كان العيد فرحة ترسم نفسها على كل قلب عند إشراق كل صباح، فالمناسبة عظيمة والأمر جلل، الدموع تتهافت شوقاً للحبيب المصطفى كلما ردد الحجاج «لبيك اللهم لبيك» تتناثر التهاني بكل (الحيشان)، أصوات المنازل تتعالى ضجيجاً يكاد يلامس آذان الجبال، واختفاء امتثالات الأضحيات أضحى ملموساً، فلقد فات الأوان على ذلك، القرية وافرة البهجة و(كروت المناسبات) لا تعد ولا تحصى، هذا هو العيد المرجو، وتجئ الأقدار مرة أخرى على مواعيدها لتمسح ملمح الفرحة قليلاً وتضع بعضاً من رتوش الحزن لتعيد للكون توازنه الطبيعي!! كان طريق مدني الخرطوم فاتحة المآسي حينما شهد ذلك الحادث الذي راح ضحيته سبعة عشر فرداً، ثم حادث شندي، وتوالت الحوادث بعد ذلك، أنا لا أفرد هذه المساحة لأتحدث عن هذه الأخبار (البايتة) لأني على يقين من وصولها للقراء، ولكني أبثكم خبراً لم يشهده إلا فئة قليلة، وهذه المرة لم تكلف الولاية نفسها عناء سفلتة طريق لتجلس مكتوفة الأيدي على حادث هو قضاء وقدر، فمسرح الحادث هو كنار، وضحية الحادث أسرة إلا الأم، والأكثر إيلاماً هو عدم وجود جثتين حتى الآن بالرغم من مرور أربعة أيام على الحادث!! هذا هو حال تلكم الطرق التي ترتعد خيفة كلما تراها، وتتنفس الصعداء كلما غادرتها بأمان، (التُرع) تنام مثل تماسيح البحر في انتظار ضحية قادمة، ذات (الترع) التي تمنح الحياة بِريّ الحواشات تبتلع أصحابها، والمسؤولون يقفون مكتوفي الأيدي، ينتظرون حتى تمشط النساء (البيضا بالزرقا)! كم من الأسر ماتت غرقاً في هذه الطرق، ليس خطأهم سباحة أو نزهة، وإنما خطأهم أنهم مروا من خلال هذا الطريق. تخرج مثل هؤلاء لمباركة العيد على ذويك فيعود حطام عربتك إلى المنزل وبقايا أشياء. قدرٌ هو أن يموت هذا الرجل وابنه وابنتاه، ولكن هل قدرنا نحن أن نحلم حلم (بشارع ظلط)؟! قدر أن لا تكمل «هناء» دراستها بجامعة النيلين وقدرٌ أن لا تمتحن شقيقتها للأساس، وقدرٌ أن تبتلع الترعة جثمانيهما، وقدر أن يغادر شقيقها (لا حنة ولا ضريرة) وهو يحتضن والده وكأنهما على موعد للقاء بالدار الآخرة، وقدر أن تنام تلكم الأم على أفواه الحزن وتبكي مر الدموع! نحن لا نملك حق معارضة القدر، ولكن نملك حق المطالبة بأبسط حقوقنا، فيا مسؤولو غرب المناقل توقفوا هنا!!