السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث مصر وتأثيرها على السودان بعد الانفصال 3-3 .. بقلم: د. ابوبكر يوسف إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 07 - 02 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بلاغ للناس
إستهلالة : لما كان الشيء بالشيء يذكر أحيل القاريء العزيز لما كتبت بتاريخ 15/1 /2011 تحت عنوان (أحذروا ثورة الجياع فالجوع كافر .. والعاقل من اتعظ بغيره) ثم في 30/1/2011 كتبت تحت عنوان عواصف التغيير آتية لا ريب إن لم تستمعوا لأنّات شعوبكم ) أيضاً في 1/2/211 كتبت تحت عنوان (الشباب غير المسيس هو مفجر الثورات.. فهيهات أن تسرقوها أيها السادة) محذراً ومناشداً ؛ فها هو على الرئيس عبدالله صالح يتنازل في حركة استباقية من كل ما كان يصر عليه؛ وها هو يتنازل مرغماً عن إصراره وعنفوانه بعد أن بدأت ارهاصات الثورة تبدو في أفق عرش بلقيس ومملكة سبأ!!
تحدث الثورات دوماً على أكتاف وعاتق الشباب وطليعة الأمة ، تحدث عندما تضيع المنظومة القيمية ونتوه ونحن مدركين أنه لا بد من بوصلة لتصحيح المسار والاتجاه ؛ التصحيح يحتاج لجيل لديه قوة المصادمة مع التقليدي الذي جرده من كينونته الوطنية ؛ فعند اشتعال الثورة فلها قوانينها الخاصة بها ؛ قانونها هو إصرار الشباب على التغيير وتحقيق أهداف ثورته ولن يتراجع مهما حاولت الأحزاب التقليدية التوسط بينها وبين الأنظمة الشمولية الحاكمة التي تتجمل بها كقناع ديمقراطي زائف ؛ ففي قانون الثورة فالاثنان لا يختلفان ، لأن هناك فجوة بين الجيل الثائر وتلك الانظمة الشمولية وكذلك الأحزاب التقليدية المهترئة ؛ إنها أزمة ثقة ؛ فمن تجارب الشباب أن الديكتاتور لا يتنازل ولا يفي إن وعد ، والنخب الحزبية التقليدية ما هي إلا مجموعة من الساسة الكاذبين الذين تعودوا التسلق على أكتاف الثوار واجهاض ثوراتهم وتجيير نجاح ثوراته الشعبية لتسطو الأحزاب فتعود وتطل بوجهها مرة أخرى فيصبح الحال كما الدوامة أو الساقية ؛ وهذا أصبح مكشوف بحكم التجربة وغير مقبولٍ للشارع بطلائعه الثورية كالشباب والقوى الحديثة والغالبية الصامتة.!!
الأمة هي تاريخ حضاري تخطه يد المواطنة الحقة والمساواة فيها في الواجب والحقوق ؛ أما الأمم المسخ هي تلك التي بلا هوية ولا ذات ؛ لغياب العدالة ؛ الحقوق والحريات؛ خاصة حرية التعبير عن الرأي ؛ لذا فالأمم المسخ هي تلك التي جثم على صدرها طاغية جرد مواطنيها من رجولتهم واناثها من انوثتهم الوطنية ؛ فتصبح أمة تعيش على هامش الوطن في ذل ؛ إنها أمة منكسرة ومنكسة الرأس . وبالتالي أول من يرفض هذا الخنوع هم جيل الشباب الباحث عن المستقبل حتى وإن صبر على الطغاة طويلاً بل ويحتقر الرموز المستكينة التي تبحث عن الفتات في مائدة الحكام الطغاة ؛ فكيف لأنظمة جردت الأمة من مقوماتها القيمية فتسببت في تشويه الهوية وإهانة الذات أن تحقق تطلعات شبابها؟!
