تحرّك فعّال للتسوية..اجتماع مثير في تركيا حول حرب السودان    تقارير عن فظائع بينهما إعدامات واغتصاب ممنهج منذ سيطرة الدعم السريع علي الفاشر    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    غرق مركب يُودي بحياة 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً    أردوغان يعلن العثور على الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة    أبياه يستدعي السداسي والخماسي يغادر رواندا    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اشتراطات الكاف تجبر المريخ على إزالات حول "القلعة الحمراء"    وزارة الصحة تناقش خطة العام 2026    العلم يكسب الشباب في دورة شهداء الكرامة برفاعة    إكتمال الترتيبات اللوجستية لتأهيل استاد حلفا الجديدة وسط ترقب كبير من الوسط الرياضي    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    كأس العالم.. أسعار "ركن السيارات" تصدم عشاق الكرة    تقارير تكشف ملاحظات مثيرة لحكومة السودان حول هدنة مع الميليشيا    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد.. المذيعة تسابيح خاطر تعود بمقطع فيديو تعلن فيه إكتمال الصلح مع صديقها "السوري"    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية يهاجم تسابيح خاطر: (صورة عبثية لفتاة مترفة ترقص في مسرح الدم بالفاشر والغموض الحقيقي ليس في المذيعة البلهاء!!)    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التتار الجدد: عن العشوائية الانتقائية والفوضى الممنهجة وتدمير المدن.. بقلم: السفير موسس أكول
نشر في سودانيل يوم 23 - 01 - 2015

في كتابهما بعنوان " Why Nations Failاو لماذا تفشل الامم"، يتحدث الكاتبان دارون إسيمقولو وجيمس روبنسون عن التدمير الخلاق والتلقائي الذي ينتج جرائه قيام مؤسسات سياسية او اقتصادية حاضنة او شاملة (inclusive institutions) على انقاض اخرى إستغلالية (extractive institutions) منغلقة على نفسها وفاقدة القدرة على التنافس للبقاء على قيد الحياة في ظل المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي تجتاح الامم بين الفينة والاخرى. ويقول الكاتبان أن مثل هذا التدمير البناء قد يبدو عشوائي وفوضوي من الوهلة الاولى، إلا أنه إنتقائي وممنهج ويحدث تلقائيا وفق مراحل وحلقات اقتصادية او سياسية واضحة المعالم. ويصف الكاتبان بعض هذه الحلقات بالفارغة vicious cycles)) او المغلقة والتي لا تكتمل دورتها الا أن تبدء دورة جديدة، ويشير الكاتبان الى أن هذه الحلقات او الدورات هي التي تخرج من صلبها المؤسسات الحاضنة والفاعلة. كما يُذكِر الكاتبان بالحلقات الاخري (virtuous cycles) والتي تتكون من ردود الغعل الجماهيري الايجابي والقوي لظهور المؤسسات الحاضنة، كما تلعب حلقات ردود الغعل الايجابي هذه الدور الاساسي في حماية المؤسسات الجديدة من المحاولات الرامية لوءدها في مهدها. ويخلص الكاتبان الى انه بفضل حلقات ردود الفعل الايجابي هذه، وعلى انقاض المؤسسات البالية، تزدهر المؤسسات الحاضنة للجميع والتي بدورها تساعد على إزدهار المؤسسات الشاملة، والتي على خطاها تدور عجلات التنمية نحو مستقبل مشرق ، ومن ثم تزدهِر الشعوب والفنون، وترتقي الامم لرفعة البشرية وحضاراتها المتنوعة.
ليت مقالي هذا بصدد هذا التدمير البناء والتلقائي للمؤسسات السياسية والاقتصادية والتي أكل الدهر عليها وشرب, والتي من المؤمل أن تخرج من بين حطامها مؤسسات حديثة تلبي متطلبات وطموحات الانسان العصري. ليت مقالي هذا عن تدمير المؤسسات السياسية والاقتصادية التي تكبل عجلة التنمية، وعليه اذا كان الأمر كذلك لطالبنا بقوة بالمذيد من التدمير العارم للمؤسسات والمدن حتى تتكشف للإنسان سبل اُخرى لتطوير حياته، وهذا لإدراكنا اليقين بأن العصر الحجري لم ينتهي بسبب نقص حاد في الحجارة بل لأن الإنسان في بحثه الدؤوب لتطوير سُبُل كسب عيشه قد إكتشف وسائل جديدة ناجعة لتحقيق مآربه وتلبية حوائجه.
لكننا نكتب اليوم، للأسف الشديد، عن الجانب المظلم للتدمير العشوائي والغير تلقائي كالذي مازال بعض مدن جنوب السودان تكتوي بلهيب نيرانه منذ منتصف شهر ديسمبر من العام ۲013م.
