وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا لينيا الإسبانية على حافة الإفلاس سكانها لجأوا إلى جبل طارق بحثاً عن حياة أفضل
نشر في الراكوبة يوم 05 - 07 - 2012

تتخبط كثير من المناطق في إسبانيا في المشاكل نتيجة أزمة اليورو، لكن قليلة هي التي عانت معاناة لا لينيا، بلدة إسبانية مجاورة لمنطقة ما وراء البحار البريطانية في جبل طارق المزدهرة. وبينما تقف المدينة على حافة الإفلاس، توجه الكثير من السكان إلى أعمال التهريب لكسب المال. والتر ماير من «شبيغل» زار لا لينيا وجاء بالتالي.
يغادر سكان لا لينيا دي لا كونسبسيون المدينة مثل الفئران الهاربة من سفينة تغرق. لقد كانوا يعبرون الحدود بالآلاف منذ الصباح الباكر، عاملات التنظيف والمربيات وعمال البناء أولاً، يليهم المهربون. يريدون مغادرة إسبانيا، حتى لو لبضع ساعات، فالعمل متوافر قبالة الحدود في منطقة ما وراء البحار البريطانية في جبل طارق، والعمل يعطي الأمل في حياة أفضل.
قرابة الساعة الحادية عشرة صباحًا في ذلك اليوم الصيفي الحار، كانت زحمة السير على الجانب الإسباني تمتد من الحدود، عبر الطريق الساحلي وبالعودة الى مبنى البلدية، حيث تتولى رئيسة البلدية جيما أروجو زمام الأمور في مكتبها في الطابق الثاني، الذي يطل على قافلة الركاب. بلغت أروجو الثالثة والثلاثين من العمر، تنتمي إلى الحزب الاشتراكي، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب. ليست هذه بالوظيفة الأكثر مكافأة في إسبانيا. تقول أروجو، «أزمة كارثية» بلغت لا لينيا، والوضع أكثر خطورة من أي وقت مضى. «مدينتنا ليست مفلسة، لكنها مشرفة على الإفلاس».
لم تتمكن المدينة من دفع ثمانية رواتب شهرية من أصل تسعة لموظفيها في الأشهر الماضية. في هذا الصباح، وجدت رئيسة البلدية لافتة مقابل باب مكتبها تطالب بشكل لا لبس فيه: «الدفع أم الاستقالة». فضلاً عن ذلك، تم رشق منزلها بالبيض ومحاصرته من المتظاهرين، وأضرموا النار في سيارة سكريتيرها.
مدينة ينعدم فيها القانون
ظهرت مدينة لا لينيا في العناوين الرئيسة في عهد أسلاف أروجو الاشتراكية في الثمانينيات والتسعينيات، عندما أطلق عليها أسم «سيوداد سين لاي» أو المدينة التي ينعدم فيها القانون. في ذلك الوقت، كان تجار المخدرات والمهربون والمجرمون الآخرون يكسبون رزقهم يعيشون في البلدة الأندلسية الحدودية. وجاء المحافظون الى السلطة في عام 1995، بمن فيهم أعضاء المجموعة الشعوبية الليبرالية المستقلة ولكن معظم السياسيين ينتمون إلى حزب الشعب (يمين الوسط). فعاد الهدوء الى المدينة لفترة من الزمن.
لكن الحسابات غير المسددة من تلك الأيام تحولت مع الوقت إلى مشكلة، بحسب أروجو. قد تضاعف عدد العاملين في إدارة المدينة خلال حكم المحافظين وتم توظيف عشرات من ضباط الشرطة و24 محامياً وثمانية من علماء النفس، فضلاً عن الاستشاريين ذوي الأتعاب العالية والأصدقاء الأوفياء. وفقًا لبعض السجلات، كان بعض العاملين في المدينة يتقاضى 112.000 دولار سنويًا في وظيفة ثانية. وفي غضون 15 عامًا، زادت ديون المدينة أكثر من مئة ضعف.
نُهبت المدينة في وضح النهار، وما من أحد على استعداد لتحمل المسؤولية.
