الجانب الآخر، الاهم والأخطر في الانتخابات العامة المقبلة في ابريل 2010م يتمثل في دور الإعلام من القرية النائية إلى عواصم العالم، فلم يعد هنالك حدث أو واقعة أو تحول أو تغيير في أية بقعة في الدنيا إلا وعرف في لحظته، وأحياناً قبل حدوثه. فكيف يمكن ان نستخدم الإعلام بكل وسائله وأدواته وتقنياته الحديثة في الداخل والخارج لخدمة ما هو مطلوب ايجابياً لصالح السودان وأهله؟ وفي الانتخابات العامة القادمة بوجه اخص؟ يجوز الإمساك بدور الإعلام في الداخل وهو الأهم للإفادة القوية منه في شحذ الوجدان الوطني إلى أقصى المدى والهاب حاسة الانتماء والارتباط والالتزام، ودفع المعلومة والصورة إلى العقل السوداني بأن هذه الانتخابات العامة فاصلة وقاطعة وحاسمة في مصير ومستقبل السودان، وضرورة توحيد الإرادة الوطنية لتكون صلبة وناقدة وفاعلة ومفتحمة وان مسؤولية كل مواطن وكل أسرة المشاركة واختيار الأصلح والأصلب والأنفع للوطن كله، مرشح لا يعرف العصبية ولا العنصرية ولا القبلية ولا الجهوية ولا الجاهلية، وان وحدة الوطن وسلامته وأمنه واستقراره هو صميم القضية وقلبها. والتركيز على الشباب باعتبارهم أصحاب الحاضر وكل المستقبل في وطن متقدم ومتطور وآمن ومستقر وذلك عبر تعبئة واسعة مقنعة تستند على رؤية وخطة وجهد ومتابعة وبوسائل سهلة ومقبولة لأن الوعي السياسي لدى الجماهير متقدم ومستوعب، يكفي ان نتذكر كيف ان السودانيين في أول انتخابات عامة عام 1953م ساروا عشرات الكيلو مترات ووقفوا في صفوف طويلة ولساعات تحت اشعة «الشمس الساخنة» ليدلوا باصواتهم في صندوق الاقتراع بعد ان عرفوا ان نتائج هذه الانتخابات لأول برلمان منتخب تأتي بحكومة وطنية تحكم السودان، وقالت اللجنة الدولية المشرفة على الانتخابات العامة آنذاك في تقريرها الختامي «ان الوعي والحماسة لدى السودانيين وإقبالهم على الاقتراع ودون توافر أدنى وسائل المواصلات والاتصالات»، «ودون تسجيل أي نوع من الخلافات أو النزاعات أو التراشقات على أي مستوى حققت النجاح المنشود والمطلوب في أول عملية انتخابية كبيرة تمت في السودان»، وانه «اي الشعب السوداني» مؤهل للديمقراطية والنظام الديمقراطي». ولكن لاحقاً خذله السياسيون والعسكريون ودفع وحده ثمن الفشل المدني والعسكري في إدارة شؤون الوطن. وهو الشعب الوحيد الذي استخدم عبقريته ووحد ارادته في ازاحة أقوى نظام عسكري عرفته المنطقة في اكتوبر 1964م واسترد النظام الديمقراطي واقبل بحماسة وحرص على مراكز الاقتراع في فبراير 1965م، وهو ايضاً الشعب الذي اقتلع النظام القوي الذي أستمر ست عشرة سنة في انتفاضة ابريل 1985م واتجه بوعي لصناديق الانتخابات العامة في ابريل 1986م. لقد بثت ونشرت تقارير كثيرة ودعايات خبيثة ومسمومة مؤخراً ارادت التشكيك في وعي السودانيين ووطنيتهم وانتمائهم وعمدت إلى الترويج وأحياناً الترويع لدفع الأحباط وشرخ الثقة في النفوس وإلى حد تحديد مواقيت وجدول زمني لتفتيت وضياع السودان دفعة واحدة تماماً كما حدث للصومال، أو ما عانت منه لبنان ثم تجاوزته، يجب الأعتراف ان وعي السودانيين وصلابتهم وحده الذي أبقى على السودان الوطن، رغم الحروب والأزمات والصراعات والمهددات التي احاطت به من كل جانب، ولذلك فإن حملة التوعية والتعبئة والتبصير التي يقودها الاعلام بمضامينها الصحيحة ستصب في الاتجاه الصحيح لشعب يمتلك الحنكة والخبرة والحضارة والوعي الذي يجعله يسير عشرات الكيلو مترات قبل اكثر من خمسين سنة ليدلي بصوته في صندوق الاقتراع في أول انتخابات عامة 1953م. إنه يحتاج الآن إلى الاقتراب الذكي الحصيف ليتلقى المعلومة الصحيحة وبعدها فهو قادر على السير في الاتجاه الصحيح، إن نجاح الدور الاعلامي في التعبئة والتوعية والتبصير في الحملة الانتخابية على المستوى الداخلي -أي التي تمضى إلى كل بقاع ومناطق السودان -ستقود بالضرورة إلى نجاح مذهل لدى نقلها وبثها إلى المجال الخارجي، لأن الفضائيات والصحافة ووكالات الانباء تتقصى وتلاحق وتتابع كل حدث في العالم، وقد رأينا كيف تمت تغطية الانتخابات في بلدان كثيرة من الولاياتالمتحدة إلى ايران، إلى اليمن إلى لبنان والكويت وتونس وكينيا وزامبيا وجنوب افريقيا ومن موقع إلى موقع، وكانت احياناً اسبق من الدولة في ملاحقة الاحداث مثلما حدث في نيروبي وطهران، فالانتخابات العامة في أى بلد اصبحت شأناً عالمياً بالكامل، ولذلك فإن الفضائيات بدون استثناء ستكون حاضرة قبل واثناء وبعد اجراء الانتخابات العامة في السودان وعلى خلفية متابعاتها للشأن السوداني كافة من حرب الجنوب إلى معاناة الشرق إلى احداث دارفور إلى اتفاقية السلام الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلى حادثة سقوط طائرة النائب الأول وزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق إلى اختيار خلفه الفريق سلفاكير، ما من حدث إلا وله لديها ملفاته وبالكامل، وستكون التغطية من موقع إلى موقع، ومدينة لأخرى ومن منطقة لعاصمة وولاية في الجنوب أو الشمال أو الغرب أو الشرق وهو ما يحتاج إلى خطة اعلامية حاذقة متقدمة لتوفير المعلومات والصورة الصحيحة والتسهيلات المريحة والمتابعة المطمئنة، ومفوضية الانتخابات العامة وهي موضع احترام الجميع بقدراتها وخبراتها بمقدورها الاستعانة بمجموعة خبراء واكاديميين واعلاميين وصحفيين في هذا الجانب، كما ان المجلس القومي للصحافة مؤهل بحكم مسؤولياته ومهامه وقدراته على وضع خطة توعية وتدريب للصحفيين والاعلاميين في متابعة وتغطية مراحل الانتخابات من التسجيل إلى الترشيح إلى الاقتراع إلى إعلان النتائج، فلن تكون هنالك تغطية وافية وصحيحة بدون فهم وتوعية صحيحة. ليس أمام كافة السودانيين في هذه الانتخابات الأهم والأخطر سوى خيار واحد يهزم الاحباطات وتنبؤات الفشل.