المرحلة العملية للزواج : بعد إن توفر المال دخلت في المرحلة العملية للزواج وليدرك أبناء الجيل والحقب الذين جاءوا من بعدنا قيمة الجنية السوداني آنذاك كان يساوى حوالي ثلاثة دولار ونصف !! سدينا المال مائة جنيه اشتريت غرفة نوم حديثة من ورشة المعلم عيسى بالمنطقة الصناعية أم درمان بمائة وعشرين جنية مكونة من (سرير دبل بد ودولاب ثلاثة ضلف وضلفة النص مراية بلجيكية بارتفاع الدولاب وتسريحه بمرايا مستديرة ومقعد منجد). لتعرف متانة الصناعة آنذاك هذه الغرفة غرفة نومي الخاصة منذ عام 1957وحتي الآن 2010 لم ينكسر منها خلال نصف قرن غير المرآتين في الترحيل من منزل لأخر واستبدلتهما بمرآتين تقليد تايواني!!. انتقال ليالي الفرح لشندي :- قبل عدة أيام من تحرك السيرة من عطبرة إلي شندي اتصلت بلجنة الحزب هناك برئاسة الصديق العزيز الأستاذ مصطفي محمد صالح ليستعدوا لاستقبال السيرة من عشرات الزملاء لقضاء ليلة واحدة بشندي وبشرتهم بأن الفنان الكبير حسن خليفة العطبراوي والموسيقار الأستاذ مكي سيد احمد تطوعوا لإحياء ليلة العرس بميكرفون الجبهة المعادية للاستعمار وأظنها المرة الأولي في شندي يقام حفل عرس بميكرفون بطارية فالكهرباء لم تصل شندي آنذاك. بعد أسبوع من حفل المرطبات بعطبرة تحركت السيرة من عطبرة بالقطار مخصوص للعمال يوم خميس وحجزنا عربة درجة رابعة للعريس ومرافقيه لزوم السيرة وما إن تحرك القطار حتى بدأ الغناء والطرب من عطبرة إلي إن وصلنا شندي كان استقبال أهل العروس والزملاء بقيادة الأستاذ مصطفي محمد صالح في شندي حاراً وفريداً وسرنا من المحطة إلي إن وصلنا منازل استضافتنا بجوار منزل العروس. بعد إن اخذ وفد السيرة قسطاً من الراحة وتناول وجبة العشاء بدأ الحفل الغنائي الساهر الذي أبدع واطرب فيه الأستاذ العطبراوي ورقصن بنات جعل علي أنغام الألحان والأناشيد الثورية(..لا ..لا ..لن نحيد اليوم نمشي علي جماجم الأسياد مرفوعي البنود ) واستمر الغناء والطرب حتى أشرقت الشمس والوالد عبيد والوالدة خديجة وأم العروس أمنة وأخوان العروس محمد وعبد العظيم وأخواتها نعمات وعفاف وصافيناز وسميرة كانوا جميعاً في قمة الفرح والسعادة يهزون ويبشرون وظل الغناء والرقص مستمراً مساء الخميس وصباح الجمعة ونهارها. في المساء وصل مخصوص العمال من الخرطوم في طريقة لعطبرة(يالقطار تدشدشش القطعت علينا فرحنا!). شندي تودع رجال عطبرة :- أخيرا ودعت مدينة شندي رجال عطبرة وفنانيها وداعاً حاراً بعد إن خلدوا ذكري ليلة عرس فريد لا ينسى أما أنا فعطبرة بالنسبة لي الوطن العزيز الثاني ... دخلتها متفرغاً سياسياً يتلمس طريقه في النضال الوطني خرجت منها بعد أربع سنوات كادراً سياسياً كسب خبرة وتجارب أصبحت زادي في المستقبل أيضا دخلتها وانأ شاب عازب خرجت منها عريساً عام 1958م فلعطبرة رجالها ونساءها مني التحية والتقدير. بعد عام واحد من زواجي عدت لأمدرمان بعد وفاة الوالد أمارس نفس مسئولياتي السياسية