لم يفكر السودان الشمالي حتى الآن في كيفية التعامل مع الآثار الناتجة عن انفصال الجنوب، والاجراءات التي يفترض اتباعها لمواكبة التحولات التي ستصاحب هذه العملية الصعبة والمعقدة.. هناك مثلاً (المقررات الدراسية) و(الخرائط الجغرافية) و(الموروث الأدبي والفني) وغيرها الكثير من المجالات التي نجد فيها ذكراً لمساحة السودان، ولوجود الجنوب، ولحالة الوحدة، في حين أن كل هذا سيتغير بدءاً من التاسع من يوليو المقبل.. فماذا فعلت الحكومة باتجاه اسقاط وتغيير المعلومات التي لم تعد صحيحة، وتمتليء بها الكثير من الكتب والمراجع والخرائط والمواقع الالكترونية ؟! القضية ليست سهلة كما يعتقد البعض وتحتاج الى تخطيط وجهد ومال ووقت.. كما لا يعقل أن يتم (الشطب) يدوياً على هذه المطبوعات، وإنما يستدعي الأمر إعادة طباعتها بعد تعديل المعلومات من قبل جهات مختصة، وعلى دراية بالمستجدات والمتغيرات، بحيث يتم تمليك الحقائق للسودانيين وغيرهم سواء في الداخل أو الخارج... فلا يعقل بعد التاسع من يوليو أن نشاهد الخرائط القديمة للسودان معلقة على حوائط مكاتبنا ومدارسنا وسفاراتنا وبيوتنا.. ولا يستقيم أن تتواجد كتب ومراجع في مكتباتنا تتحدث عن مساحة السودان وولاياته وهياكله الإدارية وموارده الطبيعية ومؤشراته الاقتصادية ضمن الأفق القديم الذي كان يتحرك قبل انفصال الجنوب في المليون ميل مربع !! المستجدات السياسية هذه المرة تتخذ طبيعة جديدة قائمة على الانفصال، الذي يعني فكرياً وجغرافياً وسياسياً، أن جزءاً مقدراً من السودان قد ذهب، وفي ظل هذا الواقع الجديد لابد أن تذهب مرجعيات كثيرة لم تعد تقدم معلومات صحيحة عن السودان بشكله الجديد!! والمشكلة لا تقتصر على السودان فحسب، وإنما لابد من عمل دبلوماسي وإعلامي يتجه للخارج للتوجيه بضرورة مراعاة المتغيرات الجديدة، وتضمينها للكم المعلوماتي المتعارف عليه حول السودان قبل الانفصال.. وهذا يحتاج حراكاً واسعاً من الداخل، وتعاوناً وتفهماً من الخارج.. وبدوره سيحتاج لقسط وافر من الوقت والصبر!! نحن نتساءل بالفعل عن التحضيرات والاستعدادات التي يفترض أن تكون قد بدأت لمواكبة التحول السياسي الكبير الذي ستشهده بلادنا مع الإعلان الرسمي لانفصال الجنوب.. هل هناك لجان تم تكوينها لهذا الغرض؟!.. ماذا عن الميزانيات التي خصصت لانجاز هذه المهام؟! وماهي الخطة القومية لاطلاق حملة التوعية واجراء التعديلات وفك الارتباط في قضايا متعددة ومتشابكة وظل الجنوب مكوناً رئيسياً فيها قبل الانفصال ؟! الشماليون يعتقدون أن اعترافهم بدولة الجنوب الوليدة هو كل ماعليهم من استحقاقات تجاه الانقسام.. وأن العبء سيقع على الجنوبيين أكثر، وهذا ليس دقيقاً لأن هناك تبعات تستلزم القيام بالكثير من العمل.. والجنوبيون ينشطون منذ وقت للتحضير والتجهيز لدولتهم الجديدة، فاختاروا عملتهم (الجنيه أيضاً) وحددوا لغتهم الرسمية (الانجليزية) ويتشاورون حالياً للاتفاق على (وحيد القرن) كشعار لدولة الجنوب.. هم يبدأون من الصفر لذلك مهمتهم ربما تكون أوضح إن لم تكن أسهل.. أما نحن في الشمال فنمتلك موروثاً ضخماً من التاريخ والجغرافية المشتركين، واللذين يحتاجان الى الكثير من الفحص والغربلة وتقسيم (الكيمان) ومراجعة الارشيف (المكتوب) و(المسموع) و(المرئي) لتعديل وتصويب معلومة ظلت تتواتر على مر العهود والعصور وتقول إن الجنوب جزء من الشمال وليس دولة منفصلة!! من سيدفع يا ترى تكلفة حرق وإبادة عشرات الكتب والمراجع والخرائط وربما الأشرطة السمعية والمرئية.. حكومة الشمال بالطبع.. هل تم وضع ذلك في الحسبان.. أم أننا سنترك كل شيء كما هو الى حين أن يزول بالتقادم، ويقضي الله أمراً كان مفعولا؟!.. هذا ليس حلاً لأنه يتصل بأمور سيادية وبحقائق تتجاوز الداخل الى منظمات وهيئات دولية لايصلح التعامل معها بفكرة الذاكرة التي تسقط محتوياتها القديمة تلقائياً وبمرور الزمن!! ماوراء اللقطة: بعيداً عن التدخل في الشأن الجنوبي فإن (وحيد القرن) الذي قد يكون شعاراً لهم، يعبر عن الاستقلالية التامة بدليل القرن الواحد وليس القرنين.. كما يحدد هوية افريقية خالصة يمثلها (وحيد القرن) بايحاءاته ودلالاته المعروفة.. وربما هناك مزايا أخرى عديدة لوحيد القرن تعطيه الأهمية التي تجعل منه شعاراً لدولة مستقلة وقائمة بذاتها منها، مثلاً قوة الصبر والاحتمال وهي سمات تعزز من فرص (وحيد القرن) الذي نأمل أن يتعايش في أمن وسلام مع (صقر الجديان) شعار الدولة السودانية في الشمال..!!