جاءت تشريعات الإسلام جميعها تقرر مصالح الإنسان المختلفة في الدنيا والآخرة دون فصل بينها، وتضع منهجاً محكماً يوازن ما بين ضروريات حياته وحاجياتها وكمالياتها ، كل ذلك في إطار من التشريع البين المتسق دون حرج أومشقة تضيع معها مصالح الإنسان المعتبرة. جاء ذلك فى المحاضرة التى القاها الدكتور مصطفى عثمان عبد المكرم المدير القانونى لمنظمة العون المدنى فى اطار سلسلة المحاضرات الدينية التى تقيمها جمعية القران الكريم بوكالة السودان للانباء وجمعية النهضة برعاية الهيئة الفرعية لعمال وكالة السودان للانباء احياءا لقيم الاسلام وتشريعه. واوضح الدكتور مصطفي خلال المحاضرة قيم الحقوق والمساواة والعدالة والحرية فى الاسلام وفى المبادى الدولية لاعلان حقوق الانسان وغيرها من الدساتير التى صدرت من المنظمات الحقوقية الدولية واجراء مقاربة بينهما، مشيرا الي مصالح الانسان فى الاسلام فى ثلاث هى الضرورات والحاجيات والتحسينات شارحا الضروريات بانها تلك المصالح التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. فإن حفظ هذه المقاصد الخمسة من الضروريات وهي أعلى مراتب المناسبات. أما الحاجيات فأنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة أي الضرورية. فيما تعنى التحسينيات الاخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الاحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم العادات، فلوعُدِم الدين عُدِم ترتب الجزاء المرتجى، ولوعُدِم المكلف بضياع النفس عُدِم من يتدين، ولوعُدِم العقل لارتفع التدين فإن مدار التكليف مبني على العقل فلا تكليف لغير العاقل كالصغير والمجنون ولوعُدِم النسل لم يكن في العادة بقاء وإذن لانتهت الحياة ، ولوعُدِم المال لم يبق عيش والمقصود بالمال هوما يقع عليه الملك واختص به من ملكه بوجه شرعي. أما حفظها من جانب الوجود فإنه يكون بالإستجابة للتكليف بذلك، فيُحفظ الدين بإقامته بأركانه المعروفة وما يتصل بها من تكاليف، وحفظ النفس والعقل يكون باتباع العادات اللازمة لذلك من المأكل والمشرب والمسكن و(التداوي وما أشبه ذلك، ويكون أيضاً بإحياء النفس إذا دعت لذلك حاجة كإنقاذ غريق وإطعام جائع وسقاية ظامئ اما حفظ النسل والمال من جانب الوجود يرجع إلي المعاملات من تناكح وتبايع ونحوه فقد حض الإسلام على الإحصان ورغب فيه، كما أحل البيع وحث على الكسب. أما حفظها جميعاً من جانب العدم فيكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلكل إعتداء على مصلحة من هذه المصالح يقابله واجب بدفعه، فشُرِع الجهاد لحفظ الدين، وحًرِّم الإعتداء على النفس وشُرِع القصاص والديات من أجل حفظها، وحُرِّمت الخمر وفُرِض حد شربها لحفظ العقل، وحُرِّم الزنا وشُرِع حده حفظاً للنسل، وحًرِّمت السرقة وشُرِع حدها حفظاً للمال. وحول اصول حقوق الإنسان في الإسلام لخصها الدكتور مصطفى فى الكرامة الإنسانية وهذا ما انتهت إليه النظريات الوضعية في حقوق الإنسان، ولكن ما مصدرها ؟ فهذا ما بينه الإسلام. يقول الله تعالى في سورة الإسراء: :} وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ). ومن الاصول ايضا المساواة حيث جاء الإسلام بهذا المفهوم الجديد في ذلك الزمان، فألغى كل أسباب التفاضل بين الناس، وجعل السبب الوحيد هوالتقوى، والتي لا يملك البشر مقياسها كما في الحديث: (التقوى هاهنا) ويشير صلي الله عليه وسلم إلى قلبه. يقول الله تعالى:}يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ . جانب العدل بين الناس حيث يعد العدل من القيم الأساسية في الإسلام، وقد جاءت كثير من النصوص في القرآن الكريم والسنة الشريفة، ترشد إلى هذه القيمة، وتبين أهميتها وتحذر من تجاوزها مهما كانت الأسباب، فيقول تعالى: }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى{.