لما بدأ يقترب موعد الثلاثين من نوفمبر الحالي الذي حدّدته الأحزاب والقوى السياسية السودانية المعارضة موعداً لاتخاذ قرارها إما بخوض الانتخابات أو معارضتها، فإن هذه الأحزاب والقوى المعارضة وجدت نفسها (محاصرة) بموعد قطعته على نفسها يصعب إتخاذ قرار مصيري خطير كهذا فيه كما يصعب بذات القدر تأجيل الموعد، لهذا فإن عدداً من هذه القوى لما استشعر مخاطر الموقف بدأ باثارة الغبار حول عملية تسجيل الناخبين، حيث استهل الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يطلق على نفسه (الأصل) حملته على عمليات التسجيل بالمطالبة بالغائها، ونقلت الصحف السودانية تصريحات للقيادي المحامي د. علي السيد مطالبة حزبه بالغاء عمليات التسجيل كلها، لما شابها – بحسب زعمه – من مخالفات وخروقات! وقال السيد ان الطريقة التي بدأت بها عمليات التسجيل تنبئ عن انتخابات غير نزيهة قادمة في الطريق. ولعل الأمر المؤسف للغاية في هذا الموقف أن قيادياً ذا خبرة قانونية مثل د. علي السيد يعلم أن عمليات التسجيل مكفول فيها الطعن في أي مخالفة أو خرق أمام المحاكم وهو أمر يعرفه حتى من ليست لديه خبرة قانونية، وقد شكلت السلطة القضائية لجاناً قضائية للقيام بمهمة الفصل في الطعون والمخالفات المتعلقة بالسجل الانتخابي وكان الامر الجدير بالإنتباه في هذا الصدد أن تأكيداً جاء من الأممالمتحدة ممثلاً في مستشارها القانوني لشؤون الانتخابات قطع فيه بأن السلطة القضائية السودانية مؤهلة وقادرة على القيام بمهمتها الرقابية على العملية الانتخابية ولو تحلّت المعارضة السياسية بروح ديمقراطية وأحسنت النوايا والتزمت بقواعد القانون لما طالبت بالغاء عمليات تسجيل ناخبين جرت طوال ما يجاوز الثلاثة أسابيع وأنجزت تسجيل أكثر من (8) مليون ناخب مستوفين للشروط حتى الآن، واتخذت مفوضية الانتخابات حتى بعد تسجيل هذا العدد القياسي بالنظر الى تعداد السكان في السودان قراراً بتمديد فترة التسجيل لاسبوع آخر عقب عطلة عيد الأضحى المبارك. ان تسجيل عدد كهذا، باجراءات واضحة ومفتوحة وتم فيها كفالة حق المراقبة للأحزاب المعارضة ولمنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، واعطاء القضاء السوداني حق معالجة الخروقات والمخالفات، كلها ضمانات كافية لإقرار صحة عمليات التسجيل ولا يسعف المعارضة في هذا الصدد أي نص قانوني في الدستور أو قانون الانتخابات لتطالب باعادة عمليات التسجيل خاصة وأن المعارضة – ونتمنى الا تكون قد نسيت أو تناست – لم تطعن مطلقاً في مفوضية الانتخابات ولم تشكك لا من بعيد ولا من قريب في حيدة ونزاهة رئيسها مولانا أبيل ألير وأعضائها الذين يمتلكون عقلية قضائية متجردة ومحايدة. من الواضح اذن أن المعارضة بهذا الموقف – على الأقل الحزب الاتحادي الأصل – يبحثون عن ذرائع وقشة يتعلقون بها وهو أمر بما كان مألوفاً عند اجراء أي انتخابات اذ أن هنالك دائماً من لا يرضى ولن يرضى، ولكن حتى في مثل هذه الأحوال فإن من لا يرضى عليه أن يتمسك بأسباب موضوعية مقنعة للناخب السوداني، فالناخب السوداني في الألفية الثالثة وبعد المتغيرات السياسية الكبيرة في السودان لم يعد هو ذات ذلك الناخب السوداني في عشرينات القرن المنصرم!!