- في 16 فبراير الحالي مرت أكثر من 350 سنة على ظهور التعامل بالشيكات التقليدية في المعاملات التجارية. ورغم التطور الذي شهدته التكنولوجيا المالية والمصرفية فإن الشيك ما يزال يحتفظ بجاذبيته وقوته بين المتعاملين، خاصة في الاقتصادات النامية بحسب خبراء. إلا أن هناك من يدعو إلى رفع الحماية القانونية عن وسيلة الدفع هذه لتنظيف الأسواق من عمليات الاحتيال. وتراجع استخدام الشيكات خاصة في البلدان المتقدمة مع تعويضها ببطاقات الائتمان وبطاقات الخصم ووسائل الدفع الإلكترونية الأخرى. وتشير المعطيات إلى أن أقدم شيك كتب عام 1659 بقيمة 400 جنيه إسترليني (560 دولارا)، في وقت تتجه فيه بريطانيا اليوم إلى إنهاء التعامل بالشيكات. يقول الرئيس التنفيذي لشركة "الدار للصرافة" جمعة المعضادي إن الشيك أداة دفع في المقام الأول، وفي المقام الثاني أداء وفاء (ضمان) من جانب صاحبه للالتزام بدفع المبالغ المالية في آجالها المحددة. ويعتقد في ضوء ذلك أن وسائل الدفع الإلكترونية لن تحل محل الشيك كوسيلة وفاء، لذلك لا يمكن الاستغناء عنه. ويضيف المعضادي للجزيرة نت أن التكنولوجيا المالية سهلت عمليات التسوية بين جميع الأطراف، كما سهلت عمليات التأكد من حقيقة الأرصدة البنكية التي يتمتع بها مصدرو الشيكات، ومن ثم ضمان حقوق المتعاملين. ويشير إلى أن الأجهزة الإلكترونية التي باتت تعتمد عليها البنوك والمؤسسات المالية لقراءة الشيكات عن طريق الشفرات التي تحملها هذه الشيكات، قلص هامش سوء استغلال هذه الوسيلة في عمليات الاحتيال. ويتابع المعضادي بالقول إن "الشيك الورقي سيظل ملك المعاملات المالية، وإن التطور التكنولوجي في القطاع المالي سيعزز ثقة المتعاملين به". وما يزال قطاع واسع من رجال الأعمال والأفراد في المنطقة العربية يفضلون التعامل بالشيكات المحددة كضمان في المعاملات التجارية وعمليات تأجير العقارات، لكن الشيكات المرتجعة بسبب عدم كفاية الرصيد أو أسباب أخرى تفرز تداعيات اقتصادية وتطرح العديد من التحديات القانونية. وعلى سبيل المثال بلغ عدد الشيكات المرتجعة في فلسطين أكثر من 735 ألف شيك بقيمة تجاوزت مليار دولار في 2017، وذلك لأول مرة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. وتشير بعض المعطيات إلى وجود أكثر من أربعين ألف قضية في المحاكم بسبب ظاهرة الشيكات المرتجعة في قطاع غزة لوحده. تصنيف ائتماني ويرى المحلل المالي نضال خولي أن حجم استخدام الشيكات الورقية في المعاملات المالية يختلف من بلد إلى آخر، ويقول إن الشيك أضحى في عدد من دول العالم -خاصة بالاقتصادات الكبرى- وسيلة دفع فقط لا أداة وفاء، بعدما لم تعد لهذا الشيك أي تبعات قانونية، في حين لا يزال وسيلة وفاء وضمان في دول أخرى بسبب القوانين التي تجرّم إصدار شيكات بدون رصيد. ويشير خولي في حديث للجزيرة نت إلى أن بريطانيا تخطط لإيقاف التعامل بالشيكات المصرفية خلال الفترة المقبلة بسبب توفر بدائل إلكترونية، موضحا أن مستقبل التعامل بالشيكات يتوقف على مدى قبول المتعاملين في السوق بوسائل الدفع الإلكترونية من جهة، واستعداد الجهات الوصية لرفع الحماية القانونية عن الشيكات من جهة ثانية. ويرى أن البديل الحقيقي هو العمل بما يسمى شهادة التصنيف الائتماني للأشخاص على نطاق أوسع في التسويات المالية، مثلما هو عليه الوضع في البلدان المتقدمة. وعبّر خولي عن اعتقاده بضرورة توسيع وجود مؤسسات التصنيف الائتماني في البلدان العربية، ليتسنى إصدار شهادات للأشخاص-لا للمؤسسات فقط- تؤكد جدارتهم الائتمانية وقدرتهم على السداد. وبهذه الطريقة يمكن -حسب خولي- تنظيف السوق من حالات الاحتيال عبر إصدار شيكات بدون رصيد، وإجبار المتعاملين على الحفاظ على مستوى عال من سلوكهم المالي، بالإضافة إلى تقليص نسب توقع حدوث الجرائم المالية. وعاد المحلل المالي ليؤكد أن الشيك أضحى حلا ماليا قديما لا يتماشى مع التطورات التكنولوجية التي وفرت بدائل كثيرة تقلل من الاعتماد على التبعات القانونية للشيكات المصرفية التقليدية. وفي ظل ظهور العملات الرقمية وجذبها لقطاع واسع من المتعاملين رغم القيود التي تحاصرها بالتزامن مع تطور كبير في التكنولوجيا المالية، فإن الاقتصاد العالمي يبدو كأنه متجه نحو اقتصاد غير نقدي. ط ي