت بمشاكل اجرائية وتطبيقية منها علي سبيل المثال التداخل مع الوزارات الاتحادية أو الولائية.
ارتبط البحث العلمي في السودان والي زمن قريب بالمراكز المتخصصة والجامعات محدودة العدد وقتها. وفي هذا الاطار كانت هناك عدة معاهد ومراكز بحثية تتبع أو هي تحت اشراف أو ذات علاقة بوزارة التعليم العالي.
مع التوسع في التعليم العالي في السودان ونشوء العديد من الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة توسع بالتالي النشاط البحثي في هذه المؤسسات. تجدر الأشارة هنا الي أنه ورغم التوسع المضطرد في الجامعات والكليات الجامعية الا أن ما صاحبه من توسع في مجال البحث العلمي لا يعتد به بل وربما لا يؤبه له. الشاهد هنا أن غالب ما يسمي بالبحث العلمي في الكثير من مؤسساتنا هو بحوث تخرج الطلاب أو فروضهم لاكمال شرط الحصول علي الدرجات العلمية المعينة.
أود في هذه العجالة التركيز علي أهمية الاهتمام بالكادر البشري لتطوير العملية البحثية . لا يلغي ذلك بالطبع الأهمية العظيمة والمتعاظمة للتمويل في تطوير البحوث. ولعله من المعلوم هنا ضعف المرصود من الميزانية لصالح البحث العلمي في السودان بل وفي دول المحيط العربي والأفريقي علي وجه العموم اذا استثنينا من ذلك دولتي جنوب افريقيا والدولة الاسرائيلية ان شملنا قطاع أو اقليم شرق المتوسط الذي يتبع له السودان حسب تقسيمات منظمة الصحة العالمية.
أدي التوسع المضطرد في الجامعات وحوجة الجامعات للدرجات العلمية الأعلي من البكلاريوس وتاليا الماجستير الي التساهل في شروط منح الدرجات العلمية . لا أعني هنا الشروط الأكاديمية وان لم يخل الأمر من ذلك ، أعني هنا تحديداً التساهل في اجازة مواضيع البحوث لدرجات الماجستير والدكتوراة بتخصصاتها المختلفة. وللحق فان هناك العديد من الأسباب التي أدت الي هذه المسألة . ليس أقلها تقلص فرص الابتعاث والمنح الي خارج السودان للدول الأوروبية والولايات المتحدة علي وجه الخصوص. أدي ذلك الي اتجاه الأساتذة الي التحضير الداخلي مع ما هو معلوم بالضرورة من نقص المعينات البحثية خاصة في مجالات العلوم التطبيقية كالفيزياء والأحياء والهندسة الوراثية علي سبيل المثال. ومن ساعدته الأحوال تجده قد أكمل دراساته في دول حديثة العهد بالنهضة البحثية والعلمية. لا غبار علي ذلك ولكن لا يمكن مقارنة ذلك بالتحضير في دول مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة علي سبيل المثال . أن نظرة الي مكاسبنا من هؤلاء المبعوثين مع العديد من الاستثناءات لتوضح ما قصدته دون اعمال سوء النية في تفسير مابين السطور. تجدر الأشارة هنا الي أن الجيل الأول من مبعوثي الداخل تميزت غالب أطروحاتهم ومشاريعهم البحثية بالرصانة والحوكمة البحثية اذا ما قورنت بمنجزات الأجيال اللاحقة. الشاهد هنا أن الجيل الأول تلقي تدريبه وتأهيله في مرحلة التحضير علي أيادي الأساتذة الذين كانوا قد تأهلوا وتدربوا تدريباً عالياً خارج السودان كان ذلك أو داخله. ولكن مع تضاعف أعداد الكليات والحوجة للأساتذة تم التنازل عن كثير من معايير الجودة ، هذا أذا ما أخذنا في الاعتبار ما أشرنا اليه من عدم وجود استراتيجية حاكمة لأولويات البحوث لدي الجامعات. وفي هذه التفصيلة تجدر الأشارة هنا بل والاشادة بجهود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السنوات الأخيرة باصدارها لقائمة أو دليل لأولويات البحوث الخاضعة للتنافس علي التمويل من الوزارة ورصدت الوزارة في سبيل ذلك ثمانين مليوناً من الجنيهات السودانية في العام الفائت 2016 مائة وعشرين مليونا للعام الحالي 2017 (ثمانون مليارا ومائة وعشرون مليارا بدون حذف الأصفار ، أو بالقديم كما جري القول).
