أحياناً نصاب باليأس والإحباط لإحساسنا في كثير من الحالات كأننا نؤذن في مالطا أو ننفخ في قربة مقدودة، ومع ذلك فإن مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية تحتم علينا قول النصيحة ولو على أنفسنا. إننا ندرك التحديات والمخاطر التي تواجه بلادنا وهذا يستوجب درجة أكبر من الحذر والحيطة ولكن ليس بتكميم الأفواه والأحكام المسبقة على الآخر بل وتصوير السيناريو وتأليفه والحكم عليه قبل حدوثه. إن الحكومة قبل المعارضة تدرك حجم المخاطر والتحديات والضغوط التي تواجه الوطن والمواطنين، ونحمد للذين بادروا بطرح مشروع للحوار الوطني لم يستثنوا منه أحداً ولكن هذا يتطلب مناخاً صحياً معافىً يعطي الآخر حقه في التعبير بل وحمايته لكي يقول رأيهً. من حق الحكومة أن تتحسب لأية محاولة تخريبية بحراسة من يريدون التعبير عن موقفهم السياسي تجاه ما يجري في الساحة من حولنا لا ملاحقتهم وتجريمهم مسبقاً. الغريب في الأمر أن بعض الغلاة في الحزب الحاكم يقللون من حجم وأثر الحراك الذي تقوده أحزاب المعارضة، ومع ذلك تحشد كل السبل والوسائل لمنع مظاهرة سلمية تنظمها كان على الحكومة أن تحميها خاصة وأن أحزاب المعلرضة أوضحت أهدافها ومسارها، دون أن تتخلى الحكومة عن واجبها في حماية الأمن العام والمنشآت العامة من أي إنفلات. إن منع أحزاب المعارضة من التعبير السلمي عن مواقفها تجاه ما يجري في بلادنا أو من حولنا سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان السياسي وستحدث انتكاسة سياسية تقفل شرايين الحراك السياسي الإيجابي بما في ذلك الحوار الاستراتيجي الذي بدأته الحكومة مع أحزاب المعارضة. إننا لن نيأس من انتصار تيار الحكماء والعقلاء في الحكومة والمعارضة لمحاصرة تداعيات أسباب الاختناق السياسي والاقتصادي والأمني لأن الوضع في البلاد لا يحتمل أية مغامرة غير محسوبة بإدعاء القوة أو الحكمة دون العالمين. علينا أيضاً أن نتعلم من تجاربنا في الماضي وتجارب الدول المحيطة بنا والانتقال بجدية أكثر نحو قبول الآخر والتراضي معه ليس من أجل اقتسام السلطة والثروة وإنما من أجل الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تؤسس لاتفاق قومي حول مختلف قضايا الوطن لتحقيق السلام في دارفور والحفاظ على وحدة السودان الباقي بلا مزايدات أو هيمنة أو إكراه. مرة أخرى لابد من قرار شجاع وحكيم بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين والصحفيين وفتح صفحة جديدة للسودان الباقي أو جمهورية السودان الثانية.