لذا حينما أدرك الشباب هذه الحقائق انتفض وثار على الفساد والمفسدين والطغاة المتجبرون ؛ ثار على كل ما هو قديم, ويبدو أنه لن يتراجع حتى لو استشهد نصفه، فليس لديه ما يخاف منه فقد كسر حاجز الخوف والصمن ، ويصر على تحقيق هدف أوحد هو انتصار ثورته ووصولها إلى مقاصدها . الشباب في تونس أو مصر أو الجزائر أو اليمن بسط أنموذج العبور فوق ضفتي البحر الأحمر لأول مرة في تأريخ التطلع العربي بعد أن تمكنت الصهيونية والاستعمار ومصالح متعددة الأطراف والأوجه من قطع تلك الهمزة من الوصل العزيزة على نفس كل عربي والتي أنجزتها نهضة العرب بالإسلام صدرا وخلافة وفتوحات ؛ لذا فإن انفصال جنوب السودان عن السودان الأم مثّل أولى إرهاصات عدم الوثوق بهذه الأنظمة وقياداتها التي غُيبت في غيبوبة التوريث فغابت عن وعيها القومي وتركت خاصرتها تنهشها قوى التجبر والاستكبار حتى وإن اقترب النهش من جسدها أيضاً كانت لا تبالي و قد ضحَّت بتضامن الأمة ومقدراتها وعزتها فرهنت القرار السيادي القومي إلى الأجنبي، وكانت تأتمر بأوامر الغرب وما زالت حتى اللحظة، لذا فهي تتحمل مسئولية تفريطها في الجغرافية القومية للأمة فما بالك بالبشر واهانتهم وإذلالهم من قبل قواها الأمنية وهي أصلاً لا تلقي لهم بالاً ولا قيمة ؟!
الشباب يرى أن هذه النخب الشمولية والحزبية التقليدية أصبحت خارج دائرة الزمن ولا تتورع من أن تقايض قضايا الأمة من اجل مصالحها الذاتية؛ هي نفسها ساهمت في بناء جدار العار الفولاذي لمحاصرة غزة ضمن سيناريو أمريكا في توظيف دول الطوق التي سبغ عليها الغرب مصطلح دول الاعتدال ومهمتها الاساسية هي حماية حدود وأمن اسرائيل وتساعد بفاعلية مع محمود عباس ودحلان ومن هم في شاكلتهم على هدم الانفاق على رؤوس أهالي غزة الجوعى ؛ والثمن هو توريث كرسي الحكم ؛ وهذا يعني أن التوريث أهم من حياة شعب غزة وأغلى من الدم العربي المسلم المراق؛ إنهم طغاة باعوا كل شيء حتى الكرامة والعزة ولا يتورعون في التضحية من أجل ذلك بمصير ومستقبل وشرف الأمة ؛ هذه الطغم لا تمانع في التفريط بأي قيم ومباديء وبل وتعمل على مقايضتها في سبيل البقاء في الساحة ؛ إنها نخب حاكمة وأحزاب متآمرة ضد شعوبها تنكرت لمسئوليتها القومية والعقدية . من يرغب في توريث الحكم لأحد أبنائه فهو يضع نفسه برسم التآمر؛ ولا ضير لديه أن يصبح عرضة لابتزاز الغرب الذي لا يهمه غير تحقيق أجندة مصالحه ومصالح حلفائه ، فالغرب لا يهمه أي حاكم ديكتاتوري أو ديمقراطي يحكم الشعوب العربية والافريقية ولكن حيثما يوجد من يحافظ على مصالحه عندها صوته سيخفت ولا يرتفع إلا إذا خرج الحاكم عن خدمة صالحه .
إرادة التغيير لدى الشباب أذهلت الغرب فما كان يتوقع أن يمسي حلفائه بهذه الحال ؛ وعندما اسقط في يد الغرب بدأ لعبته التافهة وهي معروفة ، وهي امساك العصا من النصف تارةً باتجاه الشباب كأنه يؤيد ثورته ورفع شعاراته المستهلكة من حقوق انسان وحرية تظاهر .. الخ ؛ الشباب ليس في حوجة لهكذا منافقين ؛ الشباب يعتمد على قوة ثورته وزخمها الجارف ؛ الغرب لا يتورع أو يستحي من التضحية بصنائعه حلفاء وأصدقاء الأمس في سبيل المحافظة على مصالحه، وهكذا عهدنا تصرفاته ؛ والتاريخ يشهد على خسته فأين الشاه وأين ارستيد وأين أورتيجا؟!
