بعث الرئيس عبدالناصر الأستاذ محمد حسنين هيكل للخرطوم بعد وقوع انقلاب الفريق عبود لقراءة الأوضاع على الأرض كما أورد ذلك الأستاذ البوني فى مقاله الأسبوعي بالسودانى (سمعت, شفت, جابوه لي). قال هيكل إنه نزل بالفندق الكبير وهناك جاءه اللواء محمد طلعت فريد. وأرجو عزيزي القارئ أن تضع خطين تحت عبارة - جاءه طلعت فريد - فالأمر الطبيعي – وعلى الأقل من ناحية برتكولية أن يذهب هيكل الى طلعت فريد لا أن يأتى إليه طلعت فريد – وكمان- فى مقر أقامته, فهذه الجزئية التى قالها هيكل فى تقديري – أخى البوني – لا يمكن أن تكون صحيحة ..والمعروف أن اللواء محمد طلعت فريد لم يكن من المنفذين للانقلاب وكان وقتها بالقيادة الجنوبية ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة احتفظ لطلعت فريد بوضعيته بحكم الرتبة العسكرية والأقدمية فقد كان الرجل الثالث فى الجيش بعد الفريق عبود واللواء أحمد عبدالوهاب.. وبعد استلام السلطة رعيت الرتب العسكرية فى تشكيلة المجلس ولم يخرج من ذلك التشكيل والقائم على الرتب غير اللواء عبدالرحيم محمد خير شنان من القيادة الشمالية بشندي واللواء محي الدين أحمد عبدالله من القيادة الشرقية بالقضارف وأدى ذلك الوضع إلى غضب الرجلين وعصيانهما وقادا المحاولة الانقلابية التى عرفت بمحاولة انقلاب شنان ..حدثت تلك المحاولة بعد مضي أربعة أشهر من استلام الفريق عبود للسلطة وانتهت المحاولة إلى صفقة دخل بموجبها شنان وزيرا للحكومة المحلية واللواء محي الدين وزيرا للمواصلات وخروج اللواء أحمد عبدالوهاب من الحكومة.. واللواء محمد طلعت فريد عندما شغل المنصب.. وعودة لقاء هيكل مع اللواء طلعت فريد الذى أورده الأستاذ البوني فإن مضمون ذلك الحوار للذين لم يطلعوا على مقالة البوني أن هيكل الذى قال إن عبدالناصر بعثه للسودان التقى اللواء طلعت وعندما سأله: هل ما قمتم به ثورة أم انقلاب؟ رد قائلا - نحن القمنا بحركة التغيير ونحن أبواتها نسميها ثورة نسميها انقلاب على كيفنا – وقطعا ذلك الرد العسكري الحاسم لم يقبله هيكل ..والمصادفة الغريبة أن هيكل دخل فى مشادة مماثلة مع نميري بعد أن لاحظ نميري أن هيكل يصف فى كتاباته التغيير الذى حدث فى ليبيا بالثورة ويصف التغيير الذى حدث فى السودان بالانقلاب العسكري ..تفاصيل المشادة والتى انتهت - بلكمة - من نميري الى هيكل, أن نميري وعبدالناصر عادا معا فى طائرة واحدة من ليبيا وكانت وقتها العلاقات بين الخرطوم والقاهرة وطرابلس فى عهدها الذهبي.. وكان هيكل أيضا على متن تلك الطائرة فسأله نميري لماذا يصف ماحدث فى السودان بالانقلاب وماحدث فى ليبيا بالثورة؟ فرد هيكل: أنتم فى السودان أطحتم بنظام ديمقراطي منتخب بينما الإخوة فى ليبيا أطاحوا بنظام ملكي رجعي فهم ثورة وأنتم انقلاب .. فغضب نميري, غضبة مضرية, من إجابة هيكل وضربه – بونية – وقال هيكل محتجا وهو يتحسس موضع الضربة – دا مش ممكن يكون رئيس دا فتوة – بالطبع قد يتفق الناس أو يختلفون مع هيكل فى إجابته وهذا موضوع آخر ولكن غضب السودانيين بدورهم غاية الغضب من هيكل عندما كتب فى كتابه خريف الغضب الذى تناول فيه بداية ونهاية عصر أنور السادات بأن السادات كانت عنده عقدة من اللون الأسمر الذى ورثه السادات من أمه السودانية وأن تلك العقدة لازمته طيلة حياته ..ومرجع غضبنا كسودانيين أن هيكل لو اكتفى فقط بالقول إن عقدة السادات فى لونه الأسمر فتلك مسألة أخرى فاللون الأسمر الذى نعتز به ونغني له ليس حكرا على السودانيين وحدهم ولكن الربط بين عقدة السادات - إن صح ذلك أصلا - وبلون أمه السودانية ففيه مساس مباشر وصريح بالسودانيين.. وهذه الكبوة التى ارتكبها هيكل أشبه بكبوة لبطرس غالي عندما كان أمينا عاما للأمم المتحدة, قال بطرس مخاطبا مجموعة من السفراء الأفارقة وهو يتحدث فى موضوع يتعلق بالقارة الأفريقيةAfrica I visited فهمس بعض السفراءHimself from Africa ,why he said I visited Africa as if he is from another continent? فاستنكارهم فى مكانه فهو من أفريقيا فكيف يقول زرت إفريقيا وكأنه ينتمي لقارة أخرى ..فمثل هذا القول – الدراب- يمكن أن يفسر بأنه نوع من Ethnic Superiority .. وعودة للواء طلعت فريد فارتباطه بالنشاط الرياضي فى تلك الحقبة جعلت الجنوبيين يطلقون عليه لقب وزير بتاع لعب.. وشهدت فترة تقلده لمنصب وزير الاستعلامات والعمل نهضة ثقافية فى مختلف المجالات منها إنشاء المسرح القومي.