مع أنه ليس جديداً أن تقرّ واشنطن – صراحة – بتحسن الأوضاع فى دارفور إذ سبق لها ان أقرت مراراً بذلك منذ مجيء موفدها الخاص السابق (سكوت غرايشون)، إلا ان إقراراها الأخير الذى ورد على لسان مبعوثها الخاص (دان سميث) الأسبوع الماضي اكتسب مذاقاً سياسياً خاصاً بحسب التوقيت الى جاء فيه، وبحسب المعطيات التى تزامنت معه. فمن حيث التوقيت فإن الإقرار جاء بعدما أقرت الأممالمتحدة خطة لتقليص البعثة المشتركة العاملة فى مهمة حفظ السلام فى دارفور (اليوناميد) وهو ما جاء نتيجة إقرار البعثة المشتركة نفسها بتحسُن الأوضاع الأمنية واختفاء العنف والمواجهات الدامية. فالإقرار الأمريكي وإن بدا أنه إنبني على الإقرار الأممي إلا أنه يبدو ضرورياً للغاية لتأكيد هذا التحسن وما قد يترتب عليه من الإسهام فى تثبيت هذا الوضع وترك المزايدات السياسية فى هذا الصدد التى جعلت من أزمة دارفور قضية حاضرة دائماً فى المخيلة الدولية بما ظل يعرقل مسيرة السودان ويعيق تقدمه. وأما من ناحية المعطيات التى تزامنت مع الإقرار الأمريكي فإن هناك أزمة جنوب كردفان والنيل الازرق، وهما أزمتين إجتذبتا واشنطن من واقع كونهما لها ارتباط بدولة جنوب السودان إذ ليس سراً ان واشنطن تبدو مقدرة لطبيعة المصالح الجنوبية التى تدفع جوبا للتدخل فى هاتين الأزمتين على الرغم من خطورة هذا التدخل ومخالفته للقانون الدولي. و يبدو أن واشنطن كانت تسعي لتركيز الأنظار على جنوب كردفان بفتح ممرات ومعابر للمساعدات الانسانية وإيجاد ثغرات من شأنها إتاحة الفرصة لمتمردي جنوب كردفان للعمل أو تنظيم الصفوف، ولهذا لم يكن أمامها سوي تقديم جزرة للخرطوم بإقرارها بأن أوضاعها قد تحسنت فى دارفور حتى تستجيب الخرطوم لما هو مطلوب فى جنوب كردفان. غير أن الأمور لم تمضي على ما كانت تشتهي واشنطن، فقد تمكنت الخرطوم من إجراء دراسة مسحية شاملة فى جنوب كردفان شملت الجوانب الغذائية والتعليمية والصحية ومياه الشرب وخلصت الى عدم الحاجة الى إعلان أنّ المنطقة تعيش حالة طارئة. وكان أكثر ما قطع الطريق على واشنطن فى هذا الجانب أن الأممالمتحدة وعدد من المنظمات الطوعية شاركت فى هذه الدراسة المسحية بما يجعل من المستحيل إنكار نتائج الدراسة أو الطعن فيها أو رفضها والأكثر مدعاة للملاحظة هنا أن ذات الدراسة المسحية تتجه الخرطوم لإجرائها فى ولاية النيل الازرق لتقطع الطريق ايضاً على أى جهة دولية بشأن الوضع الإنساني هناك. إذن لم يكن الإقرار الأمريكي بتحسن الأوضاع فى دارفور (بنية خالصة) فهو (طُعم) من أجل اصطياد صيد أكبر وأغلي ولكن ورغماً عن كل ذلك فإن الظروف والمعطيات السياسية قد حالت دون أن تتم العملية وفق ما كان مخططاً لها واضطرت واشنطن للإقرار بحقيقة بمقابل مجاني وهو أمر أمريكي نادر !