تقول رئيسة البلدية إنه قبل فترة وجيزة من توليها السلطة في مطلع صيف عام 2011 «أحرقت شاحنة مليئة بالوثائق، «لقد صورناها». بالإضافة إلى ذلك، تعدد قائمة الديون التي تراكمت في ذلك الوقت، باستمتاع نوعًا ما، بالنظر إلى أن حزبها كان في الجهة المعارضة آنذاك. فكانت المدينة تدين بمبلغ «151 مليون دولار لشركات القطاع الخاص، و56 مليون دولار كغرامات غير مدفوعة و49 مليون دولار لنظام الضمان الاجتماعي لمساهمات الموظفين غير المدفوعة». تقول أروجو، هذه الديون الأخيرة هي السبب في رفض الحكومة الوطنية الآن دفع مبلغ استرداد ضرائب مدفوعة بالزيادة السنوية الذي يبلغ 18 مليون دولار، في حين أن الادارة في مدينة لا لينيا لم تعد قادرة على دفع رواتب الموظفين. يُشار إلى أن لا لينيا مدينة تتألف من 65000 نسمة، ونصيب الفرد من الدين فيها يقارب 3777 دولاراً، وهي أعلى نسبة في إسبانيا، بعد مدريد.
تبلغ البطالة في لا لينيا حوالى 40 في المئة. وعلى سبيل المقارنة، الرقم الرسمي للبطالة في ألمانيا هو 6.7 في المئة، في حين أن المعدل المتوسط لجميع دول أوروبا، والذي يتضمن ما يسمى الطفل العاق مثل رومانيا وبلغاريا، هو حاليًا 10.3 في المئة. مع ذلك، تعلن إسبانيا عن نسبة بطالة 24.4 في المئة على الصعيد الوطني، مع منطقة الحكم الذاتي في الأندلس التي تتصدر الواجهة. أما أسوأ مقاطعة داخل الأندلس هي قادس، التي تشمل لا لينيا.
مخلفات الأزمة
هل يمكن لزوال مدينة واحدة أن يكون بمثابة مثال يعكس الأزمة في كامل البلد المعزول مثل البكتيريا تحت المجهر؟ هل يمكن أن يعكس أزمة شديدة لدرجة أنها تهدد باستمرار وجود اليورو، إن لم نقل الاتحاد الأوروبي ككل؟
في إسبانيا، على عكس اليونان أو إيطاليا، نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي منخفضة نسبيًا. مع ذلك، ديون القطاع الخاص كبيرة، ما يفسر الاضطرابات الحالية في البنوك الإسبانية. راهنًا يجري نصح رئيس الوزراء المحافظ ماريانو راخوي، الذي تولى مهامه منذ ديسمبر، بالاستفادة من خطة إنقاذ أوروبية في ظل ظروف تناسبه، حتى يتمكن من انفاق المزيد من الأموال على ما يهم حقًا: محاربة البطالة وإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
لكن ماذا لو لم يرصد خبراء المالية العالمية أسباب محنة إسبانيا الحقيقية؟ ماذا لو لم يكن مجرد ارتفاع تكاليف الاقتراض في أسواق رأس المال الذي يجعل التحسن السريع صعبًا، بل يعود الأمر أيضًا إلى أسباب هيكلية وتاريخية؟ نزهة في لا لينيا تكشف عن وجوه هذا البلد الذي يبدو أنه لا يزال يعاني فترة من التسمم.
المليونير الكبير المطور للا لينيا الذي شنق نفسه، تاركًا وراءه أعمالاً لم يكتمل بناؤها في مواقع مهمة، هو خير رمز عن الأزمة الإسبانية. المباني هي تذكير صامت بوقت غذى فيه الائتمان الرخيص الوهم بأن كل شخص في إسبانيا يمكنه امتلاك العقارات. «لكن لا يقتصر ذلك على شراء منزل وشقة على الائتمان»، كما تقول الكاتبة اليزابيث إيبورا، مع بعض السخرية المريرة. «وجب على الناس أيضًا شراء الأثاث اللازم».
