في البدء والمبدأ لا بد أن نهني صاحب القناة الفضائية الجديدة الشاب د. محمد عبد الله شريف، والتهنئة تأتي بلا شروط أو حدود أو توقعات، فقط لأن هناك وسيلة عمل إعلامي تم إنجازها مثلها ومثل مجلة أو دورية أو كتاب وبغض النظر عن محتوى تلك الأعمال. وقناة فضائية عمل صعب ومكلف ولا يخلو من المخاطر المادية والمعنوية. لغاية هنا كل شيء تمام. أي أن هناك قناة فضائية عندها صاحبها المعروف الذي أنشأها ووضع لها برنامج العمل الإستراتيجي وموجهات المرحلة الحالية وأي برنامج قابل للمراجعة والتعديل والتطوير الآن أو في المستقبل وهو شأن صاحب القناة أو من معه من المالكين رسمياً للشركة الإعلامية الجديدة. كما أن لصاحب القناة الحق في أن ينادي الناس للعمل معه أو يعين مجلس أمناء ومجلس إستشاري كما من حقه طلب العون المادي والمعنوي لمن رغب وأنا أفعل. لغاية هنا أنا شخصياً كلي سعادة ورضي والسبب أنني أثمن جداً أي إضافة إعلامية مختلفة عن السائد وبغض النظر عن توجه القناة السياسي والآيديولوجي (يمين/وسط/يسار) لا يهمني مادام العمل الإعلامي إحترافي يصبح مفيد وحتى لو مخالف لرأي الفرد الذاتي. فكثير منا يشاهد قناة الجزيرة كما نشاهد تلفزيونان الكيزان والقنوات الخليجية مثل "وناسة والكويتية" جنباً إلى جنب مع السي إن إن والبي بي سي وقناة الميادين بتاعة حزب الله اللباني. ولا نطلب منهم أن يقدموا لنا كشرط للمشاهدة المواد التي تروقنا ولم نسأل عن توجه أصحاب تلك القنوات السياسي ولا خطتهم الإعلامية ولم نطالبهم بكشف أهدافهم الخفية. كل هذا شيء طبيعي. بذات القدر أنا أنظر للمبادرة الجديدة من حيث المبدأ. أي أن هناك شخص/أشخاص يرغبون في إطلاق قناة فضائية عبر الأثير وهذا حقهم وهو عمل كويس. أنتهى!. ولكن هناك محاذير جدية نشأت في ذهني بعد الإحتفاء الهستيري وغير الموضوعي الذي رأيته من البعض وتجلى في تصوير القناة كناطقة بلسان حال المعارضة "المجردة" بل الشعب السوداني وتم نشر إسماء لمجلس أمناء من بعض الأسماء اللامعة في المجال العام ومجلس آخر قيل أنه إستشاري (ما الفرق بين مجلس الأمناء والمجلس الإستشاري!) وورد في الإعلان عن تأسيس القناة (مدتني به على وحي المناسبة الفنانة المعروفة تماضر شيخ الدين "مشكورة" وهي عضو المجلس الاستشاري) أقول ورد في الإعلان الكثير من العبارات التي تشيء بأن في إنشاء هذه القناة خلاص للشعب السوداني من الظلم والضيم والديكتاتورية وإظهار للحق ضد الباطل وأن القناة ستعبر عن الإنسان السوداني "رجال ونساء شيب وشباب" وفي كل مكان وزمان!. هذا وهناك الكثير لكن لنكتفي بهذا القدر. طبعاً هذا تحميل ما لا يحتمل وبل ضد القناة نفسها كأداة إعلامية وفي ظل منافسة وتدافع حاميين في الفضاء الإعلامي إذ أن المبادي المعلنة على لسان البعض لهذه القناة غير إحترافية وضد حرية الفكر والضمير والتعبير من وجهة نظري. إن كان البعض يود أن يقول بأن القناة موجهة ضد النظام والأفكار السياسية والإيدولوجية التي تسنده فإن أفكار جماعة النظام لا تختلف كثير عن مفاهيم جماعات سياسية كبيرة في المعارضة (الأمة/الإنصار والإتحادي/الختمية مثال) والطيف السياسي كله منقسم على نفسه من الناحية الفكرية والآيديولوجية