مضت خُطا ما بعد الثورة متثاقله. صار لتداخل العسكر والجنجويد والتواجد المسلّح والإرتكازات للجنجويد في شوارع العاصمه طعماً حامضاً. إرتفعت أصوات بعض القيادات المدنيه تُشيد بدور هذه المليشيات وتسعى في توفير بعض سبل الراحه لهذا التواجد الشاذ رُغم التجاوزات التي ظهرت هنا وهناك ووضوح المسافه بين افرادها والمدنيه ورغم غرابة لسان البعض منهم. وطّدت هذه المليشيات وجودها و(وتّدَت) لنفسِها مكاناً وتدريجياً فرضت ذلك الوجود وصارت تقوم بعمل الشرطه وترتكب التجاوزات منها المُفضي الى الموت وإهانة المواطن وامتدّت الإهانات الى رموز الدوله التي كانت مقدسه ولم يوجد من يقف امام كل ذلك الأذى الكاسح الجاهل فكل القيادات عباره عن قيادات كرتونيه ونمور من ورق نُزِعَ عنها الحياء ونُزعت عنها الكرامه وصرنا ، إزاء هذا التساهل ، نسمع عن كيف ان ذلك كله ( تكتيك ) لعبور الفتره الانتقاليه بسلام وانّهُ لعبٌ بالبيضةِ والحَجَر وصرنا نُمجّدهم بما ليس فيهم وهذا يُبَيّن بجلاء عقليتنا البعيده عن المؤسسيه و الساعيه دوما لاختلاق الشخصيه الهلاميه وصناعة الديكتاتور. بعد ثلاثين عاماً من الإستعمار خرجت الشرطه مثخنه بجراحٍ تُنبئُ عن حالتها الحرجه دلّ عليه، بالصدق كُلُّه، سلوكها إبّان الثوره والذي كان لا فَرق بينه وبين سلوك جهاز الامن والمخابرات من تسوّرٍ للمنازل واستعمال القوه المفرطه فسقطت في عين الشعب ولم يكن هنالك من يُطيق مجرّد سماع ذكرها او الحديث عنها. ووردت الأنباء تترى عن سلوك قادتها وتدنيس الزي الشرطي في واقعة فض الاعتصام. هنا يثور التساؤل حول على من تقع المسؤولية عن هذا الأمر ؟ وبتسليط بعض الضوء على الأحداث نجد ان الإنقاذ قد أعملت قُدرتها كاملةً لثلاثين عاماً في جهاز الشرطه بصورةٍ مدروسه ومباشره مستخدمةً في ذلك كل الاساليب الممكنه واضعةً في إعتبارها دور الشرطه الطليعي والاساسي والمشرّف في إنتفاضة 1985. وفي الوسط الشرطي إرتفع اصحاب الحظوه من اتباع الموتمر الوطني الى الأعلا وكذلك الذين باعوا. وعندما قامت الثوره بدأت مشاريع الدفاع عن المصالح تأخذ طريقها الى السطح بعونٍ من العسكر الذين لم يهمهم سوى تأمين مواقعهم في السلطه فكان هذا من ذاك. قلنا حينها ان عدم وصول الثوره الى مكامن الداء لسوف يكون قاصمة الظهر. هنا ظهرت مصالح من نوعٍ آخر أخذت بتلابيب من تقدّموا لقيادة الثوره حيثُ تُرِكَ امر الداخليه للعسكر. في حينها عبّرنا عن استنكارنا وطالبنا بتصحيح الوضع ولم تكن هنالك حياةٌ او حياءٌ في مَن نُنادي. ومع أنّ عمل الشرطه ليس له ما يجمعَهُ مع عمل القوات المُسَلحه على الإطلاق فقد تولّى العسكر شأن الشرطه تحت دعوى الامن وتمّ وضعها بالكامل تحت إبطِهِم فصارت لا تتنفّس إلّا حين يُراد لها وباتَ اللّجام مشدوداً الى الخلف وباءت الثوره بفشلٍ ذريع داخل أروِقةِ الشرطه ولم يختلف شيئ عن ايام الإنقاذ الكالحه فكانت إجتماعات العهد