تتضمن صورة الأزمة أيضًا منافسة عميقة الجذور بين «الإسبانيتين» والمعسكرات السياسية من اليسار واليمين. مواقفهم التي لا يمكن التوفيق بينها تجعل من الصعب التوصل إلى ذلك النوع من التنازلات المطلوبة لمكافحة الأزمة. إذا تسلم اليسار السلطة في مدينة (لا لينيا) والمنطقة (الأندلس)، لكن ليس في إقليم (قادش) ولا في مدريد، تصبح السياسة تشبه القمع التي يتم سده مرتين، فما من شيء يخرج من أسفله بعد الآن.
كالغرب القديم بلا الذهب
أخيرًا، تتضمن صورة الأزمة فجوة الازدهار. في حالة لا لينيا، تشمل الأسباب ما يلي: 85 في المئة من الشباب العاطلين عن العمل إما لم يخضعوا لأي تدريب مهني أو لا تدريب يستحق الذكر، وأكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص عاطلين عن العمل ليس حائزًا على دبلوم من المدارس الثانوية؛ ورب العمل الأكبر، أي إدارة المدينة، لا تدفع الرواتب لموظفيها. حقيقة أن الكثير من الناس «يفضل تقاضي 251 دولاراً يوميًا في تهريب السجائر بدلاً من 503 دولارات في الشهر كعامل غير ماهر في سوبر ماركت»، يعقد الأمور أكثر بحسب ضابط الحرس المدني عند الحدود.
لكن رئيسة البلدية أراوجو، وبإصرارها على توجه حزبها، لا تلقي اللوم على الأفراد. في مارس، خلال احتفال أقيم في قادش عاصمة المقاطعة، اقتربت من الملك خوان كارلوس وسلمته رسالة. كتبت في الرسالة عن «الدراما الاجتماعية» في لا لينيا و{المآسي الحقيقية» التي تواجهها عائلات العاملين في المدينة التي لا دخل لها، ووجهت نداءً لطلب المساعدة.
مرر الملك الرسالة الى مرؤوسيه وذهب لصيد الفيلة في بوتسوانا، حيث عرف أنه كسر فخذه. في لا لينيا، لم يسمعوا أي شيء منه منذ ذلك الحين، وبقي كل شيء على حاله هناك.
يظهر بعض أجزاء من المدينة مثل مدينة الغرب القديم بعد مغادرة المنقبين عن الذهب. عندما تظهر سيارات الشرطة الخمس، وهي تطلق صفارات الإنذار، في وضح النهار في منطقة لا أتونارا، وهو مقصد مفضل لمهربي التبغ وتجار المخدرات، يصطف السكان المحليون في الشارع ويلقون التحية بصمت على الشرطة. وعندما يسحب المسعفون امرأة نصف ميتة بلا مأوى من سيارة أودي مصادرة، تصفها بالمنزل، ليس بسبب المارة الذين نبهوا خدمات الطوارئ، بل لأن عمال المؤسسة الخيرية الذين تم توزيعهم على المحتاجين في منطقة وسط المدينة المهجورة في وقت متأخر من الليل نجحوا في استدعاء سيارة اسعاف في الوقت المناسب تمامًا.
«أسوأ ما في أوروبا»
لا لينيا أكثر حيوية في الصباح، أو على الأقل هي كذلك قبالة الحانة حيث تستعد المهربات لعبور الحدود. والمهربات هن اللواتي يجلبن السجائر الرخيصة من أراضي ما وراء البحار البريطانية على بعد بضع مئات من الامتار. وتنتشر النساء البدينات خصوصاً في أوساط المهربين، ذلك لأن الوزن الزائد يسهل إخفاء عدد أكبر من حزم السجائر في أجزاء مختلفة من الجسم من دون أن تتم ملاحظتها.
