في حياتنا العامة تثار مخاوف وقضايا ، هي اقرب للأوهام ومحاولات تبرئة الذمة .. ومع الترديد المتكرر لها تبدو وكأنها حقائق مطلقة ووحيدة ، ولذلك من المهم مواجهتها بالكشف والمحاصرة لانها بالفعل مضرة بالمهام الجليلة التي تنتظر المعارضة ... فمثلاً ، بعض أطراف المعارضة تعتقد وتردد ان أمريكا تقود المجتمع الدولي في اتجاه تنفيذ فكرة الهبوط الناعم بمعني اجراء تعديلات فوقية شكلية علي النظام وإجبار قوي نداء السودان ان تمضي في خطوات خارطة الطريق ، كما ان هنالك خطط استعمارية لتفتيت وحدة قوي المعارضة وإجبارها (بالترغيب والتهديد) علي المشاركة في صياغة وادخال تعديلات دستورية والمشاركة في انتخابات 2020 ، إضافةً الي وهم اكبر يصف ما حدث يوم 16 يناير2018 بالتجربة الهامة والهبة العظيمة !! المواجهة الجادة هنا هي ان التدخلات والضغوط الأجنبية - في كل زمان ومكان - تستهدف تحقيق مصالح دول او طبقات علي حساب أهداف وتطلعات الشعب وقواه الوطنية ، فإذا كانت قوي المعارضة في الداخل موحدة وقادرة علي التعبير التاريخي عن مصالح الشعب والوطن بوضوح وتهتدي بها في نضالها بصدق ومبدئية ، فإنها ستنتصر في نهاية الامر علي أعداء الداخل واعداء الخارج ، بمعني ان التدخلات والضغوط الأجنبية لن تفلح في فرض اجندتها في هذه الحالة وستعود مهزومةً ومدحورةً امام إرادة الشعب وقواه المناضلة الموحدة .. إذن ، العامل الداخلي هو العنصر الأساسي الذي بضعفه او بقوته يتحدد مدي نجاح العامل الخارجي (العنصر الجانبي) في تحقيق أهدافه او فشله فيها واندحاره . وفي واقع الامر ليست هنالك (خطط استعمارية لتفتيت قوي المعارضة) ، بل هنالك انقسام وقع بالفعل في صفوف المعارضة منذ ثلاث سنوات : بعض القوي رأت ان التحول الديمقراطي وتفكيك دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن يمكنه ان يحدث عن طريق الحوار والتفاوض السلمي ، كما يمكنه ان يحدث عن طريق الانتفاضة الشعبية وانه ليس هنالك تناقض بين الوسيلتين ، بل ان رفع رايات الحوار يجعل من صاحبه محل قبول واحترام ودعم من الأطراف الإقليمية والدولية في عالم يتحدث لغة الحوار والحلول السلمية ، ودون ان تمنعه تلك الرايات من الإعداد للانتفاضة الشعبية .. وقوي اخري تعتقد ان الانتفاضة الشعبية هي الوسيلة الوحيدة لاسقاط النظام وانه لا مكان لأي حوار معه .. الي ان ظهرت (خارطة الطريق) كفكرة عملية اقترحتها الآلية التابعة للاتحاد الأفريقي ، وبعد شد وجذب في جلسات نقاش متعددة تمت الموافقة علي تعديلات المعارضة التي قدمتها كملحق . والفكرة تقوم علي إجراءات لوقف إطلاق النار في دارفور ومنطقتي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وفتح الطرق لإغاثة المتضررين فيها وتوصيل المساعدات الانسانية اليهم ، ثم اتخاذ الإجراءات التمهيدية لعقد مؤتمر سلام دستوري شامل وتشكيل حكومة انتقالية تقود البلاد نحو التحول الديمقراطي الكامل ..الخ.. هنا ، وبصورة مفاجئة ، اجتمعت القوي المتمسكة بالانتفاضة كطريق وحيد ، اجتمعت ، وقررت فصل القوي الاخري من تنظيم (قوي الاجماع الوطني) الذي كان يضمهم جميعاً ، احتفظت هي بالاسم (قوي الاجماع الوطني) والبقية اصبح اسمها (قوي نداء السودان) وهي : حزب الموتمر السوداني - التحالف السوداني - حركة حق - حزب الأمة القومي - حزب البعث السوداني - حركة العدل والمساواة - حركة تحرير السودان/مناوي - الحركة الشعبية لتحرير السودان/ش/عقار عرمان - تواصل - الحزب الوطني الاتحادي - حزب الوسط - الحزب القومي السوداني - مبادرة المجتمع المدني .. فلماذا إذن هذا السيل من الاوهام ذات التسميات الضخمة : التدخل الأجنبي ، اكراه ، الهبوط الناعم ، تفتيت قوي المعارضة ، الاشتراك في صياغة الدستور وانتخابات 2020 ؟؟ لماذا ؟ . استعادة وحدة المعارضة مطلب هام ومصيري ، اما كيفيتها فإنها بالتأكيد ليست ركوب الاوهام وإطلاق الشائعات ، الطريق لاستعادة الوحدة واضح ومنهجه الوحيد هو الصدق والمبدئية ..