أفرز العدد الكبير من الأساتذة الذين أنجزوا بحوثهم كيفما اتفق في الظروف المعلومة عدداً مماثلاً أو أقل قليلاً من المشرفين ذوي المقدرات المتدنية ، أذ ليس من المنطق أن تتوقع من شخص ما أن يشرف علي بحث بمواصفات علمية عالية أو قل معقولة وهو المقتنع والموقن بفرادة وجدارة ما أنتجه في سعيه للاجازة العلمية من بحث ضعيف بمعايير الحوكمة العلمية للبحوث. أصبح من العادي الآن في كل الجامعات السودانية أن يتخرج الطلاب ببحوث لا تصلح مواضيعها حتي للمقالات الصحافية . ولعل من الواجب هنا الاشارة الي أن المقالات الصحافية نفسها الآن لها معاييرها العلمية الضابطة فلم يعد من المقبول في العمل الصحافي المحترم اليوم أن يكتب الصحفي مقاله أو رأيه كيفما اتفق دونما اعتبار لحقائق الأشياء. ان نظرة عابرة لأحوال صحافتنا واذاعاتنا العديدة توضح لنا حجم الخلل وما وصلنا اليه في هذا المجال. كنت قرأت للأستاذ الصحفي معاوية ياسين في مقدمته للجزء الثالث من كتابه " من تاريخ الغناء والموسيقي في السودان " (1) أن مما حفزه لهذا العمل هو السبهللية والاستهوان الملازم للتوثيق في السودان ، ذكر المؤلف " وربما كان مرد كثير من ذلك التقصير الي عدم حيلة أولئك الصحافيين بالبحث وعدم اخلاصهم لأمانة تقصي المعلومات، أذ أن كثيراً من الصحف لا تحرص علي تثبيت التاريخ في كل صفحاتها" . أما أحوال اذاعاتنا فلن يلزمك أكثر من الاستماع للساعة الواحدة لتكتشف بعض أسباب السبهللية الملازمة لغالب أحوالنا فالانسان ابن بيئته. استمعت الي واحد من البرامج التوثيقية في واحدة من الاذاعات السودانية وكان محور الحديث عن الشاعر الراحل أبو آمنة حامد (2) . قالت مقدمة البرنامج أن الشاعر كتب قصيدته بنحب من بلدنا ما من بره البلد ( وغناها الفنان الراحل محمد عثمان وردي (3) ) مشجعاً للزواج من السودانيات ! غني عن القول ولا شك أن أبو آمنة كتب القصيدة حين لامته بعضهن علي غنائه لغير السودانيات في سال من شعرها الذهب والقصة طويلة لا مجال لذكرها كلها هنا. أنظر يا هداك الله الي هذا الاستسهال الملازم لوسائل من المنوط بها نشر الوعي والثقافة وسط عموم الناس وخاصتهم .
من المثالين أعلاه يتضح لنا جلل الأمر حين يصل الي مجالات البحوث العلمية ، خذ عندك مجالات تلوث المياه وتلوث الأغذية وتسمم الأراضي الزراعية بالزئبق والسيانيد ، وبروميد البوتاسيوم ومحسنات الخبز و زيوت الطعام المحورة بذرتها وراثياً ومخاطر أبراج الكهرباء والاتصالات وغير ذلك وغير ذلك . بعض هذه المجالات وغيرها قتلت بحثاً ولكننا في السودان لا نزال نصر علي أعادة اختراع العجلة.
