أحمد طه صديق: عندما تبث الإذاعة المارشات العسكرية إيذاناً بحدوث انقلاب، عندئذ تنتشر القوات المسلحة في مدن العاصمة الثلاث وأطرافها لتقوم بعمليات التأمين وحراسة المنشآت الحيوية في انضباط ومسؤولية، حدث هذا حتى إبان استعادة نظام مايو الحكم من القوات التابعة لانقلاب الرائد هاشم العطا، و كانت العمليات ساخنة حتى داخل العاصمة حيث انطلق الرصاص تجاه عدد من المرافق التي اختبأت داخلها القوات الانقلابية، وبالرغم من الغضب البالغ للرئيس نميري، لكن احتفظت القوات المسلحة بالهدوء في تعاملها عند عمليات التأمين التي تمثلت في عمليات التفتيش أو المداهمة، كما حدث هذا أيضاً بعد انقلاب يوليو 1976 وغيرها من الأحداث الملتهبة، كما أن قوات الشرطة ساهمت في عمليات التأمين والحراسة والانتشار ليلاً بعد إعلان حالة الطوارئ عقب الأحداث العديدة التي مرت بها بلادنا. انقلابات وتأمين كانت هناك لجنة أمن العاصمة مسؤوليتها تأمين كل العاصمة، هكذا ابتدر حديثه لنا العميد أمن «م» عبد الجليل ريفا مشيراً إلى أن جهاز الأمن في تلك الفترة أي الفترة المايوية مسؤول عن أمن العاصمة عبر لجنة أمن العاصمة، وقسمت إلى مناطق فكانت هناك مناطق شرق النيل إلى ما وراء مدينة الجيلي وتغطي حتى منطقة نهر النيل حتى السبلوقة والمقرن إضافة إلى تأمين المواعين النهرية وتتلخص مهام جهاز الأمن في جمع المعلومات عبر المصادر المختلفة وعبر أجهزة الاتصال المختلفة، كما أن هناك منطقة شمال الخرطوم ورئاستها في مدينة الخرطوم بحري وهذه المنطقة يرأسها عقيد أو مقدم، وهناك عدة مناطق تأمينة تشمل منطقة جنوبالخرطوم وغرب أم درمان إضافة إلى الوحدات العسكرية المعروفة مثل المدرعات والمظلات وغيرهما والوحدات الشرطية المختلفة، بينما تتكون لجنة أمن العاصمة من القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والاتحاد الأشتراكي. المهددات الأمنية وعن المهددات الأمنية التي كانت تواجه العاصمة في الفترة المايوية يقول الخبير الأمني عبد الجليل ريفا إن جل المهددات كانت تتمثل في الانقلابات العسكرية التي واجهت النظام آنذاك ابتداءً من انقلاب الرائد هاشم العطا في يوليو 1971 وانقلاب المقدم حسن حسين في سبتمر 1975 وانقلاب محمد نور سعد في 2 يوليو 1976 إضافة إلى انقلابات أخرى عديدة غير معروفة للكثيرين مثل انقلاب صاحب الكفن الأخضر حيث قام به عقيد عندما تم القبض كان يحمل كفنه معه، ومحاولة انقلاب أخرى حاول القيام بها رقيب في القوات المسلحة وكان طالباً في السنة الأخيرة بالجامعة، علاوة على مهددات أخرى مثل معسكرات المعارضة المسلحة في ليبيا، وأشار الخبير الأمني ريفا إلى أن هناك كيانا أمنيا عالى المستوى يسمى مجلس الأمن القومي في الفترة المايوية، وهو الذي يخرج القرارات الأمنية سواء أكانت ذات طابع مرحلي أو إستراتيجي. قفلت العاصمة بنفسي ربما الكثيرون يعرفون اللواء «م» نايل إيدام عضو مجلس الثورة السابق الذي تقلد مناصب وزارية في فترة الإنقاذ لكن لا يعرفون أدوراه العسكرية الأخرى. فإيدام كان من ضمن المشاركين في تأمين عملية بوما 1982 التي حررت الرهائن