ذكرنا سابقا بسعى منظمة الوحدة الافريقية وجامعة الدول العربية لتحقيق تعاون عربى افريقى ولكنه كان دون الطموح، فقد تعثر انطلاق التعاون العربى الافريقى، بصورة ملحوظة منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضى، وذلك نتيجة لعدة عوامل واسباب سياسية، تم ذكرها سابقا، أما الآن بصدد توضيح العوامل والفنية يمكن ان نجملها فى ضعف التبادل التجارى بين البلدان العربية والافريقية بصفة عامة. وضعف الاستثمار العربى المباشر فى افريقيا. وعدم استناد التعاون فى اغلب الاحيان الى ارادة ذاتية مستقلة من قبل الطرفين، واتخاذه شكل ردود الفعل للضغوطات والتحولات الدولية قبل الطرفين على الجانبين. والاختلاف حول ادارة العون المالى العربى المقدم لافريقيا، فبينما كان بعض الافارقة يرون ضرورة اشراكهم فى ادارة الصندوق العربى الخاص بدعم موازين المدفوعات فى البلدان الافريقية اثر ازمة النفط فى عام1973م، كان بعض العرب يرون اهمية ان يعهد بذلك الى الامانة العامة للجامعة العربية، كما ان العون العربى بالرغم من شروطه التفضيلية الا انه اسهم فى دعم وتوسيع دائرة عمل المنظمات المالية الدولية متعددة الاطراف فى دول الجنوب عامة تحت شعار التنمية الدولية، وهى المنظمات التى لم تتفق سياساتها فى كثير من الاحيان مع مصالح واهداف الدول العربية من تقديم المساعدات للدول الافريقية، الامر الذى جعل تلك المساعدات فى الاطار الدولى تسير فى اتجاه معاكس لمساعي الطرفين لتحقيق الاعتماد على الذات، وذلك انها استخدمت فى شراء معدات تكنولوجية وتجهيزات فنية ومعدات من الدول المتقدمة وعن طريق الشركات متعددة الجنسية، بما كرس دون ارادة او رغبة من الدول العربية او الافريقية التبعية للدول المتقدمة. وترد هذه الازمة الى تركيز الدول العربية بصفة اساسية على دورها تجاه العلاقات الاسرائيلية الافريقية، والتخلى عن الاساس الاستراتيجى للعلاقات العربية الافريقية باعتبارها احدى ضمانات المواجهة ضد قوى الاستغلال والسيطرة، وهكذا بدا الربط بين مواقف الدول الافريقية من اسرائيل وبين المساعدات العربية، وقد يكون ذلك مطلوبا ولكن لا ينبغى ان يكون على حساب المستوى الاول بحيث لا تبدو تلك المساعدات مجرد مكافأة، بحيث لا يقع العرب او بعضهم، كما حدث بالفعل، فى مأزق التسوية مع اسرائيل. ولقد كان هذا المعنى واضحا فى كلمة الرئيس السنغالى فى ندوة الحوار العربى الافريقى فى الخرطوم 1975م، حين قال «ان كل من يحاول ان يجعل التعاون العربى الافريقى مسألة اعتراف بالجميل من قبل الدول العربية ازاء افريقيا، يقترف خطأين فى آن واحد، الخطأ الاول: هو ان موقفاً مثل هذا يشكل اهانة لافريقيا وشرفها، والخطأ الثانى: هو ان موقفا مثل هذا من شأنه أن يفكك اواصر التآزر والتضامن الذى يجمع الاجيال الافريقية والعربية. ومن الملاحظ أنه منذ بداية التسعينيات وانتهاء الحرب الباردة وظهور النظام الدولى الجديد وسقوط المعسكر الشرقى وبدء مسيرة التفاوض الفلسطينى الاسرائيلي فى مدريد، ادت لعودة العلاقات الاسرائيلية الافريقية، وفى عام 1992م قامت بعض الدول الافريقية باعادة تطبيع علاقاتها مع اسرائيل، وبلغ عدد الدول الافريقية التى لها علاقة مع اسرائيل ما يزيد عن «50» دولة مما اثر سلباً على مسيرة التعاون العربى الافريقى، وذلك لأن بعض الدول ترفض التطبيع مع اسرائيل الى حين انتهاء القضية الفلسطينية. وبرزت بعض الانتقادات من قبل بعض الافارقة لطبيعة ودور المصرف العربى للتنمية الاقتصادية فى افريقيا، حيث كانوا يرون انه كان من الاوفق ان تودع الاموال العربية المخصصة لتنمية افريقيا لدى مصرف التنمية الافريقى بابيدجان لادارة تلك الموارد المالية. وفى مقابل ذلك كان بعض العرب يرون ضرورة أن يعهد بادارة تلك الموارد المالية الى مؤسسات عربية، وذلك بحسبان ان تلك الموارد انما كان مصدرها دول عربية ليست افريقية اصلا مثل دول الخليج العربي. ودعت جامعة الدول العربية فى قمتها العادية بعمان فى مارس 