كثير من السياسيين وقليل من الاقتصاديين يتحدثون هذه الأيام وهم سعداء بأن «المصفوفات» «تاعة السلام» مع «دولة تاع جنوب تاع سودان» سوف تعود بالخير العميم وسوف يحدث الانبساط ويعيش الناس في بحبوحة من العيش ويقضون أيامهم القادمة في التبات والنبات ويخلفون «كمان» صبيان وبنات.. ويقولون إنه سوف يحدث التبادل التجاري «Exchange».. وإن هذا «التبادل» سوف يعود على السودان باثنين مليار دولار عداً نقداً والدولار يحك الدولار «بول جمل» كما يقول سماسرة بيع العملة في شارع الجمهورية. ومن الضروري أن يعرف الجميع أنه لا يوجد أي نوع من التبادل التجاري وإنما هناك بضائع سوف تجد طريقها لاتجاه واحد من السودان إلى دولة الجنوب.. ذلك لأن التبادل أصلاً يتم بين طرفين لديهما فائض في كليهما من سلعة ينتجها أحدهما ويحتاج إليها الطرف الآخر.. مثلاً نحتاج إلى «الحلل» و«العدة» والأواني والفوالات والشباشب والملبوسات وبعض المستهلكات المنزلية أو الغذائية من جمهورية مصر العربية.. ونقوم في مقابل ذلك ببيعهم ما لدينا من منتجات مثل الماشية واللحوم والكركدي وحب البطيخ والتسالي و«اللّب» وهلم جراً.. وأهلنا في إثيوبيا وإريتريا نتبادل معهم البن والعدس ونعطيهم ما عندنا من السكر والبصل والفول المصري ومنتجات أخرى.. ثم نفعل مع تشاد الجارة الغربية مثلما نفعل مع دول الجوار الأخرى نعطيها الطحنية والبلح والعجوة والأثواب والشباشب «العروسة» والسكر ونأتي منهم بكل منتجات بلادهم وفوائضهم من الروائح الباريسية والمنتجات الفرنسية. وهذا أيها السادة هو «التبادل التجاري» الذي ينبني على «تبادل» السلع «وتبادل» المنافع و«تبادل الخدمات».. ولكن المسألة مع دولة السودان الجنوبي تختلف تماماً «فهؤلاء الناس يحتاجون لنا في أكثر من مائة وسبعين سلعة.. وكلها سلع غذائية نقوم بإنتاجها تحت ضغوط شُح العملات الأجنبية والحصار الخارجي في التعامل المصرفي والشُّح في قطع الغيار ومعدات الإنتاج والترحيل والري.. وهؤلاء الناس بلادهم السودان الجنوبي «ناشفة» «كياية» عارفين كياية يعني شنو؟!! من أي حاجة تؤكل أو تُشرب أو حتى تُلبس.. والدولة الجديدة ليس فيها غير مصنع للبيرة وتحتاج إلى الذرة والدقيق والعدس والبصل والسكر والشاي والبن والزيت والملح والويكة والطحنية والجبنة والكبريت والصابون والمعجون والأرز والشعيرية والفول وموية الفول وموية الجبنة و الطعمية والزبادي والعسل والشطة والشمار والكسبرة والتوم ويحتاجون إلى الجزم والشباشب والفساتين والجلاليب والنظارات وحتى الأسمنت والرملة وكل شيء وكل حاجة وهلم جرّاً إلى أن تصل إلى مائة وسبعين سلعة بالتمام والكمال.. وهذه السلع كلها يا جماعة كنا زمان نأخذها على رؤوسنا ويذهب بها «ناسنا» بالبواخر من الجلابة أو على حساب الحكومة ويقسمونها مجاناً أو بنصف السعر على البعض ودون مقابل في معظم الأحيان تحت بند «جعل الوحدة جاذبة».. ومع كل ذلك فلم تكن «الوهدة جاسبة» لكل الجنوبيين حتى من كانوا معنا في الخرطوم والذين صوتوا للانفصال بمعدل «99%».. طيب يا جماعة نحن في جمهورية السودان والحمد لله لا نحتاج إلى أي شيء من هؤلاء الناس ونتقاسم مع جيراننا شرقاً وغرباً ما أفاء الله به علينا.. ومن ناحية أخرى فإن دولة الجنوب ليس فيها أصلاً شيء يمكن أن نتبادله معها .. صحيح ربما يكون لديهم شيء من الخرز وريش النعام ولكن ثقافة ربط الأوساط بالخرز ليست من ثقافتنا المحلية.. وتعليق ريشة نعام أو ريشة ديك أحمر على الرأس ليست إحدى طقوسنا في العادة أو العبادة وفيما عدا ذلك فربما يقول البعض إن هناك عصي أبنوس أو فنادك للزينة ولكن أصدقاءنا في الصين قد زوَّدونا بعصي حديد لديها مسامير تحركها «فوق وتحت» فتجعلها قصيرة أو طويلة حسب الطلب وألوانها متعددة مثل الأبيض والبني وحتى اللون الأسود مثل لون الأبنوس.. ولهذا فلا حاجة لنا في شوية العصي بتاعة الجنوب والخلاصة أننا لن نتبادل السلع والبضائع مع دولة الجنوب بل سوف نشحن لهم وننقل لهم ونرحل لهم ونشوِّن لهم ونملأ مخازنهم ونزيد معروضاتهم بالمائة وسبعين سلعة التي ذكرناها والتي كادت أن تنعدم عندهم حتى صارت البصلة الواحدة بثمانية آلاف جنيه وبعضهم يربط البصلة بخيط طويل ويتركها في الحلة ثم ينقلها بخيطها إلى حلة أخرى. طيب يا جماعة يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها فنحن لن نتبادل السلع مع الجنوبيين وإنما سوف نشحن لهم ما عندنا وبالتالي يجب أن نسحب كلمة «التبادل» من قاموسنا الثقافي.. ومن المؤكد أن تقاسم هذه السلع مع الجنوبيين سوف يؤدي إلى ندرتها وقلتها وربما انعدامها ودخولها السوق الأسود في بلادنا لأنها سوف تنتقل إلى دولة الجنوب.. وهذا الأمر يؤدي إلى قلة المعروض مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.. وإذا كانت البصلة في الجنوب الآن بثمانية جنيهات فإنها سوف تنخفض عندهم إلى جنيهين بينما ترتفع عندنا إلى ثلاثة.. وما نقوله حول سلعة البصل ينطبق على السكر والملح والزيت والدقيق والذرة.. وهلم جرّاً.. ولكل هذا نقول إنه علينا قبل أن «نفور» و«نندلق» ونفتح العشرة معابر الرسمية المتفق عليها أو المائتي معبر «الكيري» للتجارة فلا بد من عمل «وزنة» لتوفر السلع المحلية والفائض منها ودراسة لتقدير الكميات المصدرة.. والأهم من كل ذلك تصدير البضائع بالطرق الرسمية والاعتمادات المستندية والدفع المقدم عن طريق البنوك لأنه لا توجد أي ثقافة تجارية عند الجنوبيين ولا يعرفون غير أن أموال تاع جلابة تاع مندكورو ياهو قروش تاع انتكم تاع حركة تاع شعبية.. وسودان جديد وييييي.... وجوبا وييييي وباي باي للعروبة وباي باي لوسخ الخرطوم وباي باي للإسلام!! وهذا نص حرفي لما قاله باقان أموم وهو يعلن نتيجة الاستفتاء.. صحيفة الإنتباهة