سألني البرلماني رئيس اللجنة الاقتصادية سالم الصافي حجير سؤالاً عاماً عارضاً وهو منزعج من ظاهرة الاحتفال بعيد الام بصورته المشاهدة في الاعلام، حيث خصصت بعض القنوات برمجة خاصة لذلك الفعل، فقال لى سالم :«ما هي المعايير التى بموجبها يقوم الاعلام بتحديد الام المثالية للاحتفال بها؟ ولماذا هذا الابتداع الذي يصنع بعض الضغائن وسط بعض الشرائح بسبب هذه التصنيفات غير الرشيدة؟» فقلت له ليس الاعلام هو الذي يحدد وانما هناك منظمات وناشطون فى المجتمع هم من يحدد ويصنع الحدث، والاعلام يتعامل معه، اما انتم بوصفكم برلمانيين وقادة دولة مطالبون بوضع الكوابح ومساءلة الوزارات والمؤسسات الحكومية اذا احتفلت بهذا الحدث بصورته المبتدعة والدخيلة على المجتمع المسلم الذي بطبعه يكرم الام وفق منطوق وتوجيه الإسلام، حيث ان الله كرمها من فوق سبع سماوات بقوله تعالى: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير».. وذلك طوال حياتها وبعد موتها، ولم يخصص لها تاريخاً معيناً او مكاناً محدداً حتى يحتفل به المسلمون، والام قد أمر الرسول «ص» بتكريمها وتقديرها والبر بها ورعايتها في كل لحظة فى حديث ابو هريرة رضي الله عنه، حيث جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك.. إذن بغير الدين الاسلامي تتحول الحياة الى عبء وأداة عقوبات.. فالأم اكرمها الاسلام وامر بالاحسان اليها فى كل زمان ومكان، إلا أن واقع ما نلحظه ونشهده اليوم من مظاهر لا يمثل تكريماً لها بقدرما هو مظهر للنكد، وفيه سلبيات عديدة اذا نظرنا لما يتم ممن ممارسات وسلوك.. تأملوا ما يحدث في يوم عيد الام واتركوا الحكم لعقولكم وليس لعواطفكم.. ستجدون أن عيد الأم ما هو إلا يوم الحزن العالمي في أكثر بيوت المسلمين، حيث هناك من يبكي في هذا اليوم لأن أمه قد ماتت، وآخر يبكي لأنه مسافر بعيداً عن أمه، وذاك اليتيم يتألم من البكاء وقلبه يعتصر من الألم، لأنه لم ير أمه وهي توفيت اثناء مخاضها بولادته.. وتلك الفتاة وهي ترتب وتتأهب لفرح زواجها في هذا اليوم، لكن تجدها غير مستعدة وجدانياً للسعادة لأن فى أعماق قلبها حزناً دفيناً لغياب والدتها وفقدها حنوها، إذ لم تشهدها معها هذه اللحظة التاريخية والفارقة في حياتها.. فالأم كرمها الإسلام ووضع لها مكانة معتبرة ولها مكانة عظيمة بغير طريقة الغربيين هذه، أما معيار الأم المثالية فى الإسلام فهو تلك المرأة التي حملت وأنجبت وربت وضحت، وتحملت الكثير كي يسعد أبناؤها، وحافظت عليهم وقدمتهم صالحين ينعم بخيرهم المجتمع عامة، وليس تلك الأم التى يقدمها الاعلام العربي أو الغربي وهي تمسك بلفافة سيجارتها أو ماسورة شيشتها، أو تلك المغنية التى تزوجت «مثنى وثلاث ورباع» من الرجال ثم تفرغت لحال غناها ولم تحافظ على النعمة التي أنعم بها الله عليها «نعمة الأمومة»، ولم تعلم ولم تقوِّم لتخرج جيلاً فاضلاً يشع بالإيمان والحب والخير والعطاء الغزير.. فرق كبير ما بين هذه وأم أخرى أنجبت أبناءً في أصقاع السودان البائسة والجافة فى كل شيء ثم سهرت على تربيتهم لحظة بلحظة، وعلمتهم القيم الفاضلة وتفضلت عليهم بالحنان والرعاية والعطاء بلا حدود، وأرشدتهم الى الطريق القويم، وزرعت فيهم بذور الوطنية ليأتي منهم من يحكم البلاد أو يدير الاقتصاد أو يصبح قامة علمية تعتبر إشراقة السودان من بين الأمم.. فإذا قدر أن يخصص يوم لتكريم الأم المثالية فإن هذا النوع من الامهات من يستحق التكريم كامهات مثاليات وأنموذج يجسد صورة الأم التي ينشدها الإسلام، بخلاف تلك الأم المشوهة التي يتخذها الناشطون والمنظمات أنموذجاً وهي أسوأ رسالة، ليقلدها المجتمع المسلم الذي دخلت عليه عادة «عيد الأم» ويخصص لها مأدبة فتجلس على المائدة، وحولها أبناؤها ويحيطوها بالوشاحات والابتسامات التي غالبها مصنوعة. وأن يكون يوم «21» مارس من كل عام يوماً واحداً عيداً للام يتذكرها فيه أبناؤها، فإن ذلك يعني أنها كانت منسية طوال العام، فلم يتذكرها ابناؤها الا فى هذا اليوم، فهذا سلوك دخيل على المجتمع المسلم، وللأسف بعض الوسائط الإعلامية انجرت خلفه وابتدعت أفعالاً مصاحبة لم يسنها الرسول صلى عليه وسلم فى حياته ولم يقرها الاسلام، فذلك تشبه بالكفار، وهو ما حذَّر منه علماء الامة وافتوا بأنه من يحتفل بهذا اليوم أو يشارك في هذه البدعة بأي شكل من الأشكال فهو مبتدع متشبه بالقوم الكافرين. ونختم ونقول إن الأم غالية وشامخة في كل يوم، ولا بد من تكريمها والبر بها في كل لحظة، سواء أكانت على قيد الحياة أم في رحاب الله، وقد جعل الله الجنة تحت أقدام الأمهات، ومن برَّ أمه وتحمل في سبيل تكريمها واحترامها وعرف أنه مهما قدم فلن يوفي حقها، وأنها طالما تحملت من أجله، لكي يحيا ويسعد ويهنأ، فقد أطاع الله ورسوله وأصبح من الفائزين بحب الله ورضائه.. اللهم اجعلنا محبين لأمهاتنا ومحسنين لهن.. كما نسأل الله أن يرحم المتوفيات من أمهات المسلمين.. ومتع الله الأحياء منهن بالصحة والعافية والعمر المديد.