لن أنسى توبيخاً تلقيته من أُستاذ اللغة العربية في سنوات الصبا الأولى وأنا أكتب موضوعاً (تعبيرياً) متعمقاً قبل أن أخطئ في كلمة (الدُنيا) فاكتبها (الدونيا) كما أنطقها. وكنوع من العقاب ظللت أكرر كتابتها في السبورة حتى نهاية الحصة..!!! كُنتُ أعتقد أن موضوعي (إلانشائي) والذي ينافس (توفيق الحكيم) في كتاباته، سوف يحظى بتقدير أُستاذ المادة وزملائي في الصف لولا هذه (الدونيا!!). أعتقد أن المُصحح التِلقائي والمدعوم من العديد من أنظمة التشغيل الحاسوبية قد حل جزءًا من مشاكل (الأخطاء الإملائية). فهي تقنية تطورت بتطور تطبيقات مُحررات النصوص الإلكترونية. نتذكر جميعا طيب الذكر (مايكروسوفت وورد) والذي لا يذهب بعيداً بأكثر من الاقتراح الذي يقدمه لكلمة بديلة في حال الخطأ الإملائي. حينها لم يكن هناك مُصحِح تلقائي وإنما (مُدقق إملائي) spellchec. في العام 2007م إِسْتحدثت مايكروسوفت أداة جديدة وهي مُدقق القواعد النحوي contextual speller باللغة الانجليزية دون اللغات الأخرى. عِملاق مُحركات البحث (قووقل) كانت له إضافة ثرّة في هذا المجال، حيث قدموا مُدقق إملائي يقوم بتعليم نفسه تلقائياً من الكلمات المُدخلة بواسطة المستخدم. فمثلاً يقوم بتحويل الحروف (KRT) إلى الخرطوم (Khartoum) دون الحاجة إلى كتابة كامل الكلمة. حتى وصل بنا التطور إلى عهود الهواتف الذكية وظهرت لنا تطبيقات المُصحح التلقائي أو ال auto correction والذي يقوم بتغيير الكلمة التي تم إدخالها بخطأ إملائي ويستبدلها بكلمة مقاربة لتحل محلها. تخيل معي أن المُصحح التلقائي ماهو الا أستاذ لغة عربية يعلو وجهه سَمتْ الحُكماء وهو يهز رأسه وأنت تكتب (الدونيا) ليقوم بتصحيحها لك إلى (الدُنيا) وقد أصابه الملل من كثرة أخطائك. إنه متفلسف (زيادة عن اللزوم) في بعض الأحيان مما يوقعنا في حرج كلمات قد تُقلب المعنى رأساً على عقب وتُصبح كارثية. في إحدى المرات كتبت تعزية في حق شخص قد توفاه الله في إحدى منصات التواصل الاجتماعي. ما قام به هذا المصحح التلقائي (المُتحذلق) أنه قد غير جملة (رحمه الله تعالى) إلى (رجمه الله تعالى). ثم أنني قد أغلقت هاتفي بعد الإطمئنان على تقديم واجب العزاء والدعاء له (بالرجم). لتنهال علي رسائل الأصدقاء في الخاص للتنبيه بالكارثة وأن المرحوم يستحق (الدعاء له بالرحمة)، هو ليس بذلك السوء على كل حال…!!! في إحدى اللوحات الدعائية والتي يفتخر أصحابها بأن لديهم أكبر شاشة تلفزيونية قد ابتكرتها الصناعة اليابانية. العبارة المكتوبة والتي من المُفترض أن تكون (الشاشة الأكبر على الإطلاق) تحولت بقدرة قادر إلى (الشاشة الأكبر علي الطلاق..!!!). ماذنب زوجة مدير التسويق في مصنع الشاشات (إياها) حتى يحلف زوجها (بالطلاق) في أكبر لوحة إعلانية في المدينة تأكيداً على حجم الشاشة، أنه المُصحح التلقائي أيها السادة، يبدو أنه قد مرّ من هنا. اعتقدت أن هذا واضح....!!! ثم كيف تعلم المُصحح التلقائي (حليفة الطلاق) ؟؟ هل كان يعمل كسمسار للسيارات من قبل؟؟ المصحح التلقائي لديه كوارث بالإنجليزية لا تقل عن تلك التي باللغة العربية. حينما يستظرف (المدير) مع أحد موظفيه (والذي بينه وذاك الموظف عداوة خفية) ويهنئه بعيد ميلاده، فيكتب (happy birthday dead) بدلاً عن (happy birthday dear) وكأنما يقول له عيدميلادك أسود عليك...!!! لقد أجرى المُصحح التلقائي مايلزم لزيادة الضغائن بينهما (المديدة الحارة). لا بد أن المدير قد أخرج مافي قلبه فعلا تجاه موظفه ذاك وقد أصاب مصححه التلقائي حينما أخطأ.