نقولها بالصوت العالي نحن ضد الاحتكار.. الاحتكار في أي شيء. وكما هو معروف فإن كلمة الاحتكار هذه تعني الاستحواذ على الأشياء والسيطرة عليها ثم التصرُّف فيها كيفما أريد وكيفما أحب طالما أن هنالك قانوناً أو قل تشريعاً أو حتى قراراً يحميني.. فالمحتكرون الذين ينتمون للاحتكار لايبالون بأي فعل يرتكبونه. فتعالوا معي سادتي لنُعيد التاريخ ونرجع إلى الخلف قليلاً لنقرأ واقع الاقتصاد السوداني قبل مجئ الإنقاذ وبعدها أي في بداية التسعينات.. كانت أسواقنا خالية من كل شيء فحتى وإن وجدت السلعة تجدها عند القلة الذين يتحكّمون فيها، فتارة يرفعون أسعارها وتارة أخرى يكدسونها ويخزنونها لحين إخراجها في وقت الحاجة لتتضاعف أسعارها ونضطر نحن الغلابى لشرائها طالما توفرت الحاجة الماسة لها. فحتى الخبز والصابون كانوا يتحكمون فيها.. كان السوق أيضاً له أناسه الذين يحركونه يمناً ويساراً.. هؤلاء كان القانون يحميهم طالما أن السوق سياسته كانت القابضة وكان هنالك قانوناً يسمى قانون الاحتكار. كان آنذاك الجنيه السوداني لايساوي شيئاً. أما الدولار فحتى وإن كانت الرواتب عالية فإن السوق يبتلعها كالتمساح ويزداد وفق ذلك التضخم.. كانت جُل الكاركاتيرات تتحدث عن (التماسيح) وهم التجار المحتكرون.. فالسلع الاستهلاكية كانت غير متوفرة والطلب كان عالياً في ظل تدني العرض.. كان مشروع الجزيرة بكل مساحاته البالغة (202) مليون فدان خالٍ حتى من الطيور.. المزاعون هجروا الزراعة وكانوا قبل مجئ الإنقاذ يفكرون في الإضراب كما حكى لي الأمين أحمد الفكي أمدّ الله في عمره.. قال لي كنا نحن في مشروع الجزيرة نفكر في هجر الزراعة وعندما جاءت الإنقاذ كنا قاب قوسين أو أدنى من الإضراب ولكننا تراجعنا عن هذا القرار وأيدنا الإنقاذ وكانت جموع المزارعين بمشروع الجزيرة أول من هنأها بتهنئة تعتبرها تاريخية.. هكذا حدثني شيخ الأمين كما يحلو للصغار بالجزيرة أن يلقبوه بالشيخ. عبدالرحيم حمدي عندما عُيِّن وزيراً للمالية قلب الأمور رأساً على عقب عندما انتهج سياسية التحرير الاقتصادي وأعلن عن بيع مؤسسات القطاع العام الخاسرة والتي كان على رأسها المواصلات السلكية واللاسلكية والتي حوّلت للشركة السودانية للاتصالات (سوداتل) سيدة الاتصالات حالياً في العالم ولولا هذه السياسية لكانت اتصالاتنا دون الصفر. أيضاً حوّلت المؤسسة السودانية للمواشي لبنك الثروة الحيوانية وكان ذلك من ضمن الأشياء التي ارتبطت بحمدي وضع البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي.. فكانت كل السياسات التي وُضعت أدت للوفرة وامتلأت الأسواق وعادت إليها هيبتها واختفى (التماسيح) رويداً رويداً وازدهرت الحقول واخضرت وعاد شيخ الأمين للزراعة ومزقنا الفواتير وأصبح السودان دولة منتجة لا مستوردة. الآن نريد أن نحطّم كل هذه الأشياء الجميلة بأيدينا عندما جُعلت تجارة السكر حكراً على (20) تاجراً فقط، فهل يُعقل أن يتحكّم هؤلاء القلة من بلد المليون ميل مربع في بلد عاصمته عدد سكانها يفوق ال 8 ملايين نسمة؟.. هل يعقل ذلك فلماذا نحن دائماً بعد أن نتقدم نرجع للخلف؟. هؤلاء التجار المحتكرون سيلعبون يميناً ويساراً وترتفع أسعار السكر لأكثر مما نتوقع.. فالتجار المحتكرون سيتحكمون كذلك في سكر الولايات وسيحتج الجميع طالما أننا وكما يقول الكبار (مسيناهم في اللحم الحي). فعلى وزراة المالية أن تتراجع عن هذا القرار بأسرع وقت ممكن قبل أن تهشّم الفأس كل شيء.. فهل يُعقل مثلاً أن يبيع التجار ما يحلو لهم ويكدسون ما يريدون ليتحوّل سكرنا للسوق الأسود ويهرّب خارج البلاد ليعود إلينا إنتاجنا نفسه من دول أخرى بعد أن قامت بتغيير ديباجة (صنع في السودان).. هل يُعقل ذلك ياسادة؟!