يختلف طلب الجمال بين الأمس واليوم، فقديماً كانت تسعى النساء في السودان لطلب الجمال برغم المعاناة والقسوة الشديدة التي كانت تُصاحب تلك الطلبات، وكانت المرأة تدفع الألم ثمناً مقابل حصولها على الجمال، وذلك من خلال وسائله المتوفرة في ذلك الوقت ومن ضمنها (الشلوخ ودقّ الشلوفة)، لكن في هذا الزمان اختلف الأمر كل الاختلاف، وأصبح طلب الجمال والزينة للمرأة يأتي بأسهل الطرق؛ مثل المساحيق الكيميائية وأدوات المكياج التي باتت تتوفر في كل الأسواق وبكميات هائلة، قبل أن تشهد هذه الأدوات نفسها ارتفاعاً مهولاً في الأسعار، ليأتي بعدها سؤال يطرح نفسه وهو هل يمكن أن نشهد على عودة تلك (الشلوخ) ورفيقاتها بأمر (الموضة) وبأمر ذلك الارتفاع الكبير في الأسعار؟. موس.. ورماد: حول الموضوع يقول الموظف محمد عثمان ل( السوداني) أن الشلوخ السودانية تعتبر من أجمل العادات القديمة، وأضاف: (أنا أَتَحسَّر على زوالها حديثاً)، ويقول أنه، وبرغم المعاناة التي تعانيها الأم والجدة خلال إجراء تلك العملية، لكنها تبهرك برونقها ولمعانها، ويصف لنا محمد طريقة عملية الشلوخ ويقول: (تأتي امرأة تحمل موساً حادة وتفصد بها خدود المرأة، وبعد هذه المرحلة يوضع على هذه الشلوخ مادة الرماد الناتج عن مخلفات الفحم، وتستمر هكذا إلى أن تجف من الجرح لتعطيك شكلها الآخر. ورغم هذه الصعوبات كانت تقف المرأة صامتة وتتحملها بكل معاناتها). عادات راسخة: حول الموضوع يحدثنا العامل العم عبد العزيز عبد الرحمن ويقول ل( السوداني) أن الشلوخ تعتبر واحدة من العادات السودانية الراسخة والمنتشرة قديماً، وهي عادة في الأصل تستخدم كنمط جمالي، وأضاف أن هذه العادات تحديداً كانت في البداية تخص قبائل معينة، لكنها ما لَبِثَت أن أصبحت سمة جمالية تلازم كل النساء السودانيات في تلك الفترة. إمكانية عودة: من جانبها تقول ربة المنزل الحاجة مها محمد أحمد أن المناطق الشمالية من السودان هي الأكثر تمسكاً بعادة الشلوخ، ومنها اشتهرت بانتشار الشلوخ ذات الخطوط العمودية الثلاثة، وكذلك الخطوط التي تعترضها، وأضافت أنها لا تعتقد أن عودة (الشلوخ) للظهور مرة أخرى ستكون بالأمر الهين، وذلك للتطور الكبير الذي شهده العالم، إضافةً إلى دخول المرأة للكثير من مؤسسات التعليم والعمل مما يشكل حاجزاً لعودة مثل تلك العادات القديمة. حسب الطقوس: ربة المنزل و(الحبوبة) زينب محمد نور قالت ل( السوداني): من العادات السائدة قديماً دقّ الشلوفة كما تسمى، وهي عادة تستخدم لكي تكتسب الشفاه اللون الأخضر القاتم، وهي آخر مرحلة من مراحل اكتمال الزواج. وتتم هذه العملية بتخريم الشفاه السفلية ب(شوك الهجليج) أو الإبر، ومنها تجمع حوالي سبع شوكات أو إبر وذلك على حسب الطقوس، وبعد هذه العملية تستخدم مادة من (مرارة السمك أو الدجاج) حتى تجف تماماً ويأتي بعدها اللون الأخضر القاتم. أبشع العمليات: الطالبة هاجر بابكر تحدثت عن العادة وقالت بأنها تعتبر من أبشع العادات القديمة، وأضافت: (هي مؤلمة للغاية وهي في الغالب تقوم بها امرأة لا تهتم كثيراً بالجوانب الصحية)، وتواصل حديثها وتقول: (أنا عن نفسي لو كنت موجودة في ذلك الزمان لرفضتها وبشدة.. ولا أظن أنها ستعود للسطح مرة أخرى). هواجس واحتمالات: عن أنواع (الشلوخ) حدثنا حسن عبد الله وقال أن من أنواعها ما يعرف بالنقرابي ودرب الطير وشنب الكديس، ويضيف: تعجبني تلك الموروثات وتعجبني وأفتخر بها..