علينا أن ندرك تماماً أن الشعب أصبحت تقوده قوى الشباب الرافضة للهيمنة والأحزاب التقليدية والشمولية ؛ لأن إهمال الأنظمة التي تدعي أن أمنها قادر على تكميم افواه الشعب وقمع شبابه؛ هي أنظمة خارج نطاق منطق العصر والتحولات، إنها لا تعيش ايقاع التقنية السريع الذي جعل من العالم قرية صغيرة بفضل ثورة وتقنية المعلومات والاتصالات والاعلام الفضائي اللحظي الذي ينقل الصورة والصوت لحظياً ؛ هؤلاء هم جهويو القرن الواحد والعشرين لأنهم يزعمون أن التشرنق خلف حدود الدولة يحصنهم من عيون وآذان وأفواه شعوب العالم ... هؤلاء الطغاة واهمون وعلى العاقل منهم النزول من برجه العاجي والتصالح مع شعبه مباشرةً دون واسطة أو وصاية من كثير من الأحزاب المهترئة.. التصالح مع الشباب وقياداته الحكيمة العاقلة المستقلة واحترام خياراته!!
إن الشباب هم القوة التي تمسك اليوم بزمام ومقاليد الثورات وذلك لغبنٍ أصابه ولشعوره بأن كبرياؤه قد طعنت وكرامته قد أهدرت ؛ حتى اطمأن الطغاة فاعتقدوا أن رجولته الوطنية قد أخصيت. هذه الانظمة المهترئة والمترهلة بالانتهازيين والسرقَة وكذلك الاحزاب النفعية الملتفة حولها إنما هما يتسابقان فيما بينهما جرياً لقطف ثمار انتهازيتهما؛ لذا فإنهما يعتقدان أن بمقدورهما أن يخدعا الشباب ويساوماه على آماله وتطلعاته عسى أن يتمكنا من الالتفاف حول ثورته ليجيرا نصرها لمصاحتهما، وهما يتسابقان والاسرع منهما ينال الغنيمة!!
بهكذا أسلوب وصولي رخيص تتعامل هذه الاتظمة وتلك الأحزاب فلا تبالي من مرمطة سمعة الأوطان ورهن سيادتها للغرب وامتهان كرامة انسانها بل ولا مانع لديها من أن تتنازل لأعداء الأمة عن مقدراتها مقابل التزام الغرب بحماية كراسيها وبذلك تهوي بمصداقيتها إلى حضيض الحضيض وهاوية السقوط وهي مصداقية مشكوك فيها اصلاً. هؤلاء الطغاة يستأسدون على الأصغر والأضعف من الدول الشقيقة في حال أي اختلاف.. طغم تخزن السلاح لتضرب به شعوبها واشقائها وهذه هي الخطيئة التي ارتكبها يرتكبها سياسيو ومثقفو ومنظرو زمان المساومات والانتفاع والاستسلام والخنوع والبيع في أسواق النخاسة ، إنها طغم أوصلت شبابنا إلى هذا الحد من الشعور بالاحباط والإحساس حتى ايقن بأن لا أمل يرتجى في تصحيح هذه الطغم ؛ وعندما اقتنع الشباب بالمهددات والخسارة التاريخية لكينونته ؛ وتعرض حقوقه الانسانية وحقه في البقاء والحياة بكرامة في المحك فثار كما التسونامي.
لقد أوغلت تلك الطغم الغاشمة الجاثمة عنوةً وقسراً على صدور بنات وأبناء شعوبهم وفي تطبيع الأمة على الجبن والاستكانة وهي أمة ليست جبانة ؛ أمة حينما تنتفض تصبح كالسيل الجارف لا يتردد في جرف الطغاة من طريقه حينما تمادت طغمة الطغاة في تجهيلها له ؛ أليست هي أمة اقرأ وأمة حضارات ارتقت بعلومها وآدابها في كل بقاع الدنيا ؟! ؛ ألم تكن تقود ركب العلم والمعرفة يوم كان العالم كله يبتغي العلوم منها وكانت تلك الدول في ذيل قائمة التقدم الفكري والانساني؟!
