عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. استضاف منتجع تاورمينا، ذو الطبيعة السياحية الخلابة ، والمطل علي البحر الأبيض المتوسط، والواقع بجزيرة صقلية جنوبإيطاليا، في يومي 26 و 27 مايو 2017، قمة الدول الصناعية السبع والتي تشمل كل من الولاياتالمتحدةالامريكية وكندا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا واليابان. ظلت هذه القمة تنعقد خارج المدن الرئيسة لدولها الأعضاء منذ احداث الشغب والمظاهرات العاتية التي صاحبت انعقادها في مدينة جنوا بشمال ايطاليا في العام 2001. أصبحت الدول المستضيفة للقمة لدواعي أمنية محضة تختار جزراً ومناطق معزولة ونائية، يَصعب الوصول اليها من قبل الناشطين، ويسهل التحكم فيها وغلق مداخلها ومخارجها من قبل الأجهزة الأمنية المسئولة عن تأمينها. وتاتي انعقاد هذه القمة بمنتجع تاورمينا، وقبلها بجزيرة ايسي شيما باليابان احترازاً لأي تداعيات أمنية قد تصاحب انعقادها. يبلغ عدد سكان الدول الصناعية السبع حوالي 10٪ من سكان العالم، ويسيطرون علي ثلث الناتج الاجمالي العالمي، و 98٪ من الأسلحة النووية، وينفقون ما يوازي 70٪ من الإنفاق العسكري العالمي. ظلت هذه القوى تسيطر علي مقاليد الأمور في العالم بما تمتلك من موارد ومؤهلات وقدرة علي احداث تغييرات كبيرة في البنية الدولية، إيجابية كانت ام سلبية، علي المستويين السياسي والاقتصادي. ما ان تنعقد هذه القمة إلا وتنشط المجموعات المناوئة لها، والتي تحملها مسئولية الأزمات كالفقر والجوع والمرض والتسلح وعدم الاستقرار نتيجة لاحتكارها للشأن الدولي العام، دون مراعاة لمصلحته، ودون عزيمة سياسية قوية لمواجهة تحدياته، و حل مشاكله. ترى المجموعات المناوئة ان معظم الازمات في العالم ناتجة عن إقصاء الاقتصاديات النامية عن المنظومة الاقتصادية الليبرالية، التي وضعتها وتتحكم فيها وتسيطر علي مؤسساتها، كالبنك وصندوق النقد الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها، بمشروطياتها وقيودها مما يجعل الانضمام للمنظومة الاقتصادية العالمية أمراً عسيراً علي الدول النامية، التي يستوجب عليها، حسب ما قدر لها، ان تدور في رحاها بصورة تهيئ لهذه القوى احكام السيطرة الدولية. انعقدت قمة هذا العام في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد. حيث أن غياب روسيا، وبالتالي انتفاء تسميتها بقمة الثمانية، اكبر المؤشرات للتحديات وعمق الانقسامات في المشهد الدولي. ظلت المجموعة منذ إنشائها في أعقاب أزمة الطاقة العالمية في سبعينات القرن الماضي تعبر بجلاء عن مصالح وتوجهات القوى الغربية الدولية، التي ظلت تسيطر علي مقاليد الأمور منذ الحرب العالمية الثانية، وجاءت نشأتها من حيث التوقيت والاهداف داعمة لتوجهات المنظومة الليبرالية الدولية المتحكمة، حيث ان تأثير الأزمة لم يقتصر علي وقف إمدادات النفط والطاقة للدول الصناعية الكبرى فقط، بل امتد ليؤثر علي الوحدة الجمعية ووحدة الهدف والمصير للقوى الغربية. بدأت هذه الدول خاصة الأوروبية منها، عقب الأزمة، في التملص من كافة الاتفاقيات الداعمة لتكتلاتها، وتبنت سياسات حمائية قومية حتي تعصم اقتصادياتها من تاثيرات وإفرازات الأزمة. كان مثل هذا الوضع سيؤدي بالتأكيد الي مواجهات فيما بين الدول الغربية نفسها، لذلك ارتأت أهمية تنسيق سياساتها ودعم جهودها الرامية لتلافي اثار الأزمة، واتقاء مثيلاتها مستقبلاً، بتنسيق محكم فيما بينها، وحتي لا تضعف آنذاك كمكون غربي في المنظومة الدولية امام منافسها المتمثل في المعسكر الشرقي. أضيفت روسيا للمجموعة في عام 1998، وأصبحت تعرف باسم مجموعة الثمانية. وذلك اعتقادا بأن روسيا، بعد انتهاء الحرب الباردة، أصبحت جزء من المنظومة الغربية داعمة لتوجهاتها ومؤسساتها. وما أن ثبت خلاف ذلك، الا وقامت الدول الصناعية السبع بتجميد عضويتها في مارس 2014 لمواقفها المناوئة وطموحاتها الموازية للمجموعة الغربية في أعقاب تمددها في شبه جزيرة القرم وسياساتها تجاه أوكرانيا، ووقوفها في طريق تطبيق