عبرت النساء الحدود. الأكثر خبرة بينهن علّقن بطاقات الهوية الخاصة بهن في سلسلة حول أعناقهن، بحيث لم يكن عليهن البحث عنها في كل مرة يعبرن فيها الحدود. ويُسمح بتمرير كرتون واحد من السجائر للشخص الواحد في كل مرور. أولئك الذين لا يتم فحصهم وتسجيلهم يرتدون ملابس مختلفة على الجانب الاسباني، وينطلقون إلى جبل طارق مجدداً.
يساعد هذا على تفسير لماذا لا يوجد مثل هذا الخط الطويل امام كشك «بارودي»، وهو كوخ متواضع تحت سياج من الاسلاك الشائكة على الجانب البريطاني من الحدود. يتم دفع ما مجموعه 32.5 دولاراً للحصول على علبة مارلبورو، وبعد ذلك يعود المهربون عبر الحدود مجددًا، مجتازين موظفي الجمارك الإسبانية. يجني عابرو الحدود 5 دولارات في الكرتونة. أما مشغلو الأكشاك على الجانب الاسباني، الذين يبيعون السجائر في وقت لاحق، فيجمعون 7.5 دولارات أخرى. أما سعر التجزئة الفعلي الذي يزيد بقيمة 11 دولاراً، لم يعد مهمًا في لا لينيا، حيث خمسة من محلات بيع التبغ العادية قد خرجت من قطاع الأعمال.
ماذا يمكن القيام به غير التهريب؟ ما من مصانع في لا لينيا، ولا مناظر للسياح ولا فنادق فاخرة على الشواطئ الرملية. «نحن أسوأ ما في أوروبا»، يقول أحد السكان.
لكن اقتصاد الظل لا يزال عامل جذب. وكثير من الأسر الأندلسية تقوم برحلات في مطلع الأسبوع إلى لا لينيا، بحسب ضابط برتبة ملازم مع الحرس المدني. «إنهم يأتون من إشبيلية أو حلبة خيريز في الصباح، يزودون سياراتهم بالبنزين الرخيص في جبل طارق ويتناولون وجباتهم من علب أحضروها معهم. ثم يسيرون عبر الحدود في مجموعات من خمسة ويبيعون السجائر، حتى «يجنون 377 دولاراً من الأرباح، ما يكفي للعيش لمدة أسبوع آخر في المنزل».
«كنا نسلك الطريق الخطأ»
السكان المحليون هم على دراية بمصادر الغذاء الأخرى. على سبيل المثال، يقومون بزيارات إلى باحة كنيسة سان بيو قدر الإمكان. هناك، يدير الأب رافائيل بينتو برنامج الجمعية الخيرية كاريتاس للمساعدات الغذائية في لا لينيا. في صباح هذا اليوم، كانت في الباحة شحنة من الفاصولياء البيضاء والحليب المعقم. يحفظ البرنامج أيضًا الفواكه والرز ولعب الأطفال والأحذية والملابس في غرفة تخزين.
تقدم كاريتاس بالفعل المساعدة المنتظمة إلى 500 أسرة في مدينة لا لينيا، وما زالت تزيد، وهي تشمل أيضًا العاملين في المدينة. وفي بعض الحالات، تدفع منظمة كاريتاس حتى فواتير الايجار والكهرباء. ويقول الأب رافائيل، عمومًا، كل نكسة وكل تحدٍّ هو بمثابة فرصة. «ولعل هذه الأزمة تساعدنا على إدراك أننا كنا نسلك الطريق الخطأ في السنوات القليلة الماضية، وأنه حان الوقت لتغيير المسار».
يقول المواطنون المتضررون والمتطوعون في لا لينيا إن الأمور تسير بسرعة نحو الانحدار. أولاً يفقد الناس وظائفهم، أو يحتفظون بها ولكنهم يفقدون رواتبهم، كما هي الحال بالنسبة إلى موظفين المدينة. ثم تتم مصادرة سياراتهم، وتوقيف هواتفهم النقالة وقطع الكهرباء. بالنسبة إلى معظم الناس، دفع أقساط الرهن العقاري هو بمثابة سقوط لهم. وإذا لم تؤمن المساعدة للأسر، سيخسر المزيد من الناس منازلهم.