الأجانب المأسورين في جبل بوما بجنوب السودان، تلك العملية التي أشرف عليها وقادها اللواء صديق البنا، لكن اللواء إيدام حدثنا عن دور جديد له إبان انحياز القوات المسلحة لثورة الجماهير في السادس من أبريل عام 1985، حيث قال كلفت بعملية قفل العاصمة وتأمينها بعد استيلاء القوات المسلحة على السلطة، ويستطرد إيدام قائلاً: إن تأمين العاصمة عبر القوات المسلحة يتم عبر وحداتها المختلفة مثل حامية بحري والشجرة والمهندسين والمظلات وسلاح الإشارة، وقال بعد انقلاب مايو زاد عدد أفراد القوات المسلحة وزادت بالمقابل المهام التأمينية، ويضيف أنه بجانب القوات المسلحة كانت قوات الشرطة والأمن تقوم أيضاً بأدوارها التأمينية المعروفة، حيث أن الشرطة تقوم بحراسة المظاهرات عند وقوعها وعمليات الأمن الداخلي، بينما تقوم القوات المسلحة بعمليات التأمين والحراسة للمرافق الإستراتيجية، أما جهاز الأمن فمهمته جمع المعلومات. المرحلة الثالثة متي تقوم القوات المسلحة بعملية التأمين الداخلي في المدن؟ سؤال أجاب عنه عبر هذا التقرير الفريق محمد بشير سليمان الناطق الرسمي السابق للقوات المسلحة قائلاً: عادة عندما تفشل الأجهزة التأمينية الأخرى تدخل القوات المسلحة عبر مراحل محددة، فهناك المرحلة «1- 2» ثم في المرحلة الثالثة تدخل عمليات التأمين الداخلي القوات المسلحة حيث تتولى المسؤولية بشكل مباشر وتقوم بعملية حراسة وتأمين المرافق الحيوية التي تؤثر على حياة الناس ومعاشهم، وكذلك تتدخل القوات المسلحة عند حدوث تهديد مباشر للعاصمة أو أي تهديد للأمن القومي حتى تنفتح بقواتها لصد أي عدوان محتمل. دور الشرطة عادة تتدخل الشرطة لفرض الأمن عند حدوث أي مهدد مهما كانت درجته، حيث أن مهمتها حماية الأمن الداخلي المتمثلة في الأرواح والممتلكات، ولهذا فهي تتصدى للشغب والمظاهرات غير القانونية بحسب رؤية الجهاز التنفيذي، والطريف أن بعض المتظاهرين في ثورة أبريل كانوا يحرضون الشرطة بالتزام الحياد عندما يذّكرون أفرادها بوضعها المادي في تلك الفترة، وبالرغم من أن هذه المهمة من صميم عمل الشرطة لكن كان جهاز الأمن المايوي يتدخل في تلك التظاهرات، وإن كان بشكل محدود لإجراء عمليات اعتقال نوعية لبعض العناصر المؤثرة في قيادة تلك المواكب الاحتجاجية. وعرفت قوات فض الشغب والتظاهرات بشرطة الطوارئ آنذاك أو الاحتياطي المركزي في هذه الحقبة، ويعود تاريخ إنشائها بحسب تقرير نشره الملتقى العربي للدفاع والتسليح إلى العام عام 1970م عندما أنشأت مديرية الخرطوم قوة للدفاع المدني بقوة قوامها فصيلة واحدة تم تدريبها بألمانيا الاتحادية لتكون قوات احتياطية لقوات الشرطة بولاية الخرطوم والولايات الأخرى خاصة في أعمال الشغب والمظاهرات لتتفرغ الشرطة لأداء دورها المنعي والكشفي للجرائم. وتم إنشاء شرطة الاحتياطي المركزي بموجب القرار الجمهوري رقم «475» الصادر من رئيس الجمهورية وحدد أسس تكوينها وتنظيمها واختصاصاتها ثم انتقلت القيادة لمبانيها الجديدة بفتيح العقليين عام 1974م. مهام وواجبات قوات الاحتياطي المركزي 1- حفظ الأمن والنظام في المناسبات والاحتفالات القومية. 