السياسيات التي تتبناها المجموعة الغربية، سواء في سوريا، او من خلال معارضتها توسيع حلف الناتو، بضم دولاً من شرق أوروبا كانت تتبع يوماً للمنظومة الاشتراكية، ومعارضتها علناً او ضمناً السياسات الغربية مما جعل مجموع السبع تفرض عليها عقوبات اقتصادية، وتجمد عضويتها في مجموعة الدول الصناعية الكبرى في العالم. يموج عالم اليوم بالعديد من التحديات التي يصعب التنبوء بمالآتها علي كافة الاصعدة، المحلية والإقليمية والدولية. ان الظهور القوي والمؤثر للتيارات الشعبوية في العديد من الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة، اي لدي غالبية الدول المكونة لمجموعة السبع كان بمثابة الزلزال الذي أحدث تصدعات بائنة في جدار المؤسسة الليبرالية العالمية لما لها من تاثيرات علي مستوى السياسات الداخلية والتوجهات الاقليمية خاصة لدى الدول الأوروبية. ان العديد من هذه التيارات تناهض توجهات الاتحاد الاوروبي، وتنتقد سياساته في العديد من القضايا مثل الهجرة والبطالة والنمو الاقتصادي وخلافه. وهذا بدوره ينطبق علي الولاياتالمتحدة بظهور الاجندة الشعبوية الواضحة للرئيس الامريكي ترامب، الذي بات ينظر للعالم الخارجي من منظور ما يمكن ان تحققه من مصالح قومية مباشرة ، وترجم ذلك في شعار سياسته الخارجية ' أمريكا اولاً '. ينعكس ذلك بصورة مباشرة علي النظام الليبرالي العالمي طالما ان التوجهات الجديدة تعلي من القومية المحضة علي حساب الليبرالية العالمية ومؤسساتها الداعية لحرية التجارة وعولمة الاقتصاد والسياسة. برز هذا الاضطراب بين الأهداف السامية للتكتل الليبرالي العالمي، الذي ظلت تجسده مجموعة السبع منذ إنشاءها، ومايدور علي ارض الواقع من توجهات سياسية قومية لها وزنها وتأثيرها علي المؤسسة الليبرالية العالمية، في القمة التي انعقدت موخراً في منتجع تاورمينا. تباينت المواقف خاصة الامريكية منها مع الرؤية الجمعية لبقية الدول الأعضاء، حتي اطلق البعض عليها قمة الست ضد واحد. كان الموقف الامريكي مغايراً لمواقف بقية الدول حول اتفاق باريس للتغير المناخي، الذي يعتبر أساساً دوليا لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري. كما ووضعت أمريكا توجهاتها القومية الحمائية في طاولة مجموعة السبع الكبار من خلال تمييزها ضد السلع الأوروبية، في موقف معاير تماماً لمسلمات وأبجديات حرية التجارة وقوانين منظمة التجارة العالمية. وكان الخلاف واضحاً بين أمريكاوألمانيا لما تتمتع به ألمانيا من فائض تجاري كبير وسط الدول الأوروبية، وفي علاقتها التجارية مع الولاياتالمتحدةالامريكية، مما جعل المستشارة الألمانية ميركل تشدد علي ان ألمانيا ستظل ملتزمة وداعمة لحرية التجارة. تأتي قضية الهجرة في خضم القضايا التي تناولتها القمة والتي كشفت بوضوح التوجهات نحو استرضاء المتشددين حيالها. فبالنظر لما ورد في بيان المجموعة الختامي من التاكيد علي الحق السيادي للدول فرادى وجماعات للسيطرة علي حدودها خدمة لمصالحها القومية، كان الأحري تاكيد الالتزامات الاقليمية والدولية المتمثّلة في المعاهدات بشأن الهجرة واللجوء. ان ما ورد يمثل ارتداداً عن الموروث الدولي والانساني بشأن الهجرة والمهاجرين واسترضاءاً الشعوبيين وتوجهاتهم والتي باتت تحرز تقدماً واضحاً في الساحتين الامريكية والاوروبية مهددين بذلك كل المسلمات التي انبنت عليها توجهات المؤسسة الليبرالية العالمية. ظلت المجموعات المناوئة لقمة الدول الصناعية السبع تطالب بان تتحمل هذه الدول مسئولياتها تجاه القضايا العالمية الملحة التي خلفتها سياساتها علي مدي عقود من الزمان. وتاتي قضية الفقر ومكافحته في صدارة الاولويات باعتبارها القضية الاساسية التي تنتج عنهاعدداً من الظواهر السلبية الاخرى المرتبطة بها. اقرت المجموعة ان شعار " جعل الفقر تاريخاً " لايزال بعيد المنال. وتنادى جماعات الضغط دول المجموعة بتخصيص جزء يسير من ميزانياتها بما يعادل 0.07 % للمساعدات في مجال مكافحة الفقر تنفيذاً لمخرجات قمة الارض التي انعقدت في