إنها أمة ذهبت للآخرين في أماكنهم لترفدهم بالعلوم، ولم تنتظرهم حتى يأتوا طلباً له , أمة بنت وساهمت في تكوين وبناء الحضارة الانسانية فأهدت نظم الزراعة والري وأنتجت الحرف والكتاب وعممته على الخليقة ؛ وأنتجت في بابل العربة والصحن الفخاري، وكانت صلتها بالله سبحانه وتعالى أعظم علامات بروزها حيث وهبها من بين أهلها رسلا وأنبياء يأتون من ذاته المقدسة جلّ في علاه ؛ كل قوانين التمدن عبر إنزاله الكتب والديانات واعتماد الأمة بالأعم الأغلب أو حصرا وتحديدا لبثها ونشرها وحفظها فوق صفحات سِفر التاريخ الإنساني. أمة أجبرت الدنيا على أن يكون لها تأريخان احدهما روحي والآخر مادي. فهل تستحق شعوب هذه الأمة من حكامها هذا الهوان وكل هذا الهوان؟! هل تستحق من أبنائها الذين وثقت فيهم كل هذا العقوق والجحود؟! هل يمكن لحاكم أن يفرض وصاية على مثل هذه الأمة ؟! اللهم إلا حاكم جهول لم يقرأ تاريخ أمته ويدعي المعرفة أو هيأت له بطانة السوء أنه العالم العلامة والبحر المحيط فلا يأتيه الباطل من بين يديه أو خلفه.؟!
آن للأحزاب التقليدية المتكلسة التي تعتقد أنها أقرب للشعب وهي في واقع الأمر تعيش في حالة انفصام عضوي منه أن تنأى بنفسها وتخلد إلى سبات شتوي لتضمن سلامتها. على رموزهذه الأحزاب أيضاً أن تنتهي عن ممارسة التدليس والكذب والنفاق واللجوء إلى شعارات روحية طائفية لتتسول بها نيل رضا الشعب؛ إن عوار واعتوار خطابها المزدوج لن يجلب لها إلا غضب بعد غضب ؛ وحقد على حقد حتى وإن ترآى لها أن الشعب وخاصة شبابه قد استكان وغاب في سبات عميق فيمكن باسمه ارتكاب كل الموبقات السياسية؛ لقد استمرأ الحكام والاحزاب المتكلسة وقياداتها المسنة الزعم بأنها تملك زمام وقيادة الشباب حين قدمت أفراد من أبناء أو بنات البيوتات الحزبية وتقديمها لمسرح ومقدمة المشهد السياسي عسى أن تجمل صورة تلك المؤسسات الحزبية الشائخة ؛ إن في ذلك استخفاف بعقول الشباب والشارع بأغلبيته الصامتة وقواه الحديثة بل وفيه تنكر لروح العصر ومعطياته .
لقد استخفوا واستهتروا بزخم وعنفوان وقوة الشباب فحكموا عليه بمظهره وسوء تقدير لمواهبه؛ فالشباب هم الفئة الخلاقة المبدعة ،هم الجيل الواعد وبناة المستقبل ؛ أما إن عجزوا عن إيجاد قنوات للحوار معه وإدراك رغباته وآماله وتطلعاته السياسية فهذا دليل على قصر نظرهم وأنهم يعيشون خارج نطاق الزمن والواقع ؛ وفي هذا اعتراف ضمني بعجزهم عن سبر غوره فأكتفوا بالاستهزاء على مظهره العام أو وصمه بالجهالة وتناسوا أن هناك رابط احترافي بينه وبين تقنيات الاتصال وسرعتها في تكوين الآراء والمواقف وتبادلها ؛ لم تتفكر تلك الطغم الحاكمة والأحزاب المتكلسة فيما يربط هذه الفئة العمرية من وسائل تتيح له سرعة الاتصال والتواصل ، كما أن توظيف هذه التقنيات قد جنبه الملاحقة ووفر له الحصانة من بطش واعتقالات ومطاردة زبانية تلك الانظمة الفاسدة التي لا تتورع من القيام بأي عمل خسيس يمكن أن يصل لحد القتل إن كان ذلك يؤمن لها الاحتفاظ بالسلطة وقمع كل معارض. الآن اصبح الشباب يجتمع اسفيرياً وليست الاجتماعات التي كانت تعقد في البيوت والحدائق وتمكن زبانية أمن الأنظمة من اعتقال الثوار بسهولة ويسر. الآن أصبح بمقدور الشباب أن ينظم ثورته الكترونياً ، دعك عن مجرد اجتماع.