في نزل هوغار بيتانيا، الذي تديره أيضًا مؤسسة كاريتاس، يتم حجز الأسرة الأربعة عشر باستمرار. ويتم استقبال الناس الذين يعانون المشاكل ومعالجتهم وإطعامهم. كانوا يتوقعون أن يعودوا للوقوف على أقدامهم مجدداً بعد سنة. ويقول بيغونيا أرانا، مدير المنشأة «إن الأزمة قد سرعت بشكل كبير التدهور الاجتماعي». «وفي عام 2011، كان لدينا 575 رجلاً و105 امرأة بلا مأوى في لا لينيا. مع ذلك، سيتعين علينا إغلاق هذا النزل في نهاية شهر يونيو، ما لم تحصل معجزة. فما عادت الحكومة الاشتراكية الجديدة في الأندلس ترسل لنا أي أموال بعد الآن».
لا يحركون ساكنًا
قطريًا عبر الشارع، في الفرع المحلي لوزارة العمل الإسبانية، يقف الرجال والنساء في خط للحصول على وثائق تثبت أنهم يعانون الفقر المدقع. بالتالي، يحق لهم تلقي المساعدات. كذلك، تجد العمال ذوي الياقات البيضاء من بين الذين يقفون في خط. يقول أحد رجال الدين: «نحن نعيش في بلد حيث لا يمكن أن يتم فصل موظفي الخدمة المدنية. فضلاً عن ذلك، ما عاد يجب أن يُدفع لهم».
هذا صحيح إلى حد ما. فمعظم موظفي الخدمة المدنية لا يزالون يعملون، لكن لا يعملون فعليًا سوى لفترة لا تتعدى بضع ساعات في اليوم، فعددهم ليس كبيرًا جدًا بين الناس العاديين. على سبيل المثال، الناس في مكتب الضمان الاجتماعي في لا لينيا الذين يتناولون الطعام بمرح في مطعم «هيرمانوس تومييروس» للمأكولات البحرية عند الثالثة من بعد الظهر، لا يحصلون على أي شيء سوى شخير النادل الغاضب، الذي يقول: «لا يحركون ساكنًا بعد الثانية بعد الظهر، وهذه هي إسبانيا».
علاوة على ذلك، من النمطي في إسبانيا حقيقة أنه كان من الصعب إجراء المواكب التقليدية الرائعة خلال أسبوع عيد الفصح هذا العام. فمن أصل 111 ضابطاً في الشرطة في لا لينيا، حصل 32 أولاً على إجازة مرضية وبعد ذلك، في بداية أسبوع عيد الفصح، زاد العدد إلى 52، ما يقارب نصف قوة الشرطة.
من مكتب مكيف الهواء، يبقي خوسيه لويس لانديرو ماتيوس عينه على أولئك الذين في لا لينيا والذين هم في وضع أسوأ بكثير من موظفي الخدمة المدنية. ترسل له كاميرات المراقبة صورًا حية من غرف الانتظار المليئة في مراكز توظيف مهمة في شارع سرقسطة مباشرة على شاشة جهاز الكمبيوتر الخاص به.
انديرو ماتيوس هو مدير وكالة. اذا لم يكن يتناول وجبة الإفطار في وقت متأخر أو خارج المكتب في لقاءات مهمة، هو مستعد لاجراء محادثات حول الوضع في مدينته، شرط أن يطلع على الأسئلة المقدمة إليه مسبقًا وخطيًا. ويقول المدير بحزن: «كان لدينا 10820 شخصاً عاطلاً عن العمل الشهر الماضي، وهو رقم قياسي تاريخي. الكثير ممن هنا يائسون لدرجة أنهم شاكرون لأي شخص يستمع إليهم».
الجار الصالح
هل من باب السخرية تم وضع اثنين من منحوتات دون كيشوت وسانشو بانزا المعدنية والأدباء الذين حاربوا طواحين الهواء الشهيرة في رواية سيرفانتس، في بهو قاعة مدينة لا لينيا؟ أراوجو رئيسة البلدية، على أي حال، مجبرة على المرور بالوجهين الحزينين كل يوم.
