لقد صدق ما كتبناه قبل أيام في هذه المساحة.. قلنا إن التصريحات الوردية حول الخريف والاستعدادات له شيء.. والواقع المعاش والمؤلم شيء آخر.. ودعونا نتوقف عند أحداث مدينة شندي، فأكثر من أسبوع والأمطار تنزل بغزارة، والسيول القادمة من الشرق تضرب المدينة، والقرى المجاورة بعنف!! المنازل تنهار كقطع البسكويت!.. والطرق تتقطع.. والناس تنقطع بهم أسباب الحياة.. قبل يومين رسم لي الأخ الشيخ مدني، وهو شخصية ناشطة في مجال العمل العام، ومن أبناء المنطقة، صورة حزينة لتطورات الأوضاع.. وكان معه بالتليفون ضابط رفيع من إدارة الدفاع المدني من المركز.. فقال إن السيول التي رآها تعادل ستة أضعاف السيول التي ضربت المنطقة قبل أربعة أعوام.. وقلت في سري، وقبل أربعين عاماً.. والمعالجات هي ذات المعالجات، والصرخات هي ذاتها.. ولغة المسؤولين هي نفسها.. لقد رسم لي صورة بائسة للمساعدات التي أرسلها المركز، ومن بينها (2) تانكر لمياه الشرب. ولاية بحالها.. الوالي والمؤسسات، والميزانيات، والوزارات، والعدد الكبير من الدستوريين الذين دفع بهم للسلطة، وتعجز عن توفير تناكر مياه لتعطي الناس مياه الشرب.. حاولت الاتصال أمس الأول ب«عماد سلمان خالد» وهو من شباب المسيكتاب النشط وفي «الحساب» أنا عمه كنت اريد اخباره بأننا ارسلنا محرر من «آخر لحظة» للوقوف على الأوضاع ولكن التلفون حرن لمدة يوم كامل وفقدنا الاتصال بعماد وصباح أمس جاءتني مكالمة منه فقال لي : كل تلفونات المسيكتاب «قفلت» بسبب الكهرباء وجمعنا كل «الموبايلات» في «شوال» وارسلناها مع مندوب لمدينة شندي «لشحنها» بالكهرباء حتى نستطيع التواصل مع العالم الخارجي. قال لي عماد : لا يوجد أكل لا يوجد ماء شرب كل المنازل منهارة والسيول تحيط بالمنطقة من كل جانب ولم يأت مسؤول واحد لزيارتنا حتى الآن........!!!؟ لا أريد أن أقارن بالعالم المتقدم، ولكننا نتوقف عند باكستان، دولة أيضاً من دول العالم الثالث، ومنكوبة بالحروب، وبالإرهاب، وبتقلبات أنظمة الحكم.. والكارثة أضعاف ما عندنا.. هناك هجمات أنهار.. وكلنا يعرف عنف ووحشية أنهار آسيا.. ومع ذلك كانت المروحيات تنقل السكان، وتقدم الإغاثات المطلوبة، وفرق الجيش تقوم بسرعة بإنشاء الجسور البديلة للجسور المنهارة.. لماذا يتكرر مسلسل السيول والفيضان كل عام؟.. ولماذا تعجز الولايات عن التصدي لمثل هذه المشاكل الموسمية المعروفة؟.. ولماذا في جرة قلم يتصدى المركز لكل شيء؟ أسئلة كثيرة ومرة.. وكلها تعكس انعدام التخطيط، وطرق ووسائل المعالجة للكوارث والطواريء.. الخريف في أوله.. وما حدث في شندي هو مجرد مناظر لفيلم.. ولا حل أمامنا سوى الإكتفاء بالمشاهدة، وتقديم الوصفات والحلول التي نقدمها مدخل كل خريف.. ولا شيء على أرض الواقع، ودائماً «يقطّع» الناس «موية الخريف في البطون»، وما أمر هذا الاحساس، وما أشقى أصحابه!