المُقتَلَع تنعقد بكامل شخوصها كما كانت قبل الثوره وتخطيطهم المريض يسري على القوّه ويغلُّ يدها عن واجباتِها تشُدُّ حماية العسكر من عضدهم وتُوَفّر رُ لهم الحمايه فأينَعت كلِّ بذور الجريمه وأفرَخَت حدّ الإستفزاز ومد الألسُن في وضحِ نهارات العاصمه المثقله بكلِّ انواعِ المُعاناه.. كان ذلك كُلّهِ بعد تشكيل الحكومة الأولى. ونمضي في كلّ ذلك الفشل المُخطَّط له بعنايه طيلة هذه المُدّه ونأتي الى (نفس) الإستسلام من ناحيةِ السلطةِ التنفيذيه للعسكر وتوضع في ايديهم وزارة الداخليه (مرّةً أخرى) بعد تشكيل الحكومه الثانيه ليستمر الموّال وتبقى وزارة الداخليه في سجنها الأبدي رهينة سلطة الإنقاذ نتاجاً لخيانات و ( بيع ) لمعاناه إمتدت لثلاثين عاماً ودماء أُريقت وقبور جماعيه مجهوله وقبور ضمّها النيل الأزرق مُحَمّلةً بالكُتل الخرصانيه ومفقودين لا يُعرَف لهم مكان. باعوا وخانوا وما زالوا في مواقعهم كأنّ شيئاً لم يكن يمضون في المزيد إشباعاً لرغباتهم المريضه. وتأتي اتفاقية جوبا مُلقيةً بالمزيد من الخلل الأمني البيّن الذي يعرف حتى الأطفال معناهُ لتصبح عاصمتنا رهينةً في ايدي قوات بكامل تسليحها يعلم الله فقط متى ستنقدِح الشرارة الاولى لتصير العاصمه اطلالاً تنعقُ فوقها الغربان في غيابٍ تام للشرطه وربما القوات المسلحه. لم نسمع عبر تأريخنا عن أُمراءِ حربٍ يأتون الى مواقع قياديه ( زوراً وبُهتاناً ) منهم من قامت الثوره ضدّهم ومنهم من عمل مع المخلوع مصطحبين معهم ( حُرّاسهم الشخصيين ) في دولَةٍ تحترم نفسها. وقد بدأت الان ( بشائر) هذا الغزو في الإحتلالات لمقار في قلب العاصمه المغلوبةُ على أمرِها ويا ويل من يتحدث او يُشير فأقل ما سيوصف به هو العنصريه. بعد ثوره كان لها ثمنها نجلس الان على ارصفة الأسى ونحن نرى مواردنا ( ما زالت) تُنهب أمام اعيُننا الى شمال الوادي وعبر مطار الخرطوم الى كل العالم . نرى جبال الذهب قد افنتها مراويد المليشيات ونرى جنودنا يمارسون الإرتزاق في اليمن وليبيا. نرى القتل والحرق في دارفور وقادتهم الذين اتت بهم اتفاقية جوبا الكارثه يتشهون في المناصب والسيارات الوهيطه. نرى نفس شرطة الإنقاذ مكبّله تحت إمرة العسكر بمباركة السلطه التنفيذيه. نرى المحاكم المهازل التي ترتفع فيها أصوات ما كان لها لولا خَوَر سلطاتنا وسياسة التمليس التي برعت فيها. نرى المحاصصات تأخذ طريقها في سفورٍ و(بلا خجله) فيتبوأوا مناصب لا حقّ لهم فيها. ونرى لجان التحقيق وهي تمضي الى المزيد من التعثر الغير مبرّر. نرى مواطنينا يُقتلون ويُذلّون على ايدي المليشيات بلا حامي لهم وعندما لم يُشبِع ذلك نهم وغرور المليشيات إتّجهت الى ضباطنا في الجيش والى رجال شرطتنا ولا رادع لهم ولا ندري الى اين سيتجهون الان و حُكامنا يُطنشون صراخهُ وهو يُغتصب أمام اعينهم ولا قوة الا بالله. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.