ريودي جانيرو عام 1992. الا ان بيان القمة لم يخلو من الادبيات المتداولة في المحافل الدولية بشأن التنمية المستدامة وبناء الشراكات لمكافحة الفقر وفقا لأجندة التنمية المستدامة 2030 دون التزامات احصائية وبرامج واضحة لتخفيف حدة الفقر في المجتمعات التي تعاني منها. تعتلي القارة الافريقية الصدارة لدى الحديث عن الهجرة والفقر. تشير الإحصائيات الي ان نصف فقراء العالم في عام 1990 كانوا يعيشون في شرق اسيا، و 15٪ منهم في افريقيا جنوب الصحراء. وبحلول عام 2015 اصبح نصف فقراء العالم يعيشون في افريقيا جنوب الصحراء، و 12٪ فقط في دول شرق اسيا. انخفاض نسبة الفقر في اسيا يعود الي استراتيجيات النمور الآسيوية في تنميتها الاقتصادية إبان فترة التسعينيات من القرن الماضي. أدخلت الدول الآسيوية المتسارعة النمو الدول الاخرى الفقيرة في شراكات اقتصادية مجدية واغدقت عليها من المساعدات ما جعل نسبة الفقر هامشية ادراكاً منها ان تكامل التنمية الاقليمية أمراً حتمياً لنجاحها. أما ما يلي القارة آلافريقية، فان من الواضح ان الامر ظل يخضع لرهانات القوي الدولية حسب المنظومة السائدة. يذكر الجميع كيف أغدقت الاقتصاديات الغربية من المساعدات وبرامج التنمية خلال حمي التنافس الغربي مع الشرق، وما ان وضعت الحرب الباردة أوزارها، حتى باتت المساعدات أمراً ثانوياً، ودار النقاش حول عدم جدواها في ظل النظام العالمي الجديد وبدأ الحديث حول ضرورة بناء شراكات تقوم علي ملكية التنمية الاقتصادية وتبادل المنافع. نتج عن ذلك انقشاع قناع الاستقرار والتنمية الذي كانت تتوشحه الأنظمة زيفاً. واستشرى تبعاً لذلك الفقر والعوز والجوع والمرض منتجاً ظواهر سلبية كالهجرة غير الشرعية ، والاتجار بالبشر، والارهاب، والتي شكلت وبالاً وخيماً وكارثة وشيكة جنته أوروبا من جراء سياساتها التي تنظر لأفريقيا من منظور براغماتي بحت، وتردد زيفاً في محافلها الاقليمية والدولية وقمم زعماء الليبرالية العالمية أهمية استقرار وتنمية افريقيا دون التزامات واضحة. جسدت القمة الانقسامات الدولية بصورة جلية، وعكست تبايناً واضحاً بين عرَّابها في العديد من القضايا، وقد حضروا مجتمعين في طاولة واحدة وبقلوب شتى، غابت عنهم فلسفة إنشاءها بالتنسيق المحكم لسياساتها الهادفة لريادتها للشان الدولي. في ظل هذا الوضع، وازمات العالم تستفحل يوماً بعد يوم، يجد المناهضون ارضية خصبة لالقاء اللوم عليها في النزاعات التي يشهدها الشرق الأوسط، وتدفقات المهاجرين، بالاضافة الي الفقر والبطالة وظواهر الاحتباس الحراري والارهاب وتفشي المرض وغيرها، والتي لم تشهد تقدماً خلال سني قيادة المجموعة الانفرادية للشان الدولي، مما يقدح في مقدرة هذه المجموعة في ريادتها وقيادتها للشان الدولي العام، ويفسح المجال لمنظومات اخرى بدأت بالفعل تتبوء مكانة دولية مرموقة من خلال طرح حلول بديلة وسياسات اكثر فاعلية مثل مجموعة العشرين، التي تضم عدداً اكبر من الدول، وأكثر تمثيلاً لشعوب وقارات العالم، مما يجعل من سياساتها اكثر واقعية. بعض دول مجموعة العشرين ينتمي الي دول الجنوب، التي عانت من سياسات وإملاءات القوى الغربية التقليدية، ومرت بأوضاع مشابهة لما تعانيه دول العالم الثالث اليوم من ويلات الفقر والجوع وعدم الاستقرار ، وبالتالي تصبح في وضع أفضل لصياغة سياسات واقعية كفيلة بمعالجة القصور والتردي. ان بظهور مجموعة العشرين تنتفي الصفة الاحتكارية، غير الديمقراطية للشان الدولي، الذي ظلت تسيطر عليه مجموعة السبع الكبار منذ عقود من الزمان بتوجه احادي تتصدر فيه أولوياتها مصالحها الذاتية، وتاتي المصلحة العامة لبقية دول العالم في المرتبة الثانية، وتتناوشها من حين لآخر تقلبات السياسة الدولية وانفراط عقد تحالفاتها. تمثل بذلك مجموعة العشرين، وقوى اقتصادية عالمية اخري، كمجموعة الدول ذات الاقتصاديات المتسارعة النمو (البريكس) والصين مسارات جديدة نحو ديمقراطية النظام الاقتصادي الدولي، بانهاء احتكارية المنظومة الليبرالية العالمية للشأن الدولي العام.