من غباء الأنظمة المستبدة أنها عندما يهب الشباب ثائراً تكون أول ردات فعلها قطع خدمات الشبكة العنكبوتية ؛ ومواقع التواصل الاجتماعي؛ ويتعمد قطع الايميل وايقاف خدمات الهاتف الجوال ؛ فهل انظمة واحزاب بمثل هذه العقلية التقليدية والتي تتصرف بهذه السذاجة والعبط المختلط بالرعونة وموقفها المحارب للتقانة والتقنيات المتقدمة يمكن ان تنال احترام شعوب الامة ناهيك عن شبابها؟! أليس قي هذا دلالة انفصام فكري حتى عن شباب عائلاتهم وأنها لم تستشعر التطور الفكري وإنما تدل على عقلية متخلفة لا تواكب التطور وتعجز من أن تتعامل مع شريحة الشباب لتلبية تطلعاته وإدارة حوار معه للتعرف على مدى نضوجه الوطني؟! تلك الطغم الحاكمة الغاشمة والأحزاب التي تجاوزها الزمن ما زالت تعتقد أن ايقاف عقارب الساعة ممكناً أو ارجاعها للوراء ميسراَ وتخدع نفسها بامكانيتها لوقف زحف وزخم تطور وتقدم التقانة والتقنيات المتقدمة(High Tech. The) ؛ بل ومصادرتها ؛ كما أنها تجهل وتتجاهل أننا دخلنا عصر التقنيات المتناهية الصغر (Nano Technology) أليس في مثل هذ المستوى من التفكيردلالة على أنها تعاني من العبط السياسي؟! . هل تتوفر لمثلهما إرادة تواكب فكر ومتطلبات الشباب ومجريات عصره؟ .. لا أظن!!
هناك رموز وطنية فكرية وسياسية مستقلة في مصر على سبيل المثال لا الحصر كالاستاذ عمر موسي والدكتور أحمد ابو المجد والكتور محمد سليم العوا والاستاذ فهمي هويدي والدكتور يحيى الجمل والدكتور محمد ابوالغار والدكتور أحمد زويل والدكتور فاروق الباز والاستاذ مصطفى بكري والقانوني علاء عبد المنعم وهذه رموز وطنية وفكرية وسياسية يثق فيها الشباب ويجلها ويقدرها كثيراً وهي ذات الشخصيات التي قام بتسفيها أحمد عز وشلته؛ رموز تتمتع بحسن السيرة وعفة اللسان وطهارة اليد وق تم تجاهلها من قبل رموز النظام والذي يعتمد على الشللية وجماعات تخصصوا في سرقة الاقتصاد. فبدأ بالتخصخصة التي هي فرصة للنهب المنظم والثراء الحرام , بينما الشباب لا يجد وظيفة ومنهم من تخرج في الجامعات وما زال يجلس متعطلاً منذ عشرة سنوات فأكثر, والدولة التي أستقطبت بعض رجال اعمال من المفسدين الذين اصبحوا بقدرة النظام ساسة كأحمد عز وجرانة من أبرز وزرائها من "المهليباتية " المتخصصون، فهل يعقل أن يكون مثل أحمد عز كأبرز قادة الحزب الحاكم من الذين يقررون سياساته ؛ فأحمد عز مثلاً كان مصنعه المورد الأول للحديد لإسرائيل عندما أرادت بناء الجدار العازل . أمثال هؤلاء الفسدة لم يهينوا كرامة شعب مصر لوحده بل أهانوا كرامة الأمتين العربية والاسلامية.!!
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان على الغرب الذي يعتاش على الاحتراب وصناعة السلاح البحث عن عدو محتمل جديد ؛ فوجدوا ضالتهم في الاسلام وبدأوا في وضع التدابير والسيناريوهات المشبوهة لتحقيق هذا الهدف . بدأ التنفيذ بغزو أفغانستان تحت شعار محاربة القاعدة وبن لادن بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي في (11سبتمبر)؛ بعدها تم غزوالعراق تحت شعار تدميراسلحة الدمار الشامل ؛ وها هي فلسطين تحت الحصار ؛ وها هو جنوب السودان قد انفصل وها هو جنوب اليمن ينادي بالانفصال وبدأت الفوضى الخلاقة تدب في اليمن كما بدت ارهاصات انفصال كردستان العراق وها هي الجموع تبدأ في العراق في التظاهر ضد حكومة المالكي وهو أتى عبر ديمقراطية أمريكا التي فرضتها بعد غزوها العراق.. اركان حكومة الاحتلال يحاولون تفادي عدوى الاحتجاجات فيعلن المالكي أنه لن يترشح لولاية ثالثة وأبناء الرافدين يطالبون بالتغيير كما أن الاخبار الاتية من الجزائر تعلن تململ الشباب وقد بدأ يأخذ طريقه للشارع.