ويستدرك: (ربما احتمالية العودة من جديد صعبة بعض الشيء، خصوصاً بعد تلقي معظم النساء للتعليم وموجة العولمة الكبيرة التي ضربت البلاد، والتي جعلت الفتيات يصنفن تلك العادات القديمة تحت خانة "التخلف")، وزاد: (نعم هي موروثات سودانية ولكنها بصراحة تفتقد للجانب الصحي، وهذا ربما يمثل عائقاً لعودتها من جديد). مابنرجع نهائي: (فلاشات) حول الموضوع قامت باستطلاع واسع بين عدد من الطالبات الجامعيات كذلك، والتقت بعدد منهن بينهن الطالبة أريج والتي رفضت تماماً فكرة العودة ل(الشلوخ) وقالت بأن هذا الأمر يعتبر إعادة لفواصل الجهل والأمية القديمة، مؤكدةً أنها لا تستخدم أية مستحضرات تجميل، وحتى وإن كانت تستخدمها فلن تضطر للعودة للشلوخ أو ما شابهها، وأضافت: (في هذه الحالة سأترك الكريمات بالطبع وسأحافظ على وجهي كما هو)، وعلى ذات السياق أجابت رفيقتها تماضر محمد قائلة أن الأضرار الصحية الكبيرة التي تنتج عن انتهاج ما يعرف ب(الشلوخ) تُمَثّل دليلاً واضحاً على عدم إمكانية العودة لتلك العادة، مضيفة ضاحكة: (الناس ماشة لي قدام، وانتوا عايزين ترجعونا لي وراء)؟؟. تفاصيل ما كان: بتول محمد إحدى الحبوبات القدامى روت على مسامعنا بالتفصيل حيثيات جمال المرأة القديم، وقالت وهي تضع يدها على خدها الذي فَلَت من (الشلوخ): زمان كانت الفتيات في السودان يرتدين (الرحط)، وهذا الرحط هو من علامات الجمال ومن دلالات عذرية الفتاة كما كانوا يعتقدون قديماً وتضيف: (الشلوخ عملية مؤلمة جداً، وأذكر أنني فَلَتُّ منها بفضل جدتي التي قامت بتهريبي من المنزل بعد رفضها التام لإجراء تلك العملية علي، وذلك لأنها كانت تعتقد أن الإقدام على مثل تلك الخطوة هو إقدام على الموت بذاته)، وصمتت قبل أن تضيف: (كنا نشاهد الفتيات اللائي تُجرَى لهن العملية وقلوبنا تنبض بعنف، خصوصاً عندما تقوم امرأة معينة في الحي ذات خبرة بالموضوع بحمل الموس وتمريرها على خد الفتاة ليسيل الدم منها، قبل أن تغسل الجروح ثم يلصق عليها القطن المبتل بالمحلبية او القطران أو الريحة ليزداد الألم لدى الفتاة التي تبقى على حالها المتألم لأيام وربما أسابيع، وذلك بحسب نوع لحمها ودمها)، وعن (دق الشلوفة) تحكي الحاجة بتول وتقول: (دق الشلوفة دا كمان حكايتو حكاية؛ فقد كان العلامة المسجلة للجمال، وكانت المرأة التي لا تمتلك شفاهاً بلونٍ أخضر غامق تعتبر قبيحة ولا تحصل على عريس بسهولة)، وتزيد: (يوازي دق الشلوفة الآن في هذا العصر أحمر الشفاه، وأنا اقول لبناتي دوماً أنو ربنا بريدكن.. لو جيتن في زمَنَّا كان طارت ليكم الحاجات دي كلها)، وتبتسم قبل أن تواصل في الحكي: ( عند دق شلوفة إحدى الفتيات تجتمع كل نساء الحي، وتردد بعضهن الأغنيات بينما تمسك عدد منهن بالفتاة وتقوم أخرى بعمل ثقوب مستمرة على الشفاه بالإبرة، وفي بعض الأحيان بشوك الصبار، قبل أن يتم إغراق الشفاه بالكحل لتظل المرأة لمدة أسبوع كامل في حالة يرثى لها قبل أن يتم تتويجها عروساً بعد العملية مباشرة)!!. الشلوخ في الأغنيات: أغنيات الحقيبة كذلك في تلك الفترات لم تخلُ من تناول (الشلوخ) وأدوات الجمال المتوفرة آنذاك، وتباينت آراء الشعراء والمغنين كذلك حول مدى جمال (الشلوخ) من عدمها، فظهرت أغنيات على شاكلة (فصود في خدود يضوَّن وخدود بدون أمارة) التي نظمها شعراً عبيد عبد الرحمن ورددها العبقري إبراهيم الكاشف خلال أغنيته (الزيارة)؛ تلك الأغنية التي تغزلت في (الشلوخ)، بينما ردد حسن عطية في ذلك الزمان: (ما شوهوك بفصاده على الخدود السادة.. طبيعي خلقة ربك ما داير أي زيادة)، ولعلها كانت أغنية تمثل اعتراضاً واضحاً على (الشلوخ) وتعتبرها أداة لتشويه خلقة الله عز وجل. السوداني