السيناريو الامريكي الذي دفع به صانعو القرار في واشنطن، لوضع حد لأزمات السودان المتكررة حمل بين طياته صفقة سياسية وصفها مراقبون بالرابحة للاسلاميين في السودان، وان تبدأ هذه الخطوات بإرجاء الأنتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع عقدها في 2015م المقبل، وينتهي بحكومة قاعدة عريضة تضم القوى السياسية والحركات المسلحة بمشاركة الاسلاميين، يكون بوسعها التفاوض مع المحكمة الجنائية الدولية بشان المسئوليين المطلوبين وعلى رأسهم الرئيس السوداني عمر البشير وبعض من رموز نظامه. وبات المشهد السياسي في السودان مهياً لإستقبال المولود الامريكي الجديد او ما عُرف بوثيقة الهبوط الناعم لحكومة الرئيس البشير، والمعدة من قبل مجموعة مؤسسات اكاديمية وشخصيات امريكية من بينها المبعوث الامريكي السابق برنتسون ليمان. والتغييرات الحكومية وإبعاد الحرس القديم، اعقبتها تأكيدات من الحزب الحاكم برغبة اكيدة للانفتاح الخارجي واعادة النظر في علاقات البلاد الخارجية، وهذا ما يتتطب تغييراً بالداخل، واتبع هذا التغيير الرئيس البشير بالخطاب الاصلاحي ودعوته للقوى المعارضة للحوار. وتلت خطوة تغيير الحكومة وخطاب الاصلاح، تحركات دبلوماسية محمومة شهدتها الخرطوم خلال زيارات متقاربة في يناير الماضي ومطلع فبراير لوزير الدولة البريطاني للشؤون الأفريقية، مارك سيموندز، ووزير الخارجية النرويجي بورج برانداه، والرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر. ويقول المحلل السياسي، والاستاذ بالجامعات السودانية، حاج حمد، ل(الطريق) "أن الازمة الوطنية دخلت مراحل متقدمة، والمعارضة السودانية ماتت سريرياً، وهو ما اتاح المجال للمباردات الخارجية التي لاتخلو من مصالح واجندة دولية". واعتبر حمد، ان استمرار الأزمة الإنسانية في مناطق الصراع من شأنه اجهاض اي مبادرات للتسوية، لافتا الي ان تقارير عسكرية رصدت نحو (56 ) طلعة شنها الطيران الحكومي علي مناطق الحرب الاهلية في السودان. ووصف حمد الوثيقة الامريكية بالرابحة للاسلاميين في السودان، لجهة ان حكومتهم مطرودة من رحمة المجتمع الدولي وترغب في الخروج من السلطة بأقل الخسائر. وبحسب قوي معارضة، فان رأس النظام بحاجة الى تسوية سياسية تخرجه من عنق زجاجة المحكمة الجنائية وهذا الخروج لن يتأتي الا عبر مساومات بالداخل والخارج، وبرغم اقرار جهات معارضة بخطورة المباردات الخارجية. الا أن القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المعارض، كمال عمر، أبدى ترحيباً بكل خارطة طريق تفضي في النهاية الى تفكيك النظام بشرط ان يساهم المجتمع الدولي في تحقيق التحول الديمقراطي المطلوب في السودان. واضاف عمر ل(الطريق): " ارحب بالوثيقة الامريكية، لكن من الافضل للقوى المعارضة ان تسارع في صياغة خارطة طريق لانهاء الازمة السودانية". من جهته، قال القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي محمد وداعة، ل(الطريق) "انه اذا سلمنا بصحة ان الحكومة ترتب لتحقيق ما ورد في وثيقة الهبوط الناعم للبشير فان ما يقال حتى الآن لا يفى بالغرض، ولفت الي ان المحاور الاربعة التي ذكرها الرئيس في خطابه غير ملبية لآمال وتطلعات الامة السودانية". ويرى وداعة، "انه لابد من اضافة محورين آخرين، الاول برنامج معلن من الحزب الحاكم يرفع الغطاء عن الفساد والمفسدين ويفتح الطريق لمحاكمتهم واسترداد المال العام المنهوب. والثاني ايجاد آلية وطنية شفافة وعادلة للحوار تزيل الظلم الذي ارتكبه النظام طيلة ال(25) عاماً وتجنب البلاد مخاطر الإنزلاق في الحروب والإنتقام". ورهن وداعة، نجاح الحوار باشراك المواطن بجانب الالتزام بمخرجات الحوار، وشدد علي ضرورة وجود ضمانات من الحكومة للالتزام بنتائج الحوار. ويرفض الحزب الشيوعي السوداني المعارض الذي قاطع خطاب البشير الأخير مع قوى سياسية أخرى الخطة الامريكية التي تستند على الهبوط الناعم للنظام، واعتبر هذا السيناريوتدخل سافر في الشئون الداخلية للبلاد، معتبراً ان وثيقة البديل الديمقراطي التي طرحتها المعارضة هي مفتاح الحل لأزمات البلاد..