إن هذه الانظمة وجدت في جماعة الاخوان المسلمين فزّاعة لابتزاز الغرب ليحميها من شعوبها واستدامتها على كراسي الحكم بل وتوريثها، لماذا يخاف هؤلاء الحكام شعوبهم إن لم يرتكبوا في حقه الجرائم والفظائع. علينا أيضاً أن نذكر أن جماعة الاخوان أكدت عدم رغبتها حتى في ترشيح أي من رموزها لرئاسة الجمهورية وأعلنوا أنهم ليسوا طلاب حكم ؛ وبذلك أسقطوا الفزاعة التي كانت الانظمة تستدر سند الغرب ليبقوا في سدة الحكم بحسب أنهم الأوفى له والمنفذين لأجندته والحفاظين لمصالحه. حقيقة حاولت أن أفهم جينات هؤلاء الحكام وقادة الاحزاب التي أدت بهم لهذا الجنون الذي لا كابح لجماح شهيتهم للحكم ، إنه فيروس خطيراصاب الحكام وقادة احزابنا المتكلسة وقد بلغوا ارزل العمروما زالوا يحاولون العودة ليجثموا على صدورنا ؛ أليست هذه ظاهرة تستوجب الدراسة؟!
أختم بنقل بعض ما جاء في مقالات أحد الصحف الاسرائيلية عن مدى علاقات عمر سليمان من منظور ومن دون تعليق من جانبي : كتب " يوسي ميلمان " في صحيفة " هاآرتس " الإسرائيلية في 20/1/2009 ، مقالاً بعنوان : ( إسرائيل تراهن على صفقة مع حماس في غزة على رئيس المخابرات المصرية ) . عمر سليمان شخصية معروفة وبشكل جيد من قبل العشرات من كبار مسؤولي المخابرات الإسرائيلية ، وكبار القادة العسكريين في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ، وكذلك رؤساء وزارات ووزراء إسرائيليون . لقد حافظ ومنذ تسلمه منصبه كرئيس للمخابرات المصرية عام 1993 على علاقات وثيقة ومستقرة مع معظم رؤساء مؤسسات الخدمات السرية الإسرائيلية مثل الموساد ، وشين بيت ( الأمن الإسرائيلي ) ، والإستخبارات العسكرية الإسرائيلية . هذه العلاقات التي تجاوزت الطابع الرسمي الى علاقات صداقة شخصية ، فمثلاً هو يتحدث مع " شابتاي شافيت " أحد الرؤساء السابقين للموساد ، وفي جلسة خاصة عن عائلته وكيف أنه فخور بأطفاله الثلاثة وبأحفاده ! إن كل من إلتقى عمر سليمان أعجب بمظهره وشخصيته التي تدل على الإحترام ، والتي لاتفتقد سلوكيات وتصرفات القيادة الناجحة .
يروي أحد رجال المخابرات الإسرائيلية ، أنه وفي لقاء ليلة السبت مع سليمان وممثلين عن وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية في بهو أحد الفنادق ، أنه لاحظ أن الوزير سليمان مد يده وأفرد بين أصبعيه ، وفجأة وخلال لحظات تقدم أحد رجاله ووضع السيكار بين إصبعيه . لقد أعطت تلك الحركة من يده لنا وللأمريكان الإيحاء للجانب الآخر من شخصيته القيادية القوية على الرغم من طريقته الهادئة والمؤدبة في الكلام ، وكذلك لايخفى أيضاً أنه أنيق في ملبسه على الدوام . ويضيف رجل المخابرات الإسرائيلي : لن أنسى كيف أنه أي عمر سليمان وفي لقاءٍ لنا مع بداية الإنتفاضة الثانية ، كيف إنتقد ووبخ عرفات وذلك عندما شعر أن عرفات لم يأخذ بنصائحه قبل الإنتفاضة ! ..وعندما قامت إسرائيل بعمليتها العسكرية " الدرع الواقي " ضد السلطة الفلسطينية في عام 2002 ، أضطر عرفات للتوسط لدى سليمان راجياً إياه بإتخاذ بعض الخطوات ولو بشكل رمزي للإعراب عن إستيائه مما يحدث .. إلا أن عمر سليمان لم يلتفت الى طلب عرفات وأهمله ومكّن اسرائيل من المضي قدماً في حصار السلطة الفلسطينية لدرجة قاربت من إنهيارها بالكامل . !!

--
Dr. Abubakr .Y. Ibrahim
(Bsc Mech.Eng.,MBA ,PhD HR)
abubakr ibrahim [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.