وكذلك قوله تعالى:}وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ{ بالاضافة الى اصل الشورى وهي تعني أخذ آراء الآخرين في أمر معين للوصول إلى أصوب الآراء وأقربها إلى الحق. وقد جاءت الشورى متضمنة في اصل الإسلام ومبادئه الكلية، وأكدت عليها آيات كريمة من القرآن الكريم. وذلك في قوله تعالى: }فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ {وكذلك قوله تعالى في صفات المسلمين}وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ{ وابان فى معرض سرده للاصول منهج الحرية في الإسلام حيث ان حرية الاختيار هي الأساس في مسؤولية الإنسان بعد أن بين الله له المنهج وفطره عليه ليكون عوناً له في الاختيار. وقد جعل الله مدى هذه الحرية واسعاً سعة الجنة وسعة خيراتها "حيث شئتما" وهي التوسعة البالغة التي أشار إليها المفسرون ،فلم يكن الحظر هوالأصل بل كان استثناءاً لا يكاد يصل إلي نسبة تذكر في مجال الحرية والإباحة . فلا حظر مطلق يلغي إرادة الإنسان وحريته بل لا يصل إلي إحداث النقص في حياته، كما أنه لا إباحة مطلقة يبسط بها الإنسان حريته في الكون دون قيد ولا منهج وهوما يعبر عن وسطية الإسلام في كل شئ. إذن فإن الحرية لم تأت طارئة في الإسلام أو كرد فعل على تجربة قاسية من الظلم والتعسف الذي مارسه الإنسان مستبداً به على أخيه الإنسان، أونتيجة كشف إنساني يزين به حياته في الأرض وينظم به علاقاته في ظل نظام اجتماعي اكتشفه هوالآخر ليكون بديلاً عن وحشته البدائية أو وحشية الغاب من الناس والأنعام قبل نشوء النظام الاجتماعي طوعاً أوكرهاً أو تطوراً. وابان الدكتور مصطفى فى معرض مقارنته بين الحقوق والواجبات فى الاسلام وفى القوانين الوضعية مؤكدا بان الاسلام جاء بمصطلحات وكلمات محددة ومعبرة لا تشويش ولا غموض فى معناها بينما تتضارب المعانى والدلالات لحقوق الانسان والحريات فى القوانيين الدولية مبينا بان الحرية كانت تقيد بالارث والاسرة ومن ثم بدفع مبلغ من المال او دفع ضريبة معينة واضيفت على قيمها مؤخرا ميزة من يملك المقدرات العلمية فى مفاضلة واضحة وتميز بين بين الناس فى حين ان الاسلام قدر الانسان بانسانيته سواء كان مسلما او غير مسلم مستعرضا تطور مصطلح حقوق الانسان فى القانون الفرنسى والاوربى ومدى اختلاف المفاهيم والفلسفات والنظريات التي تناولت موضوع الحرية لدرجة التناقض بينها فظهرت فلسفة القانون الطبيعي ونظرية الحقوق الطبيعية ونظرية العقد الاجتماعي وغيرها ثم جاءت نشأة النظام الدولي لحقوق الإنسان مع نشأة الأممالمتحدة عندما صدر ميثاقها في العام 1945م. وتبنى ميثاق الأممالمتحدة موضوع حقوق الإنسان كأحد المقاصد التي من أجلها نشأت الأممالمتحدة. وبهذا المفهوم يكون الميثاق قد أدخل على القانون الدولي مبدأ احترام حقوق الإنسان وفرض على الدول الالتزامات المقابلة لذلك الحق دون أن يسرد تفاصيل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في هذه المرحلة وجاءت الاشارة لحقوق الانسان كذلك في المادة الاولى من الميثاق (مقاصد الاممالمتحدة) الفقرة الثالثة: (وعلى تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعاً). وعهد الميثاق إلي لجنة حقوق الإنسان تفصيل هذا المصطلح من خلال وضع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان المتمثلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين. فعكفت اللجنة على صياغة مكونات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وفرغت أولاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثم اتبعته بالعهدين الدوليين. وهما الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذى صدر في 10 ديسمبر سنة 1948م ويتكون من ثلاثين مادة ليصبح اول وثيقة دولية تفصل مفهوم حقوق الانسان في شكل مواد محددة تتناول مختلف جوانب حقوق الانسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . غير أن هذا الإعلان اتصف بالقوة الأدبية دون القوة الإلزامية فلم يكن ينص على إجراءات أو ينشئ آليات تتابع مدى التزام الدول بما وردت به من مبادئ ومعايير فقد عكفت لجنة حقوق الانسان (الآن مجلس حقوق الانسان) على تحضير عهد دولي يكون ملزماً وذلك من خلال اجراءات تسمح بتطبيقه. فتم اصدار عهدين دوليين هما: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتم اعتمادهما من الجمعية العامة للامم المتحدة في 16 ديسمبر سنة 1966م. وصارا نافذين سنة 1976م. مصطلح الشرعة الدولية لحقوق الانسان يطلق على الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين والبروتوكولين الاختياريين الملحقيين بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وهما البروتوكول الاختياري الخاص بالغاء عقوبة الاعدام والبوتوكول الاختياري الخاص بتقديم الشكاوي الفردية. وكل هذه التشريعات الا ان هذه القوانيين لم تكن ملزمة لكل الدول او لم تحقق قيم العدالة فى التطبيق الامر الذى يجعل قيم السماء مميزا عن قيم الارض ومحققة للعدالة الانسانية وخياراته.