في هذا اليوم، أخذها سائقها عبر الحدود إلى جبل طارق في السيارة الرسمية الأخيرة المتبقية. وتقول أروجو إن زيارة لجبل طارق «هي زيارة لجار صالح». إنها أيضًا رحلة قصيرة الى عالم مختلف، على رغم أنها لا تعترف بذلك. إنه عالم تبلغ فيه معدلات النمو 6 في المئة وهو أحد أعلى المعدلات في العالم لإنتاج قيمة للفرد.
يقطع شارع ونستون تشرشل مباشرة المدرج في مطار جبل طارق، حيث تقوم الرحلات الجوية من لندن ومانشستر، ومن ثم إلى وسط مدينة جبل طارق، حيث تمر العشرات من واجهات عرض لوحات تظهر الأعلام مع صورًا للملكة اليزابيث الثانية. أكثر من 10.000 إسباني، يحمل أقل من نصفهم أوراق العمل النظامية يسلكون هذا الطريق في أيام الأسبوع، اتجاهًا في الصباح، واتجاهًا آخر في المساء. إنه الشارع الذي يعبرونه لكسب العيش.
واحد منهم، وهو ضابط في الحرس المدني، لديه وظيفة ثانية كبستاني لدى طبيب في جبل طارق. ويعمل الآخرون كخدم في المنازل، في قاعدة صخرة جبل طارق الضخمة، لدى الذين أسسوا الوحدات السكنية الفاخرة في المنطقة المحيطة برصيف كوينسواي مارينا: أصحاب الملايين في صناعة القمار على الإنترنت.
قبل أن يدفعوا كلفة زياراتهم العرضية إلى مقر الشركة في جبل طارق، مسافرين إلى لندن أو إلى تل أبيب، يتم تشميع الأرضيات وملء الثلاجات في الشقق والفيلات من الموظفين الذين أتوا عبر الحدود من لا لينيا للتأكد من أن كل شيء منتظم. وتدفع أجور العاملين بالساعة أي حوالى 10 دولارات في الساعة، لكن لا يحصلون على دخل عندما يكون أصحاب المساكن الفاخرة مسافرين.
مساعدة الحيوانات الضالة
ليس الأغنياء والفقراء ولا حتى في نيويورك، بين سنترال بارك وبرونكس، أقرب مما هم عليه في جبل طارق. جنت روث بارسول، وهي حاليًا أغنى امرأة في جبل طارق الموال، من خلال صناعة المواد الإباحية على الانترنت لتصبح مؤسسة لحزب Gaming Plc. جنبًا إلى جنب مع زوجها، تسيطر بارسول الآن على ثروة تقدر ب 100 مليون دولار.
تخصص بارسول مبلغًا صغيرًا من مالها إلى منطقة اليورو المتعثرة، أو لنكون أكثر دقة، إلى المدينة المجاورة للا لينيا. حاليًا، تدفع بونيتا، المؤسسة الخيرية التي أنشأتها، لبناء ملعب جديد قبالة الحدود، في رينا صوفيا بارك، حيث ينام بعض المشردين في الليل. وتوفر الجمعية الخيرية أيضًا التمويل لرعاية الحيوانات الضالة في مدينة لا لينيا.
رئيس وزراء جبل طارق فابيان بيكاردو يجلس في مكتبه تحت العلم البريطاني. ويقول: «حتى لو كان كل شيء ينهار من حولنا سينجو نموذج جبل طارق»، وهو سوق العمل المفتوح، والتعايش السلمي بين الشعوب والأديان». مع ذلك، يبدي بعض المخاوف الجدية حول رفاه إسبانيا المجاورة.
ويضيف: «إذا طُردت إسبانيا من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي نأمل بألا يحدث، ستكون العواقب دراماتيكية، ليس فقط بالنسبة إلينا هنا في جبل طارق، لكن بالنسبة إلى أوروبا برمتها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.