سكرتيراً للجنة الحزب الشيوعي بأمدرمان ومحرراً لعمود (طرف الشارع) لجريدة الميدان. بفضل الله بعد مرور خمسين عاماً أصبحت رب أسرة كبيرة مكونة من ستة أبناء وبنت واحدة (أخر العنقود) نال خمس منهم تعليماً جامعياً والاثنين الأخيرين أوسط مهني وكلهم متزوجون ولهم أطفال رحلوا من ( البيت الكبير) بعد إن بنوا بيوتهم في أحياء أم درمان المتباعدة إلا أنهم يشكلون حضوراً دائماً ومتصلاً في البيت الكبير أسبوعيا بل وخلال الأسبوع أحيانا فأصبحت أنا والحاجة عائدة أمهم عندنا فسحة من الزمن نقضيها في الراحة وزيارات الأهل والحدائق للترويح عن أنفسنا لان النفوس إذا كلت ملت بينما نحن الآن الحمد لله في قمة السعادة بعد إن أدينا سوياً ركناً من أركان الإسلام بالحج إلي بيت الله وادينا واجبنا نحو والدينا وربينا وخرجنا أبناءنا رجالاً في المجتمع وجميعهم متزوجون ونشعر بالسعادة وراحة البال وذلك فضل من عند الله نحمده نشكره عليه. التفرغ للنفس بعد المعاناة:- هنا راودتني فكرة إن نتفرغ أنا والحاجة عائدة لأنفسنا قليلاً بعد معاناة العمل السياسي وما سببته لها من عذاب ومضايقات وإضرابات عن الطعام و الاختفاء والسجون والمعتقلات!!. في عام 2005م عرضت عليها فكرة إن نقضي شهراً بالقاهرة للراحة والاستجمام من عذابات السنين الماضية خاصة وتذاكرنا علي الخطوط الجوية السودانية لاي بلد مجاناً ذهاباً وإياباً فأبني الأول «عبيد» مهندس بالخطوط الجوية السودانية فراقت لها الفكرة وسافرنا إلي القاهرة وقضينا فعلاً شهراً جميلاً ممتعاً قضينا أغلبه في رحلات نيلية وزيارة حدائق الحيوان والأهرامات ... والسيدة زينب ... سيدنا الحسين ... زيارة الإسكندرية ورحلات بحرية وصور بملابس تنكرية ومسارح ...الخ . شهر عسل مؤجل خمسين عاماً:- بعد انقضاء الشهر عدنا ونحن أكثر نشاطاً وحيوية وكلما نريد إن نتذكر أيام السعد نقلب (البوم الصور) التي أخذناها في المواقع التي زرناها فتعيد لنا ذكريات أجمل أيام في حياتنا (انظر الصور في أخر الكتاب). عندما عدنا بعض الجيران كانوا يسألونني وين يأخى لينا أسابيع ما شايفنك. - كنا في القاهرة . * إنشاء الله خير ؟. - خير ... عندنا شهر عسل مؤجل نفذناه . * باندهاش اتزوجت ثاني ؟!. - أبداً والله . * طيب شهر عسل مع منو ؟!. - «مع الزوجة الأصل» أم ابنائي مع الحاجة عائدة فقد عانت معانا معاناة شديدة سجون ومعتقلات وإضرابات عن الطعام واختفاء في بيوت الحزب السرية وشظف العيش فرأيت إن أعوضها سنين الشقاء معي رغم أنها والله ( لا كلت لأملت صبرت وصابرت) ومهما اعمل لها أكيد لا أوفيها حقها اسأل الله لها الصحة والعافية وطول العمر ولي العفو والغفران. * نصيحتي للزملاء الكبار أو من هم في عمري فوق الثمانين عام ومروا بظروف مثل ظروفنا أو شبيهة بها انصحهم بأن يستفيدوا من تجربتي البسيطة المتواضعة وديننا يحثنا علي الترويح عن النفس لان النفوس إذا كلت ملت. وإذا ملت تفقد الحياة الزوجية معناها الحقيقي.