لقد تعرضت في وقت وجيز كل من مدينة بور وبانتيو وأيود وسكانها لقتل ودمار وخراب ممنهج لم تشهدها هذه المدن حتى عندما كانت الحرب الاهلية في ذروتها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
أما مدينة ملكال، حاضرة ولاية أعالي النيل المكلومة، فلقد نالت أكثر من نصيبها من الحريق والدمار قل أن يجد المرء لها مثيل الا في أضابير التاريخ ، إذ طال الدمار المدينة أكثر من ثلاث مرات خلال ثلاثة أشهر وذلك على أيدي جهات مختلفة لا تجمعها سوى قدرة خرافية على القتل والنهب وإحداث دمار شامل على أوسع نطاق ممكن. وعليه قضي الآلآف من المواطنين نحبهم جراء مجازر وإبادات جماعية اُرتُكِبت بوحشية لا تترك مجال للشك عن مقاصدها.
تعمد المخربون الجدد إثارة دخان كثيف من الرعب والفوضي الممنهجة لكي يتسنى لهم تنفيذ قتل عشوائي لأفراد الاثنيات المستهدفة في المدينة وضواحيها. ولما كانت سياسة حرق الأرض هي العقيدة القتالية السائدة لدي التتار الجدد، حُرِقت المنازل وهُجِر السكان الى مقار الامم المتحدة، وتمت ملاحقة النساء والأطفال أينما اختبأوا، وقُتِل المرضى بدم بارد على فراش الموت في المستشفى، كما لم يسلم الذين إتخذوا من دور العبادة ملاذاً من العنف، إذ قتلوا ببشاعة تنفطر لها القلوب حزناً.
والآن، وبعد عام ونيف من التدمير العشوائي شكلاُ والمُمنهَج جوهراً ومقصداً، وبعد أن اُبيدت المدينة العريقة عن بكرة أبيها ولم يعد لها اثراً، هنيئاً للبصيرة ام حمد وقومها إذ نحروا ثورهم وكسروا جرتهم في آن واحد. هاهي مدينة ملكال ترقد اليوم على ضفاف النيل وحيدة كجثة هامدة سبقها أهلها الى القبور ولم تجد من يشيع نعشها. لقد أمست احياء المدينة غابات من الحشائش والركام والأطلالاً تتنذه فيها الذئاب اللعينة والكلاب الضالة، وتحوم في سمائها الطيور الجارحة بعدما كانت المدينة في وقت سابق تحتضن واحدة من أكبر حدائق الحيوان في البلاد حيث كان المرء يتنذه مع اُسرته في أمان بينما الاطفال يطعمون الطير والحيوان من أكف أيديهم البريئة.
لقد تبدل المشهد اليوم، إذ يشاهد المرء الانسان في ملكال هائم على وجهه، فاقد الوعي، شاطح النظر، يتحسس خطاه بحذر بين الحشائش والأعشاب التي إتخذت من قارع الطرقات مرتعا والتى لم تعد تخفي الجماجم والجثث العارية. لم يعد للإنسان في هذه المدينة مأوى يحتمي به من وابل الرصاص العشواي، ولا مفر له من رصاصة القناصة المصوبة على رأ سه مع سبق الاصرار. وليت المصائب تتوقف عند هذا الحد. بعدما قتلوا من قتلوا من سكان المنطقة، وبعدما سلبوا قوت وكرامة من فر بجلده، هاهم التتار الجدد يسعون الآن لسلب لسان إنسان ملكال المقلوب على أمره، ذلك الانسان الذي يجيد التحدث بثلاث لغات جنوب سودانية فضلا عن اللغتين العربية والانجليزية. إنهم الآن يريدون تشويه ملامح لغة مواطني المدينة كما فعلوا بالجثث وذلك بإقحام مصطلحات دخيلة تتنافى في جوهرها مع القييم الحميدة التي تميزت بها المنطقة. وعليه، وعلى سبيل المثال، لقد دخلت كلمة ((مِسكول)) الانجليزية قاموس لغة ((الرندوك) التي يطنطن بها بعض الصبية الذين استمرحوا القتل العشوائي الممنهج في المدينة وضواحيها، إذ تعني الكلمة في لغتهم الغريبة هذه الرصاصة التي لم تصيب هدفها!
والآن وقد إكتمل الدمار ولم يعد هناك ما يشير الى إن ثَم مدينة قد إزدهرت حتى وقت قريب هنا على ضفاف النيل لقرن ونيف من الزمان، قد يجد المرء الف عذراً إذا ضج في عقله الأسئلة التاليةً:- ماهي ياترى المؤسسات الإستغلالية (extractive institutions) التي أراد التتار الجدد إزالتها بتدمير هذه المدينة؟ وماهي ياترى المؤسسات الحاضنة والشاملة (inclusive institutions) البديلة التي يريدون أن تحل مقام ما دمرته أيديهم؟ ومن ذا الذي ياترى سيقوم ببناء هذه المؤسسات ورتق النسيج الإجتماعي وإعادة الحياة لهذه المدينة التي كانت متسامحة مع أهلها ومع نفسها كبوتقة إجتماعية متعددة ومتجددة الملمح والملمس؟ وليت شعري متى أصبح قتل الأبرياء وتدمير المدن نهجاً مقبولاً لتنمية المجتمع وتطوير المدن؟
[email protected]
نيروبي، كينيا
22 يناير 2015


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.