نور الدين صادف يوم الثالث، من شهر مايو لهذا العام، الذكرى الثمانية والعشرون، للإحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، والذي يعود التاريخ الأول للإحتفاء بها، إلى مؤتمر عقدته منظمة اليونيسكو، في مدينة ويندهوك الناميبية، في الثالث من مايو للعام 1991م، بهدف تطوير الصحافة، وتركها تمارس دورها في حريةٍ وتعددّية، لتعلن بعدها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الثالث من ديسمبر للعام 1993م، يومًا عالميًا لحرية الصحافة. ومنذ ذاك التارخ صار العالم في جميع أنحائه، يحتفل بها سنويًا، حيث يتم خلالها تذكير الحكومات، بضرورة إحترام إلتزاماتها تجاه هذه الحرية، والإحتفاء بمبادئها الأساسية، وأشارت الأممالمتحدة في خطابها بهذه المناسبة، إلى جملة من التحديات الإقتصادية، التي واجهت الصحافة، في ظل جائحة (كورونا)، وكشفت عن المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون، من مخاطر شخصية كثيرة، تشمل: فرض قيود جديدة، والرقابة عليها، وسوء المعاملة، والمضايقة، والإحتجاز، وحتى الموت، لمجرد قيامهم بعملهم. وما زال الوضع يزداد سُوءًا، وقد ألحقت الآثار الإقتصادية للجائحة ضررًا بالغًا، بالعديد من وسائل الإعلام، مما يهدد بقائها، وتقلصت مع تقلص الميزانيات، إمكانية الوصول إلى المعلومات الموثوقة، وأخذت الشائعات والأكاذيب والآراء المتطرفة أو المثيرة للإنقسام، تتصاعد لسد الفجوة، وتهدف خطة الأممالمتحدة، المتعلقة بسلامة الصحفيين، إلى تهيئة بيئة آمنة للعاملين في وسائل الإعلام، في جميع أنحاء العالم، لأنّ المعلومات منفعة عامة. وبحسب تقرير: مراسلون بلا حدود، عن حرية الصحافة في العام الماضي، يشير إلى أنّ أفضل وضع لحرية الصحافة في العالم العربي، في تونس، التي إحتلت المرتبة ال (73) عالميًا رغم تراجعها درجة، وتقول المنظمة: تُعد حرية الصحافة والإعلام أهم إنجاز لثورة الياسمين في تونس، لكن منذ إنتخابات العام 2019م، أصبحت هذه الحرية رهانًا سياسيًا أكثر من أي وقتٍ مضى، حيث لم يعد البرلمانيون، والسياسيون اليمينيون، يتردّدون في مهاجمة الفاعلين الإعلاميين علانية. وتلي تونس في التصنيف الكويت، وبعدها لبنان التي تراجعت خمس درجات إلى المرتبة (107) عالميًا، وجاء في تقرير مراسلون بلا حدود، عن هذا التراجع، أنه ورغم وجود حرية حقيقية في التعبير في وسائل الإعلام اللبنانية، إلا أنّها تظل مسيّسة للغاية، ومستقطبة إلى حد بعيد، إذ تعتبر الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية، أدوات دعاية لبعض الأحزاب السياسية، أو رجال الأعمال. أما تصنيف باقي الدول العربية، فتأتي وعلى التوالي: قطر في المرتبة (128)، والأردن (129)، بينما الإمارات في المرتبة (131)، وفلسطين (132)، وعمان (133)، فيما جاءت المغرب في المرتبة (136)، والجزائر (146)، أما السودان فجاء في المرتبة (159)، والصومال (161)، والعراق (163)، وليبيا (165)، ومصر (166)، والبحرين (168)، وتذيلت اليمن القائمة في المرتبة (169)، وذلك بسبب تحقيقات تتعلق بموضوعات مثل: الفساد، أو الجريمة المنظمة، أو التدهور البيئي. وفي تقريرها السنوي عن حرية الصحافة، أفادت منظمة مراسلون بلا حدود، بأن (50) صحفيًا لقوا حتفهم في العام 2020م، والغالبية العظمى منهم قتلوا عفويًا، وإنخفضت نسبة الصحفيين، الذين قضوا في مناطق نزاعات، من (58%) في العام 2016م، إلى (32%) في العام 2020م، في بلدان مثل: سوريا واليمن، أو في مناطق تشهد نزاعات منخفضة أو متوسطة الحدّة، مثل: أفغانستان، والعراق، وكانت