قلت أن المسألة استمرت في تدهورها حتي لقد صار من العادي أن يعتذر أكثر من واحد من البروفيسورات عن تقييم طلبات الترقي لضعف المنتوج الأكاديمي للمتقدم . الأمر الأكيد أن هذا المتقدم قد استوفي واجتاز شروط الترقي الموضوعة من قبل جامعته واستناداً علي ذلك قامت الجامعة بمخاطبة المقيمين. يفتح هذا الأمر باباً آخر عن سهولة شروط الترقي في جامعاتنا السودانية ، أقول هنا ربما كانت جامعة الخرطوم استثناء الي وقت قريب وربما الي حينه ، المهم ، تشترط الجامعة نشر عدد معين من الأوراق في مجلات علمية محلية وعدداً آخر في مجلات عالمية ، هكذا! دون تحديد معامل التأثير المعمول (4) به في المجلات المحترمة علمياً وعليه صار من المألوف بل من الشائع ان ينشر الأساتذة الجامعيين وكذا الطلاب بحوثهم في المجلات الهندية أو الباكستانية التي لا تتطلب سوي دفع مبلغ لا يتعدي المائتي دولار في أغلي الأحوال بل وربما لا يزيد عن الخمسين دولاراً أمريكياً ! . الاشارة الي المجلات الهندية والباكستانية هنا فقط لانتشار الظاهرة أخيراً ولا ينفي ذلك بالقطع توفر مجلات ذات قيمة علمية عالية في هذين البلدين او توفر مجلات ذات قيمة علمية متدنية من دول أخري. أما عن مجلاتنا العلمية المحلية الصادرة عن الجامعات السودانية فحدث ولا حرج. تكفي الاشارة هنا الي أنه ليست لدينا ولا مجلة واحدة في التصنيف العالمي (5) أو في موقع البوبميد (6) المختص بالنشر في المجال الطبي علي وجه العموم وهذا علي سبيل المثال لا الحصر.
المسألة في بعض جوانبها دائرية تدور في حلقة مفرغة : ستظل مجلاتنا المحلية في محليتها لضعف البحوث والأوراق العلمية المنشورة فيها ، وبالمقابل لن يقدم أي باحث في السودان أو من السودان ناهيك عن غير السودانيين علي نشر بحثه في مجلة سودانية محلية لا يؤبه بها فذلك بمثابة دفن لمجهوده البحثي ! وفي هذا الاطار يمكن ملاحظة أن جل المنشور في مجلاتنا العلمية المحلية لغير السودانيين هو لباحثين عرب تتساهل جامعاتهم في شروط الترقي كما هو حال جامعاتنا ففي هذه الحالة تعتبر المجلة السودانية عالمية بحكم عدم محليتها بالنسبة للباحث العربي الناشر فيها.
الي ذلك أثر ضعف مستوي اللغة الانجليزية علي جودة المنشور السوداني العلمي. الصحيح أنه أثر قبلاً علي مستوي البحوث المقروءة ذاتها، فمن لم يستطع أو يتحمل قراءة البحوث المحكمة والرصينة باللغة الانجليزية لا يتوقع منه القيام ببحث علمي محترم ناهيك عن نشره أو قبل ذلك كتابته بالانجليزية. والحق أنها ليست اللغة وحدها العائق هنا ، فنظرة متعجلة وليست فاحصة لمستوي البحوث المنشورة باللغة العربية في الدوريات العلمية السودانية تغني عن ألف سؤال : ركاكة في اللغة وابهام في الموضوع وعدم احاطة بالموضوع مثار البحث من جهة المادة البحثية والعلمية .
ثالثة الأثافي – وليتها كانت الثالثة وليست أزيد – هو ما صار ديدن الكثير من منتوجنا البحثي من الانتحال الأدبي والعلمي. الأدبي حيث يمكنك أن تقرأ عدة صفحات بل وربما فصلاً كاملاً من الرسالة العلمية أو الورقة البحثية منقولاً كما هو أو بذبابته كما في المثل السوداني البليغ ، منقولاً بكامله أقول من بحث أو بحوث أخري! الأدهي من ذلك أن الكثير من الطلاب بل وللأسف بعض صغار الأساتذة يظنون أن ذلك هو الصحيح ، وهذه لعمري واحدة من مظاهر اختلال المفاهيم وغياب القيم في مجتمعنا السوداني بمجمله. تفتقر جامعاتنا الي البرامج الكاشفة للانتحال الأدبي حيث صار من الشائع الان في الكثير من الجامعات في دول العالم المختلفة اخضاع مشاريع البحوث قبل اجازتها لهذه البرامج الحاسوبية لتوضيح حجم الانتحال ومدي جدة المشروع ، وتختلف الجامعات في النسبة التي تسمح بها للاقتباس – ولا أقول الانتحال هنا – في البحوث لديها. أما ما أشرت اليه من الانتحال العلمي فهو ما يحدث من تكرار لذات مواضيع البحوث بين الجامعات المختلفة بل وربما داخل ذات الجامعة !
