{ قديماً تغنَّت النساء لكل شيء حتى للأدوات والأواني المنزلية ومن تلك الأغاني (أدونا فُندكم.. ندق ونديكم.. أبيتوا تدونا كاروشة تاكلكم)، و(الفُندُك) معلوم لجميع أهل السودان ويعرف في بعض الأماكن ب«الهون» وتتعدد أنواعه من (فُندُك) البهارات والثوم مروراً بالجَبَنة أو البُن نهايةً بالفندك العملاق الذي تدق فيه النساء العيش خاصةً في غرب السودان لصنع (الدامرقا) وهي دقيق الدخن المنقى والمعالج بكيمياء بلدية تجعل (عصيدته) لا تقاوم حتى من الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» الذي لا يعرف غير الأرز غذاءً. { إذن نساء السودان يتبادلن الأدوات المنزلية والفُندُك أهمها ويظل يتنقل من بيت إلى آخر حتى يلقى حتفه في (تُكُل) - بضم التاء والكاف - حاجّة من العيار الثقيل وإذا رفضت صاحبته تسليفه لهن فإنهن يدعين لها بأن تأكلها (الكاروشة) وهي هرش جلدي يصيب البشرة ذات الحساسية العالية حال تعرضها ل(الشرا) من قناديل العيش أو البامية أو أي مادة شوكية. { ولكن هذه (الكاروشة) امتدت من تونس إلى مصر ومنها إلى اليمن ثم البحرين وبالأمس القريب ضربت ليبيا ليسقط قتيلان من الشباب الليبي بمنطقة البيضاء القريبة من بنغازي، إثر مظاهرات تطالب الزعيم الليبي القائد معمر القذافي بمغادرة كرسي الحكم بعد (41) عاماً قضاها زعيماً أوحد مع حجر كامل لأي نشاط حزبي - حسب إفادات دكتور ليبي مقيم بلندن استضافته قناة ال«بي بي سي» مساء الأربعاء الماضي. { وبما أنني كنت أحد السودانيين الذين قضوا ثلاث سنوات بليبيا فأقول إنني قد دهشت تماماً لهذه التظاهرات وخسائرها؛ فليبيا هي الدولة والوحيدة في العالم ليس عليها ديون على الإطلاق ومواطنها يدفع (20) ديناراً من راتبه الذي يتراوح ما بين (300-1500) لكل الفئات ويتسلم مقابلها قوت عياله كاملاً لمدة شهر زائداً الفاكهة وملابس ومستلزمات عيدي الفطر والأضحى وكل تجهيزات شهر رمضان المعظم ويمنح كل مواطن أكثر من (5) آلاف دينار (عشرة آلاف دولار) سنوياً نصيبه في النفط، بجانب مجانية التعليم والصحة وكذلك الشقق السكنية والتلفونات الثابتة والكهرباء والماء مع تمليك سيارة لكل أسرة وغيرها من الأشياء التي لا توجد في أية دولة في العالم على الإطلاق، حتى أن المواطن الليبي لا يستطيع العيش خارج بلاده كالسمك تماماً لا يستطيع مفارقة الماء. { وسياسياً تستطيع (50) إمرأة في لجنة شعبية أن توصي بإقالة وزير التموين مثلاً بعد تأكدهن أنه استورد أرزاً غير مطابق للمواصفات فيلبي العقيد القذافي مطالبهن فوراً ويصبح الوزير في اليوم التالي مواطناً لا علاقة له بالوزارة. { إذن ديمقراطية ليبيا التي لا تشبه إلا أُم الديمقراطيات في العالم وهي اليونانية قبل أن تصبح نيابية وحزبية ليست سيئة لدرجة تجعل اثنين من الشباب الليبي يدفعان حياتهما ثمناً ل(كاروشة) مصرية أو تونسية حقيقية جاءت نتاجاً لحكومات فاسدة حسب الغسيل القذر الذي تم نشره بعد نهاياتها، فقد تأكد لي أن الملاريا تصيب الأصحاء لا محالة إلا إذا كنا لا ندري جوانب أخرى من حكم القذافي من المرارة بمكان لم يستطع الشباب الليبي السكوت عنها. { أما شبابنا الذين دعوا لتظاهرات عبر (الفيس بوك) والتقت بهم السلطات فأقول لهم دعوا الأمر حتى تتضح معالم السودان الجديد الذي ذهب جنوبه إلى غير رجعة ومازالت الفتنة في دارفور قائمة وليست نائمة، فلنكمل انفصال الجنوب حتي يوليو القادم ولنخمد نار دارفور المشتعلة وبعدها (أدونا فُندُكم.. ندق ونديكم.. أبيتوا تدونا كاروشة تاكلكم).