أقام مؤخرا منتدى النهضة والتواصل الحضاري بالتعاون مع دائرة الثقافة والفكر بالمؤتمر الوطني ندوة بعنوان "المصلحة الوطنية في ظل التعددية السياسية" واستضاف فيها د. إبراهيم الكاروري عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة أم درمان الإسلامية والأستاذ عبد المحمود أبو رئيس هيئة شورى الأنصار. وفيما يلى ملخص سريع للندوة دعا المتحدث الأول الأستاذ الكاروري إلى ترقية وتوعية الأحزاب حتى تتهيأ وتستطيع التنافس مؤكدا أن تكسير الأحزاب سيكون سبباً لأن يقوم الناس بتكسير الوطن وأضاف: (إذا كان لديك باصاً والآخرون يمتلكون باصات كذلك فلا يجب أن تكسر بصات الآخرين كي يركب الناس معك والمفروض أن تترك الجميع يسير وتوضح لهم بأنك الأجدر من بين الجميع) وزاد الكاروري أن "التعددية السياسية تعتبر من النوازل في السياسة الشرعية لأن الوطن لم يكن يشكل قبل ذلك قضية في كيفية التعامل معه ورعايته" معللاً أن هذا يحدث بسبب التفريق والعجز الحضاري اللذان يواجهان الأمة منذ أن فقدت البوصلة بسقوط الخلافة الإسلامية التي غابت بمعناها ومقاصدها الفكرية. الوطن الفكري في تعريفه للوطن يوضح د. الكاروري أن الوطن أكبر من أن يمثل قطعة جغرافية معينة ، وهو يتصل في مفهومه بالرسالة والكون كله مشروع لأن يكون وطن للإنسان المسلم، مؤكداً أن هناك شروط صحة وشروط كمال في الإيمان وأن من شروط كمال الإيمان حب الوطن، لأنه المكان الذي اختاره الله لك معتبراً حفظ الكليات الدين والنفس والمال والعرض لا يتصور أن يكون إلا داخل الوطن وللمسلم والكافر، مبيناً أن الحفاظ على الهوية حفظ للوطن وأن الغزو الثقافي مرفوض لأنه نوع من الخمر يتسبب في ذهاب العقل. وتسآءل د. الكاروري عن المقصود من مفردة "مصلحة الوطن" وعمن يقوم بتحديد تلك المصلحة ليشرع بعد ذلك في الإجابة قائلاً :(إن الله عز وجل بيّن كل شيء وإن لم يوجد نص فإنه يوجد مقصد والعقل المؤمن عقل مقاصدي ومصلحة الوطن يمكن تقديرها من المواطنين أنفسهم وحفظ الكليات يقودنا إلى حفظ الوطن وقس على ذلك). ووصف د. الكاروري التعددية السياسية بأنها من الممكن أن تكون آلية للحفاظ من خلالها على مصلحة الوطن، مشيراً إلى أنه ليس من الضرورة التعبير عن التعدد بالتحزب إلا أنه لاينفي بالمقابل أهمية وجود الأحزاب التي يمكنها أن تنشأ في دائرة الاجتهاد الظني وأن تتعدد مع تسليمها بأن الحاكمية لله، مؤكداً أن الوطن يبدأ في الفكر قبل الجغرافيا وأن أبرز العلماء المسلمين مثل سيد قطب أبان أن كلمة (لا إله إلا الله) وطن، عقيدة ومشروع، وأوضح د.إبراهيم الكاروري أن الناس الآن قاموا بقلب النظرية وأصبح الترتيب عندهم السلطة الفكر والعقيدة وهذا خلل كبير حيث نجد أن بعض الأحزاب في سبيل أن يحكم يمكن أن يضحي بالعقيدة والفكر معاً. دور التعددية في مراقبة السلطة في توضيحه لمحاسن التعددية أكد الأستاذ عبد المحمود أبو رئيس هيئة شورى الأنصار أن التعددية يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في مراقبة السلطة التي يمكن أن تنجرف -على حد قوله– بسبب بريق السلطة ومن يلتفون حول الحكام ،ومن مهامها كذلك أنها تنبه على الأخطاء مستشهداً بمقولة: "نصف رأيك عند أخيك" وعن دورها في الحفاظ على المصلحة الوطنية أبان الأستاذ عبد المحمود أن المصلحة الوطنية تتحقق من خلال تحديد الثوابت والمحافظة عليها التي وضحت جلياً من خلال احداث هجليج الاخيرة التي تخلى فيها الناس عن أحزابهم وانتماءاتهم، مشيراً إلى صحيفة دستور المدينة التي وصفها بالمرجع الذي يمكن الاستناد عليها لمواجهة الاخطار التي تهدد الوطن. بنود لتعددية حقيقية عدّ الأستاذ عبد المحمود بعض النقاط التي يمكن من خلالها أن تلعب التعددية الدور المطلوب منها وتتمثل الاتفاق على الثوابت من قبل العاملين في المجال السياسي، وتوفير الحقوق للكافة، وأن يكون هناك عدلٌ في الواجبات، والاتفاق على الإدارة التي تقود الدولة، وسد منافذ التدخل الأجنبي وأخيراً العدل في تقسيم السلطة والثروة. ويؤكد الأستاذ عبد المحمود أبو أن التعدد واقع كوني وراءه حكمة إلهية وضرورة إنسانية مبيناً أنه بالتدافع والاحتكاك يحدث التغيير وأي محاولة للاستفزاز تجعل الطرف الآخر يتمسك بموقفه أكثر، وأننا نحتاج إلى حكمة في إدارة التنوع بتنمية الإيجابيات وتجاوز السلبيات وغرس التربية الوطنية بصورة عملية.