مما سبق يبدو لنا أنه قد تضافرت العديد من العوامل لتصل بنا الي ما نحن فيه الآن من الفقر العلمي والجفاف الابداعي . لا ينفي ذلك علي الأكيد وجود بعض الاستثناءات والاشراقات هنا وهناك ولكنها تظل كالجزر المعزولة في محيط العوز العام . أدي ذلك فيما أدي الي احتفاء الأجيال الجديدة من الباحثين والطلاب باي بادرة ايجابية لباحث سوداني ، وذلك علي الأكيد أمر جيد ولا غبار عليه ، غير أن الحسرة تتملكك حين يصبح الأمر محض استعراض واحتفاء باعادة اختراع العجلة. أقرأ أحيانا في مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي احتفاء الشباب بشاب سوداني لأنه قام بكذا أو كذا وفي الحقيقة فان ما قام به ليس فيه أي جديد بل وربما قام به أناس من بني جلدته قبل عقود. المؤسف في الأمر أنك ان تحدثت بذلك لحقتك تهم الانتماء للحكومة ومولاة النظام وكأن معارضة النظام تتم بالاستسهال وتبني الانجازات الزائفة ! قرأت مرة في أحد المواقع السودانية تهنئة لباحثة سودانية أعرفها أنجزت بحثها بالولايات المتحدة أشير اليها بأنها أول سودانية في هذا المجال ! وذلك لعمري فيه غمط لحقوق العديد من السودانيات الرائدات في المجال داخل الوطن وخارجه. ألا يبدو لك ذلك مثل احتفائنا الهستيري بالراعي السوداني (7) الذي ما أن أشاد به السعوديون حتي نصبناه رمزاً لأمانتنا الضائعة ؟ وكم من الشرفاء لم يأبه أحد لأمانتهم وظلوا علي فقرهم المقيم لأن زامر الحي لاتطرب مزامره.
ماذا نفعل ؟
السؤال الآن هو ماذا عسانا نفعل لأصلاح الحال ؟ هل نكتفي بلعن الظلام أم نحاول اشعال شمعة عل ضوءها ينير الطريق لأشخاص قادمين أفضل منا .
ظني أن بعض الحل يكمن في تحديد أولويات البحوث بالجامعات . ويمكن هنا الرجوع الي الأوامر التأسيسية للجامعات أو مواقعها ، فبعض الجامعات يمكنها التميز في مجال البحوث الزراعية وبعضها في الهندسية وبعضها في الطبية وكذا. لا يعني ذلك بالطبع قفل الباب أمام جامعة بعينها للبحوث في شتي المجالات وهناك بالمقابل بعض المعاهد ومراكز البحوث ذات الطبيعة المتخصصة مثل معهد البناء والطرق ومعهد الأمراض المتوطنة والاثنان بجامعة الخرطوم.
يتيح تحديد أولويات البحوث للكليات المعنية الالمام بما أجري من بحوث في مجال تخصصها وبالتالي من المأمول أن يؤدي ذلك الي تجويد البحوث والارتقاء بها .
كذلك من المهم توفير قاعدة بيانات سودانية للبحوث تهتم فيما تهتم بالتوثيق وحصر المنتوج البحثي السوداني وكذلك ما أجري من بحوث عن السودان أو علي السلالات الموجودة بالسودان بمختلف أنواعها، وكذلك ما خص أمر المدونات والمراسلات وغير ذلك.
من المهم أيضاً بالاضافة لما سبق ذكره الاهتمام بتدريس طرائق البحث العلمي بالطريقة الصحيحة للطلاب في مراحلهم المختلفة . يشمل ذلك بل وربما أهم منه الاهتمام بتوصيل وتعميم فكرة أخلاقيات البحوث تطبيقاً وممارسة لا تدريساً وتنظيراً.