2001م في بيانها الختامى القادة لتدارس مختلف جوانب التعاون العربى الافريقى، واكدت مواصلة الجهود لتعزيز هذا التعاون وازالة عوائقه التى تعترض اجتماعات اجهزته وتعوق تنفيذ برامجه المشتركة، وقد كلفت القمة العربية امين عام الجامعة ان يجرى اتصالات مع نظيره فى منظمة الوحدة الافريقية «سابقا» فى هذا الشأن. وتواجه الجامعة عدداً من التحديات، منها التحدى الديمقراطى الذى يتركز فى منبعين اساسيين، الاول هو الاتجاه المتزايد بين التكتلات الاقليمية فى العالم نحو اعتبار التحول الديمقراطى هدفا اساسيا من اهدافها الظاهرة، والابرز على هذا الصعيد هو بالطبع السياسة التى درج عليها الاتحاد الاوربى فى سائر مراحله التأسيسية والتكونية والتطورية، الا ان الالتزام بالديمقراطية لم يعد محصورا بالاتحاد الاوربى وحده، بل انتشر بين غيره من التكتلات والمنظمات الاقليمية. اما المنبع الثانى فهو الانتفاضات العربية التى تطالب بالاصلاح الديمقراطى، فقد تطرقت القمة العربية فى تونس عام 2004م الى هذه المسألة حيث تعهد الزعماء العرب بالعمل على الدمقرطة، وكان من الممكن ان ينعكس هذا التعهد على نشاط الجامعة لولا ان القمم التالية تراجعت بصورة منهجية وعلى خط مستقيم عن دعوة الاصلاح. فى ظل هذه المتغيرات سوف يزداد الضغط على الجامعة من اجل اعتماد سياسة ثابتة فى مجال دعم التحول الديمقراطى فى المنطقة، فقد يكون الموقف الذى اتخذته الجامعة تجاه الانتفاضة الليبية مقدمة لهذه السياسة، ولكن حياد الجامعة تجاه الصراع بين الحكم المطلق والاصلاح الديمقراطى سوف يؤدى الى المزيد من تراجعها وفقدانها مشروعيتها. اما التحدى الثانى فهو التحدى التنموى، فقد استبقت الجامعة هذا التحدى بالمبادرة الكويتية، وذلك عندما بدأت بالقمة العربية الدورية الاقتصادية والاجتماعية، وعندما ادخلت تعديلا شددت بموجبه على المضمون التنموى للقمة. وانطلقت فكرة القمة هذه قبل اطلالة الانتفاضات على مسرح السياسة العربية، وكان الحافز وراء هذه القمة رغبة سلمية فى الفصل ما أمكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة، بحيث لا تتأثر العلاقات الاقتصادية بالأزمات السياسية التى تطرأ على العلاقات بين الدول العربية، وبحيث يوفر لقضايا التعاون الاقتصادى برمتها الى القمة الاقتصادية التى تجتمع مرة واحدة كل سنتين. وانحدرت اهمية هذه القمة الاخيرة فى مؤتمرها الثانى، خاصة بعد ان حولت حكومة حسني مبارك الذى غدا شريكا فى رئاسة الاتحاد من اجل المتوسط، جل اهتمامها الى العلاقات مع الاتحاد الاوربى، وبالمقابل ابتعدت القمة العربية العادية عن الاهتمام بالقضايا التنموية وبقضايا البطالة والفقر والامية التى كانت حافزا الى ملايين المواطنين بالخروج الى المطالبة بالتغيير التى تحظى عادة بالاهتمام الحثيث من قبل زعماء التكتلات الاقليمية الكبرى فى العالم، الاتحاد الاوربى واسيان وميركوسور ونافتا. ولعل ما يعيشه العالم العربى الآن من تغيرات جذرية فى بعض دوله وما يعيشه العالم اجمع من تغيرات جوهرية سواء أكانت طبيعية او بشرية او سياسية او اقتصادية، لعله دليل على مدى رغبة الشعوب والمجتمعات في التغيير والتبديل الاجتماعى. ولكن السؤال المهم الذى يطرح نفسه: مَنْ وراء بعض هذه الثورات والانتفاضات الشعبية التى اجتاحت المنطقة العربية أخيراً؟ ومَنْ هو المستفيد جراء الانفلات الامنى والتدهور فى المنطقة العربية؟ ومن وراء النزاعات الداخلية في بعض الدول العربية والافريقية؟ ومن الملاحظ أن مسيرة التعاون العربى الأفريقى تأثرت بالظروف العامة والملابسات السياسية التي مرت بها المنطقة، وظلت بنود وبرنامج العمل المعتمد قيد الانتظار، وأبرزها ما يتعلق بإنشاء منطقة التجارة التفضيلية العربية الأفريقية والهيئة العربية الافريقية للتمويل والاستثمار، والهيمنة الغربية على المنطقة العربية نتيجة لأطماعها البترولية وعلى أفريقيا لاستغلال مواردها. «نواصل». * باحثة بالمركز العالمي للدراسات الأفريقية