في قراءة لتجربة الفور مع الصراع الإثني والقبلي على المسرح السياسي في دارفور، والدور الذي قاموا به في هذا الصدد وبهذا الخصوص على النحو الجاري منذ العهد الذي تولى فيه أحمد إبراهيم دريج منصب الحاكم الإقليمي لدارفور في النصف الأول من ثمانينيات القرن الميلادي العشرين الماضي، وحتى العصر الحالي والدور الذي يقوم به كل من رئيس السلطة الإقليمية الحالية في دارفور د. التيجاني السيسي من جهة، ورئيس ما يسمى بحركة التحرير المتمردة في مناهضة مسلحة للسلطة السودانية المركزية الحاكمة الراهنة عبد الواحد محمد نور من جهة أخرى، تجدر العودة لمواصلة الإشارة لما ورد في الدراسة المهمة التي أعدها الباحث الأكاديمي والناشط السياسي الدارفوري المنتمي لقبيلة الزغاوة د. شريف حرير، حيث ذكر فيها أنه عندما أجريت الانتخابات لمنصب حاكم إقليم دارفور عام 1982م، كسبها أحمد إبراهيم دريج المنتمي للفور، ولكن انتهت ثورة دارفور في تلك الفترة وأُقيمت حكومة كلها من أبناء الإقليم، كانت الظروف البيئية قد تدهورت إلى درجة غير مسبوقة في النصف الشمالي من الإقليم، وامتلأت مناطق الفور والبرقد والبرتي والداجو بالمجموعات النازحة من شمال دارفور، وكان الزغاوة ومختلف مجموعات الأبالة الرحل ذوو الأصول العربية هم الذين قاست مراعيهم التقليدية أكثر من تلك الأزمة. وتشير الدراسة إلى أن تدفق المجموعات الإثنية على مناطق الفور في السبعينيات والثمانينيات من القرن الميلادي العشرين الماضي كان ذا طبيعة مختلفة، إذ جاءت مجموعات النازحين الهاربة من المناطق التي ضربها الجفاف والجوع لتبقى وأثارت مفهوماً مختلفاً فيما يتعلق بالوصول إلى الموارد الطبيعية ليدفعوا مصالحهم قدماً، حيث أرادوا أن ينظر لهم كسودانيين ذوي حقوق متساوية وغير قابلة للتصرف في كل الموارد الإنتاجية المتاحة. وكذلك انقسمت الحكومة الإقليمية التي طغت عليها تلك المشكلات على أسس إثنية آنذاك تساند فيها كل مجموعة أو مجموعات دعاوى أطراف ذلك الصراع الإثني في ذلك الحيز بصفة مباشرة. وحيث أن الحاكم في تلك الفترة كان من الفور، فقد لعبت المجموعات الأخرى على ذلك الوتر مقدمة نفسها بأنها تلقى معاملة غير عادلة لأن الحكومة يقودها الفور، وتعاملوا مع الفور وفقاً لهذا، فكانت النتيجة هي حوادث نهب مسلح في الحزام الزراعي وسط دارفور بناء على ذلك. ثم فجأة غادر دريج الإقليم محتجاً على ما أبدته الحكومة المركزية في الخرطوم من امتناع عن الاعتراف علناً بمدى انتشار المجاعة في عام 1983م. وفي سياق الإشارة إلى أن الوضع الحالي في دارفور يبدو وكأنه يعيد الماضي في الحاضر، وذلك في إطار السعي لتشكيل المستقبل والتأثير عليه على النحو الجاري من قبل الأطراف المعنية والمتورطة والمتداخلة والمتسابقة والمتنافسة والمتصارعة والمتنازعة والمتآمرة والمؤثرة والمتأثرة على المستوى الداخلي المحلي والوطني والمحيط الخارجي الإقليمي والدولي، تجدر العودة لما ورد على لسان الوالي الحالي لشمال دارفور عثمان محمد يوسف كبر في الحوار الذي أجرته معه صحيفة «آخر لحظة» ونشرته في عددها الصادر في الخرطوم يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ 18 مارس 2014م الجاري، حيث ذكر أن التعقيدات المتجسدة في الأزمة المتفاقمة الراهنة في دارفور تأتي لأن الولاء القبلي طغى على الولاء السياسي والمهني والاجتماعي وكذلك اعتقد والحديث للوالي كبر أن دارفور فيها صراع خفي غير منظور للناس، وهذا هو مكمن الخطورة حول أي من العناصر يسيطر على دارفور، ومن هو عنصرك. ورداً على سؤال في هذا الإطار أضاف كبر قائلاً: اعترفنا أو أنكرنا فهذه هي الحقيقة، وهي بين عنصرين هما هل العنصر العربي أم غير العربي هو الذي يسيطر على دارفور، وهذا صراع تحتي وخفي لكنه موجود، والكل يخطط لأن يكون هو ولا يكون الآخر هو الذي يسيطر على دارفور، وكل طرف يكون له هدف يريد الوصول إليه، وهناك عقبة تحول دون ذلك ويجب أن تزال في نظرهم وهم يستهدفون «التختة» التي تعيق هذا المشروع من الطرفين. ورداً على سؤال آخر حول سر صمت الحكومة الاتحادية المركزية عن الصراع الداخلي الجاري في دارفور على النحو الذي أشار له أعلاه ذكر كبر: في ظني أن رؤية الحكومة الاتحادية المركزية لها فوائدها ولكن لها كذلك مضارها الكبيرة، ولو حسمت القضايا من أول مرة لما أتيحت الفرصة لتفاقم آثارها، فقد صمت المركز عن بعض الممارسات التي كان يفترض أن تتم معالجتها في وقتها بصورة واضحة.