وكثير من الشباب ضد الأحزاب (وضح أيام العصيان المدني وبهذا التعميم) والقوة التقليدية ضد الحديثة والأغنياء ضد الفقراء وهناك دعاوي عظيمة تقول بمركز وهامش ضد بعضهما البعض وهناك صديقنا أستاذ أبكر آدم إسماعيل صاحب نظرية المركز والهامش في مجلس الأمناء ورئيس مجلس الأمناء المعلن هو د. محمد جلال هاشم بدوره نظرية هامش أفريقي/كوشي ومركز عربي/إسلامي متناحران. عن أي معارضة من المعارضات ستعبر القناة؟. وصاحب القناة فيزيائيا من الوسط النيلي (هذا على ذكر هامش ومركز) فأنا لست من المغرمين بنظريات الهامش والمركز ولا أرى في الهوية حلا ولا مشكلة!. فقط أحاول أن أقول بأن الشقاق الفكري والسياسي والتنظيمي كما المجتمعي من التنوع بمكان لا تستطيع معه أن تدعي من كنت بإستيعابه "تمثيله" وهو أمر مستحيل وغير مطلوب لأن الإستيعاب في حد ذاته آيديولوجيا تتضمر الإقصاء والإقصاء المضاد. ملاحظة إستباقية: لا أعترض طبعاً على الأسماء التي ذكرت بل هم رجال ونساء عظام أكن لهم الإحترام والتقدير فقط وددت أن أشيء بواقع الشقاق الفكري والسياسي. أنت من المفترض فقط تقدم مادة محددة للمشاهد المفترض وحبذا أن تكون جادة وممتعة ومسلية وتلمس هموم الناس لكن دون أن تقول أو تتدعي أنك تمثل الأطياف المعارضة، هذا مستحيل ومرة ثانية غير مطلوب بل غلط!. كما أن التضخيم الذي نجريه على مثل هذا العمل أتوقع أن يكون مضللاً وأشبه بالتخدير الذاتي، وقد يجر على القناة نفسها ومالكيها وإدارتها الكثير من المشاكل غير المحتملة ومن ضمنه "ترحيل الشقاق السياسي إلى واقع العمل الإعلامي". فإذا كانت عدة جماعات من المعارضة التنظيمية وأفراد من المعارضة المجردة إجتمعو لمدة عامين كاملين لإنشاء ذات القناة الفضائية وفشلو في التوصل لأي شي وبل تورطوا في حزازات وشتائم فيما بينهم (أنا على علم بذلك) فهم سيكونون أفشل في إدارة قناة فشلو في تأسيسها وجاءتهم ساقطة من السماء إذ أسسها في الختام فرد واحد فقط ووفق خطته وجهده الذاتيين وربما عاونه أفراد أخرون، لا أدري!. وهو أمر ممتاز أن يهتم رجال الأعمال بالمجال الإعلامي ويلجو مجاله الباهر الوعر. لكن أنا ضد تصوير الأمر كأنتصار لشعب محزون كان يجب أن يكون عنده ثلاثمئة قناة بدل واحدة!. قناة فضائية حلوة وخلاص، ولندعمها بصمت وبلا ضوضاء أو تضخيم حتى تقف على رجليها وكل من موقعه وحسب مصلحته ووجهة نظره الشخصية والذاتية في حل عن التدافع العام والأحلام الفانطازية!. وفي الختام هناك قناة سودانية جديدة.. مرحبا. . ان تكن كما تكون فهي إضافة صغيرة جيدة في المحيط المحلي والعالمي .. لكن مرة ثانية تصوير الأمر كنصر كبير وإنجاز عظيم للشعب السوداني شيء غير سليم ويدل على الصغر والهوان الذاتيين!. وأنا أفهم أن صاحب القناة هو الذي يحدد خطها وخطتها وإن المجالس الملحقة "المسيسة وغير المسيسة" مجرد مشهيات إعلانية ولو تم تبني بعض خططها في البدايات فالأشياء بخواتيمها!.. لنكن بهذا الوضوح!. والتهنئة مجددة لصاحب القناة والقائمين بأمرها، وأتمنى لهم التوفيق والنجاح ولا يهمني من كانو ولا أبحث عن توجهاتهم الفكرية والإيديولوجية مادمنا بصدد عمل إعلامي إحترافي. محمد جمال الدين [email protected]