لم يحن طي ملف سد النهضة، ولكننا نرغب في ابتدار هذا المقال الذي يتضمن موضوعا اكثر شمولا بتلخيص ماسبق أن كتبناه حول السد بانه يلزم الاتفاق بين السودان واثيوبيا ومصر على اطار قانوني ومؤسسي للسد يضمن عدم تسبيب الضرر وعدم التأثير السلبي على الامن المائي من خلال ترتيبات عملية مثل الملكية المشتركة او الادارة المشتركة. اما موضوع هذا المقال فهو اهمية أن يعكف السودان فورا وبإرادته المنفردة على اصلاح الاطار القانوني والمؤسسي للموارد المائية على مستوى التشريع الوطني، وليس على مستوى دول حوض النيل،علي الرغم من اهمية توافق ذلك الاطار القانوني والمؤسسسي الوطني مع التزامات السودان الدولية، ولا شك أن ذلك امر استرتيجي في غاية الاهمية يتجاوز سد النهضة، لانه يستوعب موضوع السد ولكن لا يقتصر عليه. ولاهمية تأسيس الاصلاح على ما سبق من خطوات وعدم البدء من الصفر، فاننا لابد أن نبدأ من حيث بدأت تشريعات الموارد المائية في السودان وهو قانون مراقبة سحب مياه النيل لسنة 1939 الذي يغني عنوانه عن شرح مضمونه لانه ليس اكثر من مراقبة السودان لاستخدام مياه النيل، ولقد صدرت لائحة تفصيلية لذلك القانون في خمسينيات القرن الماضي، وقد يفاجأ كثيرون اذا علموا أن تلك اللائحة سارية حتي يومنا هذا، الامر الذي يدعم الاسراع في الاصلاح. ولقد استمر ذلك الاطار التشريعي القاصر الذي اختصر الشأن المائي العريض في مراقبة سحب المياه حتى العام 1990 والذي صدر فيه قانون الري والصرف والذي حسن من الوضع قليلا، ولكن كما هو معلوم فإن الشأن المائي لا يقتصر على نشاطي الري والصرف، ولذلك صدر في العام 1995 قانون الموارد المائية شاملا لكل مطلوبات الشأن المائي في السودان وملغيا قانون مراقبة سحب مياه النيل لسنة 1939، ولكنه ابقى على اللائحة الصادرة بموجب ذلك القانون إلى أن تلغى او تعدل وهو ما لم يحدث حتى الآن، كما سبق أن اوضحنا. ولقد منح قانون 1995 اختصاص التوصية باصلاح الاطار القانوني والمؤسسي للموارد المائية للمجلس القومي للموارد المائية التي انشأ بموجب ذلك القانون، ولكن من تاريخ صدور ذلك القانون وحتى الآن، اي بعد مرور حوالي العشرين عاما، لم يتم اي اصلاح تشريعي. والغريب في الامر أن الاصلاح التشريعي المطلوب قد كان محط اهتمام العديد من المؤسسات الدولية والتي كلفتني مرات عديدة منذ العام 1998 بإعداد دراسات حول الموضوع والسياسات المائية والقانون الدولي للموارد المائية وحصاد المياه وهي: (1) صندوق الاممالمتحدة الانمائي (UNDP). (2) منظمة الزراعة والاغذية (FAO). (3) صندوق التنمية الالماني (GTZ). (4) كرسي اليونسكو للمياه. (5) جامعة الدول العربية. وكمتابع لملف الموارد المائية في السودان عن قرب فإن كل ما ورد في تلك الدراسات لم يجد طريقه إلى التشريعات، والآن اصبحت تلك الدراسات ذات نفسها تحتاج إلى تحديث. وتشمل اهم جوانب الاصلاح المطلوب الآتي: (1) الموائمة مع الالتزامات الدولية، ولقد نشرنا كتابين للاستفادة منهما في ذلك الصدد: الاول عن الاتفاقيات المائية بين دول حوض النيل خلال 1898-1995، والثاني عن المفاوضات بين دول حوض النيل خلال 1995 -2010. (2) كفاءة الاستخدام. (3) المنازعات الداخلية بين الولايات. (4) حصاد المياه بحيث لا يتم بصورة اجتهادية عشوائية بل من خلال اطار قانوني مؤسسي سليم على ضوء مخرجات دراسة اليونسكو المشار اليها اعلاه. (5) اصدار لوائح جديدة حيث لا يستقيم العمل بلوائح خمسينيات القرن الماضي. (6) بلورة دور المجتمع المدني. (7) تفعيل المجلس القومي للموارد المائية. وفي الختام نوضح بأنه لا يستقيم الحديث عن سياسات واستراتيجيات مائية في غياب اطار قانوني مؤسسي حديث يضع تلك السياسات والاستراتيجيات موضع التنفيذ. وفي تقديرنا انه لو وُجد مثل ذلك الاطار لما تمت مناقشة سد النهضة في الاطار الفني الضيق ولاشتركت في النقاش كافة اجهزة الدولة بفاعلية، اسوة بما يجري عليه العمل في كافة الدول. * وكيل وزارة العدل الاسبق