أن البحث العلمي هو في الأساس ناتج ثقافة تهتم بالملاحظة فالاستقصاء ثم التحليل للوصول الي النتائج. كان بامكان اسحق نيوتن (8) أن يقوم بقضم التفاحة وينتهي الأمر دون قانون الجاذبية ولكن ذلك لحسن الحظ لم يحدث. أنظر الآن الي كم من الناس سقطت علي رؤوسهم ثمار التفاح والبرتقال وربما المانقا والدوم ولكنهم اكتفوا بأجر الشبع. من ذلك أيضاً أن البحث العلمي في بعض جوانبه يتطلب ما يمكن أن نسميه بالهبة من الله فليس باستطاعة أي كان أن يصبح باحثاً. واحدة من مهمات التعليم هي تنمية هذه الهبة وصقلها للاستفادة منها في مقبل الأيام.
دون أن نغفل دور الدولة في دعم البحوث فان هذه المقترحات كما تبدو تلقي بالعبء الأكبر علي الباحثين أنفسهم وأساتذة الجامعات والمستنيرين من المهتمين. واحد من أسبابي في ذلك أن الدور الأيجابي للدولة في هذا الأمر يتطلب تغييراً كبيراً في بنية الدولة السودانية نفسها وتلك مسألة أخري.
أخيراً تبقي هذه الآراء رؤية شخص واحد تقبل النقد علي الأكيد كما تقبل الاضافة والحذف فيما خص التحليل والنتائج وكذا الخلاصات والله المستعان.
1- معاوية حسن ياسين ، من تاريخ الغناء والموسيقي في السودان، الجزء الثالث ، مركز عبدالكريم ميرغني ، 2015.
2- علي حامد علي إيلا آدم، الشاعر المشهور بأبي آمنة حامدوالمتوفي في ديسمبر من العام 2006 .
3- الفنان المعروف محمد عثمان حسن وردي ، يوليو 1932- فبراير 2012.
4- معامل التأثير Impact factor هو عبارة عن مقياس يهدف الى معرفة قوة تاثير المجلات العلمية في مجال موضوعي معين من خلال قياس الاشارات المرجعية التي تشير اليها. و يتم حساب معامل التأثير لمجلة ما اعتماداً علي معادلات معينة.
5- توجد العديد من الجهات المختصة بتصنيف المجلات العلمية وهناك عدة معايير محكمة وموضوعية لذلك . لا تستوفي أياً من الدوريات العلمية السودانية شروط أي من هذه التصنيفات.
6- ببميد (PubMed) هو محرك بحث مجاني من أجل الوصول إلى قاعدة بيانات ميدلاين (MEDLINE) . تتعلق مواضيع الأبحاث بشكل خاص بالطب، التمريض، والمواضيع المتعلقة بالصحة. كما أنها تضم أبحاثًا تتعلق بمواضيع العلوم الطبية مثل الكيمياء الحيوية، وعلم الأحياء الخلوي. وهو موقع حكومي أمريكي خدمي تشرف عليه المكتبة الطبية الوطنية.
7- الطيب يوسف الزين احمد ، راع غنم سوداني بالمملكة العربية السعودية صور له مقطع فيديو رفض فيه بيع شاة لمن طلب ذلك مخافة من الله . انتشر الفيديو علي شبكة الانترنت وكان ذلك في فبراير من العام 2014. وتم استقبال الراعي من قبل عدد كبير من الناس في مطار الخرطوم وتم تكريمه والتقاط الصور معه حتي من السياسيين بالسودان!
8- اسحاق نيوتن (1643 - 1727) عالم إنجليزي من أبرز العلماء مساهمة في الفيزياء والرياضيات عبر العصور وأحد رموز الثورة العلمية. صاغ نيوتن قوانين الحركة وقانون الجذب العام التي سيطرت على رؤية العلماء للكون المادي للقرون الثلاثة التالية. ذكر نيوتن نفسه قصة أنه أتاه إلهام بصياغة نظريته حول الجاذبية بعد أن شاهد تفاحة تسقط من شجرة. وعلى الرغم من رأي البعض أن قصة التفاح ما هي إلا أسطورة، وأنه لم يتوصل لنظريته حول الجاذبية في لحظة واحدة، إلا أن بعض المقربين من نيوتن أكدوا وقوع الحادثة، لكن ليس كما هو شائع أن التفاحة وقعت على رأسه.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.