تحت عنوان: «جهات دولية تتعمد تعطيل اتفاق سلام دارفور» نقلت صحيفة «الأهرام اليوم» الصادرة في الخرطوم أمس السبت عن رئيس السلطة الإقليمية لدارفور د. التجاني السيسي اتهامه لجهات بالمجتمع الدولي ومجموعات بالداخل بتعطيل إنفاذ اتفاق الدوحة لسلام دارفور، وذلك بقوله لدى لقائه بوفد لجنة الأمن والدفاع في البرلمان بمقر السلطة في الفاشر أمس الأول الجمعة: «إن هناك أمراء حرب يستفيدون من إطالة حرب دارفور»، إضافة لانتقاده بشدة لمحاولات دولية وإقليمية لنقل منبر سلام دارفور من العاصمة القطرية الدوحة، وكشفه عن خطوات لقوى بالأمم المتحدة لفرض البند السابع على الأوضاع في دارفور بناء على عقابيل التأزم الأمني المتعلق بالصراع القبلي. واعتبر د. السيسي الأزمة الناشبة بين والي شمال دارفور محمد عثمان كبر وزعيم قبيلة المحاميد موسى هلال تصعيداً يفجر واقعاً جديداً ينذر بالخطر، مطالباً بتقوية أجهزة الجيش والشرطة والأمن لمواجهة التحديات الأمنية في الإقليم. وبناء على هذا الإطار، وفي سياق ربط الحاضر بالماضي في جهود د. التجاني السيسي على المسرح السياسي للصراع القبلي والوضع الداخلي والتدخل الخارجي الإقليمي والدولي في دارفور، نواصل العودة لما أشرنا له أمس الأول الجمعة على النحو الذي ورد في دراسة مهمة أعدها الباحث الأكاديمي العميق والناشط السياسي الضليع في الشأن الدارفوري د. شريف حرير تحت عنوان: «الحزام الإثني السياسي في دارفور والعوامل الثقافية الإقليمية أو الحزام العربي في مقابل الحزام الإفريقي». وكما أشرنا أمس الأول الجمعة فقد ذكر د. شريف حريز الذي ينتمي لقبيلة الزغاوة، فقد استخدمت الدراسة التي أعدها مادة حية من الحرب المديدة بين العرب والفور في دارفور، لتوضيح كيف يمكن أن تتطور الصراعات المحدودة على الموارد الطبيعية إلى حرب إقليمية إثنية ذات طبيعة شبه دولية عندما تتخلى الحكومات المعنية عن دورها كحافظة للسلام سواء بسبب ضعفها أو تحيزها. وتضيف الدراسة أنه على الرغم من الخراب الذي جلبته حرب صراع العرب والفور الذي ساد دارفور بين عامي «1987» و«1989م» فقد قاد تعيين د. التجاني السيسي عندما تولى منصب حاكم إقليم دارفور في عام 1988م إلى البحث في ذلك الحين عن صيغة للسلام، وأدار السيسي الذي هو نفسه فوراوي ظهره لتقاليد التحيز آنذاك، واختار البحث عن صيغة للتعايش السلمي بين العرب والفور. وقد كانت لديه قناعة قوية بأن تلك الحرب من صنع قوى خارجية، ولكن عندما أثمرت جهوده التي بدأها في فبراير 1989م في يوليو 1989 كان د. السيسي في السجن عند توقيع اتفاق السلام الخاص بالوضع بدارفور في تلك الفترة، وذلك بسبب انقلاب 30 يونيو 1989م العسكري الذي جاء بالجبهة الإسلامية إلى السلطة في السودان منذ ذلك الحين وحتى الآن. وتشير الدراسة إلى أن فرحة أهل دارفور التي كانت قد أحاطت بما اعتبروه إنجازاً رائعاً عندما تولى أحمد إبراهيم دريج منصب حاكم دارفور عام 1981م كأول حاكم دارفوري يحكم الإقليم منذ مقتل السلطان علي دينار عام 1916م على يد قوات الاستعمار البريطاني للسودان، قد كانت بلا حدود في تلك المرحلة من فترة حكم الرئيس السوداني جعفر نميري في ذلك الحين، لكن تلك الوحدة الإقليمية غير العادية في دارفور إزاء مركز السلطة في السودان بالخرطوم لم تستمر طويلاً، فقد أفسدها الصراع الداخلي الذي تجلى بدارفور في تلك الفترة في المواجهات بين المجموعات الإثنية. حيث بدأت الخلافات داخل الحكومة الإقليمية تظهر للعلن بعد وقت ليس بالطويل على تشكيلها في ذلك الحين، إذ انقسمت الحكومة إلى معسكرين أحدهما كان يقوده دريج وهو من الفور، والثاني يقوده آنذاك نائبه محمد بشير جماع وهو من الزغاوة. وتضيف الدراسة أن الصراعات الإثنية كانت تحدث في دارفور قبل تفويض السلطة وإقامة حكومة إقليمية، وذلك إما بسبب تنافس المجموعات على الموارد الطبيعية، أو بسبب الغارات المتبادلة على الماشية، وكانت معظم تلك الصراعات تحت سيطرة مؤسسات الحكومة. ولكن بعد عام 1981م تغيّر شكل النزاع على نحو درامي بعد أن تولى مقاليد السلطة أناس ينتمون إثنياً لأطراف الصراع. ورغم أن الانحياز لم يظهر بالضرورة نتيجة لهذه الحقيقة، إلاّ أن العديدين من موظفي الحكومة، وليس كلهم، بدأوا بمرور الوقت يتخذون مواقف منحازة في الصراعات الإثنية المحلية. وبدأ القادة في حكومة دارفور مبكراً ومنذ العام 1981م يعرفون معارضيهم بمثل تلك التصنيفات في الجلسات الخاصة التي سرعان ما خرج محتواها إلى العامة. وهذه هي المرحلة التي تبلور فيها المتحالفان السياسيان المتعارضان وهما الزغاوة ومجموعات العرب الرحل والإخوان المسلمين من جهة، والفور والتنجر وعناصر نخبة دارفور الحضرية من الجهة الأخرى.