2- التصدي لأعمال فض الشغب والمظاهرات. 3- فض الاشتباكات والنزاعات القبلية. 4- تقديم العون والمساعدة للمواطنين في حالة الكوارث الطبيعية. 5- أي مهام أخرى يتم تكليفها بها. بعد ظهور المستجدات الأمنية المتطورة آنذاك أصدر مدير عام قوات الشرطة فى 1/7/1986م منشوراً إضافياً عدد فيه الواجبات والمهام لقوات الاحتياطي المركزي وهي: 1- حماية مشروعات التنمية والمشروعات القومية. 2- مكافحة النهب المسلح. 3- المشاركة في التصدي للتمرد وحماية المدن المحررة. 4- حماية وتأمين المشروعات الاقتصادية. 5- دعم شرطة ولاية الخرطوم والولايات الأخرى في حالة الانفلات الأمني. جاء عام 1992م بمولد اسم جديد لشرطة الاحتياطي المركزي بموجب القرار رقم «61» الصادر من رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني إلى شرطة الاحتياطي المركزي وحدد القرار المهام والواجبات التالية: 1- تقديم الدعم والمساندة لشرطة الولاية للسيطرة على انفلات الأمن الداخلي. 2- المسؤولية الفنية عن وحدات النجدة والعمليات بالولايات. 3- وضع موجهات وإعداد خطط ومشروعات عمليات الشرطة في مجال الأمن الداخلي بأعداد المراشد اللازمة. 4- المشاركة وتقديم المساندة للقوات المسلحة في مناطق العمليات والإشراف على وحدات الشرطة المستنفرة بمناطق العمليات. 5- تكوين قوات خاصة ذات كفاءة عالية للتدخل في عمليات الأمن الداخلي الاتحادية. 6- وضع وتنفيذ برامج ومناهج التدريب المتقدم والتخصص وأسلحة البيادة والتربية وإعداد المراشد اللازمة. 7- إعداد مرشد يوضح تشكيل القوات وقيادتها وتسليحها ومخصصاتها. 8- إعداد الدراسة اللازمة عند ظواهر الانفلات الأمني وتوضيح طرق السيطرة عليها. 9- رفع مقترحات التسليح ومعدات فض الشغب بما يضمن التحديث والتطوير والمواكبة. 10- عقد المؤتمرات والسمنارات وورش العمل بصورة راتبة أو غير راتبة لتطوير وترقية الأداء. عمليات نوعية للقوات المسلحة وامتد الدور التأميني والدفاعي والهجومي عند الضرورة للقوات المسلحة إلى عمليات تأمينة خارج الوطن شملت عمليات دولية تصب في مساعي حفظ السلام والاستقرار كما في الكونغو البلجيكي عام 1960 وفي تشاد عام 1979 وفي ناميبيا في 1989 م، وفي لبنان ضمن قوات الردع العربية لحفظ السلام تحت لواء جامعة الدول العربية حيث شملت حماية منشآت ومدن، واتسم أداء القوات المسلحة فيها بالانضباط والجرأة. دور جهاز الأمن أما في عهد الإنقاذ فربما أدى الاهتمام السلطوي بتقديم الدعم والحرص على الحصول على المعلومات في ظل التهديدات التي واجهت نظام الحكم، هو الذي أدى أن يلعب جهاز الأمن أدواراً أخرى غير معهودة في العهود السابقة. أخيراً نخلص أن عمليات تأمين المدن قامت بها القوات المسلحة عند الضرورة والشرطة بحكم واجبها في حماية الأمن الداخلي وجهاز الأمن فيما يتعلق بتوفير المعلومات وتمليكها للجهات المختصة المتعلقة بعمليات التأمين إضافة إلى الجهاز التنفيذي، ولا شك أن الحفاظ على هذه الأدوار المتبعة في كل دول العالم من شأنه أن يحقق الاستقرار وإنجاح العمليات التأمينية دون انفلات أو تقاطعات تضر بالأمن.