ذات جلسة (مراجعة) مع سفير السودان بايطاليا ربيع حسن أحمد حكى بأنّه حتى أوائل الستينيات كان المواطن السودانى اذا جهّز أوراقه استعدادا للسفر خارج السودان يكون ذلك عند الناس حدثا ... إذ كان السفر الى خارج السودان تصحبه دائما عبارة : كفّارة ! ومع تبدّل الفصول ودوران الأفلاك و حركة الشمس حول الأرض لم يعد الزمان هو الزمان ... فقد صار السودانيون ضمن أشهر الشعوب حاملة الحقائب فى الموانئ الجوّيّة و البحرية ... بل ربما يكون ترتيبهم الثالث بعد الهنود و اللبنانيين ! الآن فى تداول السودانيين لسيرة المدن صورة ترتبط بالمدينة ارتباط الاسم بصاحبه ... بين السودانيين اتفاق صامت حول الصورة الذهنية لبعض المدن ... فيربط السودانيّون بين سبب السفر لواحدة منهنّ دون سؤال المسافر ... فالسفر للأردن هو سياحة علاجية ولو كان المسافر ذاهبا لمشاهدة المبارة النهائية على كأس جلالة الملك بين الفيصلى والوحدات ! وهكذا الحال مع سلسلة من المدن والبلدان ... فالسفر الى الكمرون وافريقيا الوسطى يدل على أنّ للمسافر علاقة مباشرة باللوارى وتهريب السكر ... والسفر الى ماليزيا يعنى أنّ المسافر فى شهر عسل و لو كان ممّن (قضى وطره) فى الربع الأخير من القرن الماضى ... والمسافر الى العريش أو شرم الشيخ تلاحقه تهمة المغامرة بالذهاب الى اسرائيل حتى يثبت العكس أو تجيئ الأخبار بأنّ حرس الحدود المصرى أطلق عليه رصاصة (الرحمة) ! السفر الى هونج كونج من معانيه فى القاموس السودانى الحديث أنّ المسافر أجرى دراسة جدوى لمصنع أكياس بلاستيك ينتج كل المقاسات من كيس التمباك الى كيس النفايات ... والمسافر الى دبى هو تاجرشنطة على مستوى أكبر من الشنطة فهو تاجر بالة ... واذا رمى القدر مواطنا بالسفر الى الجماهيرية فتفسير ذلك إنّ هذا المواطن واحد من ورثة قررت الدخول فى زاوية ضيقة لمتابعة استحقاقات مالية للمرحوم الموروث منذ أيام أحداث الزاوية ! الصورة الذهنية للمدن الاوروبية أخذت (أشكالا) و(إشكالا) فى الخيال السودانى ... فهناك مدن اللوترى و مدن الجواز ومدن الزواج ... لكن مدينة اوروبية واحدة أخذت شكلا استثنائيا : لاهاى !!