المكسيك هي الدولة التي قتل فيها أكبر عدد من الصحفيين (8)، تليها أفغانستان (ه)، و(8) مناصفةً في كل من الهند، وباكستان، أما الفلبّين، وهندوراس نالت كل واحدة منها (3). ومن بين إجمالي عدد الصحفيين الذين قتلوا في العام 2020م، تم إستهداف (84%) منهم عمدًا، مقارنة ب (63%) في 2019م، وأكدت المنظمة أن عددًا منهم قضى نحبه في ظروف وحشية، حيث تم إحراق الصحفي، راكيش سينغ، في الهند، بعدما رشّت عليه مادة كحولية سريعة الإشتعال، فيما قُتل الصحفي إسرافيل موزيس، مراسل محطة تلفزيونية في تاميل نادو، إحدى الولاياتالهندية، بالسواطير، وفي إيران حكمت السلطات بالإعدام، ونفذت الحكم في حق، روح الله زم، الذي كان يدير قناة على تطبيق تلغرام تحمل إسم "أمد نيوز". وقتل قرابة ال(20) صحفيًا إستقصائيًا في ذات العام، (10) منهم كانوا يحققون في قضايا فساد محلية، وإختلاس أموال عامة، و(4) يحققون في قضايا متعلقة بالمافيا والجريمة المنظمة، و(3) كانوا يعملون على مواضيع مرتبطة بمسائل بيئية، وأوردت المنظمة أيضًا مقتل (7) صحفيين كانوا يقومون بتغطية تظاهرات، في العراق، ونيجيريا، وكولومبيا. وهو واقع جديد، حسبما قالت مراسلون بلا حدود، التي أشارت إلى صورة الصحفي المكسيكي، خوليو فالديفيا رودريغيس، من صحيفة "إل موندو دي فيراكروز"، الذي عُثر على جثته مقطوعة الرأس، في شرق البلاد، وزميله فيكتور فرناندو ألفاريز تشافيز، مدير تحرير موقع إخباري محلي، عُثر على جثته مُقطّعة، في مدينة أكابولكو المكسيكية. ويلاحظ أن وضع السودان في ظل تلاطم أمواج الحريات الصحفية وفق: مراسلون بلاحدود، جاء متأخرًا رغم الحريات الواسعة التي تتمتع بها الصحافة، حيث إنتفت كل أساليب التضييق التي كان يمارسها النظام البائد، المتمثلة في: الرقابة، والمصادرات للصحف، وإعتقال الصحفيين وإستدعائهم لمكاتب الأمن، بجانب إيقاف الصحف، وإلغاء تصريح صدور بعضها، وهو ما أكده رئيس الوزراء السوداني، د. عبد الله حمدوك، بقوله: إن أهل الصحافة، والإعلام، عانوا من القتل خارج القانون، والإعتقال، والمنع، والمصادرات، والملاحقات، دون أي مسوغ قانوني. وذكر حمدوك، في كلمته بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن تلك الممارسات كانت فقط بسبب الإختلاف في الآراء، والعجز عن إدراك معنى وأهمية الرأي الآخر، ودوره في عملية النقد والتقويم، وتصحيح المسار حتى لو جاء هذا النقد قاسيًا، وأضاف: اليوم وبفضل الثورة المجيدة، وتضحيات الشهداء الكرام، وبذل النساء والشباب، وصمود الشعب السوداني، ومنهم أهل المهنة، عادت للكلمة روحها وحرية الرأي والتعبير مكانته، وجزم حمدوك بأن في سودان الثورة، لا مجال لعودة المصادرات، والإيقاف، ولا سبيل للإعتقال التعسفي، أو ملاحقة الصحفيين، والإعلاميين، والمدونين، بدون سند قانوني، ونبّه إلى أن صحافة حرّة في سودان الحرية، هو الشعار الذي نسعى لبلوغه بكل ما أوتينا من عزم، لأن الصحافة الحرة هي أحد أعمدة الديمقراطية المنشودة. ويرى حمدوك أنه ورغم التحديات التي تجابه صناعة الصحافة والإعلام، وتؤثر على تطورها، إلا أن الإرث الذي وضعه المؤسسون لهذه المهنة، أنهم سيدفعون بقوة للمساهمة، ويضعون كتفًا بكتف، لتجاوز كل العقبات والتحديات، للوصول إلى موقع متقدم في مجال حرية الصحافة، والكتابة، والنشر، والتعبير، فهذا عهد التغيير، وعهد الفضاءات الحرة، لكل نفس حرة، كي تُعبِّر عن ما تريد، وتظل المسؤولية، وإلتزام المصداقية، وإحترام آراء الآخرين، وتجويد الأداء، هي المعايير التي تحكم العمل الصحفي بكل ضروبه.