تتجه معظم المنظمات غير الحكومية الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان في أغلب دول العالم الثالث إلى المواجهة مع السلطات الوطنية في إدارتها لملف حقوق الإنسان، حيث تركز أغلب تلك المنظمات على الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السلطات الرسمية أو الجماعات التابعة لها، وتغلق عينيها عن رؤية أي تقدم محرز تنجزه هذه السلطات مهما بدا ظاهرا للعيان. وفي المقابل تسعى السلطات الرسمية بكل ما أوتيت من قوة إلى التقليل من شأن هذه المنظمات الحقوقية والتشكيك في مصداقيتها، وإهانة قياداتها، وقتلهم معنويا، وتشويه صورتهم في مجتمعاتهم المحلية، وتوجيه أبشع التهم لهم من قبيل التخابر مع الأجنبي، والحصول على تمويل غير مشروع، وتعريضهم للإعتقال التعسفي والاحتجاز القسري، والعنف البدني واللفظي. حالة العداء المستحكم هذه جعلت كلاً من الطرفين يسلك سبلاً صعبة لتحقيق أهدافه ولا تتواءم في غالب الأحيان مع مسؤولياته وواجباته. فاتجهت بعض تلك المنظمات والمدافعين إلى تقديم الشكاوى الفردية إلى آليات الحماية الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان ضد حكومات بلدانها مما عرض تلك الحكومات لحرج كبير ومواقف صعبة خلال الاجتماعات والمؤتمرات الدولية لتلك الآليات، ولا يخفى علينا جميعا بعض تلك الشكاوى الفردية التي قبلتها اللجان المعنية بحماية حقوق الإنسان على المستويين الدولي والإقليمي. بينما ظلت حكومات أعضاء في اللجنة المعنية بمنح المركز الاستشاري أو المراقب في الأممالمتحدة تعطل دون أن تدري كل عام إجراءات قبول منظمات من بلدانها أو بلدان أخرى بسبب طرحها أسئلة واستفسارات قبل اتخاذ القرار بوقت قصير مما يؤدي إلى التأجيل لعام وراء عام فيطول الزمن، بينما تدعم بعض هذه الدول منظمات شبه حكومية تدعي الاستقلالية، فتمكنها وفي وقت قصير من الحصول على الصفة الإستشارية، التي هي من حق المنظمات المهنية القادرة على التأثير وتحسين حالة حقوق الإنسان في مناطق عملها. هذا الواقع الأليم زاد من معاناة معظم المنظمات الحقوقية في العالم الثالث وجعلها تباشر دور الباحث والمساندة فقط لمنظمات دولية كبيرة نشأت وترعرعت وتوسعت أنشطتها في دول العالم الأول علمت وعملت بواجباتها ومسؤولياتها، فاحترمتها شعوب وحكومات بلدانها بل وانضم الملايين لعضويتها، حتى أضحت ميزانياتها تضاهي ميزانية دول في العالم الثالث، وتجد بياناتها وتقاريرها ردود أفعال يزلزل بعضها أركان الحكومات الديمقراطية بينما تتشبث الأنظمة الشمولية بنظرية المؤامرة في رفض كل نبأ أو حقيقة تكشفها تلك المنظمات، وبكل أسف في الكثير من دولنا الإسلامية التي ينبغي فيها الالتزام بمبدأ التبين من الحقيقة وإنْ جاء بها فاسق. فإذا كان الحال كما ذكرنا، فإنه يجب علينا أن نطرح عدة أسئلة جوهرية، نحقق من خلال الإجابة عليها فوائد جمة، منها ما هو متصل بجمهور القراء والمهتمين ممن يتطلعون لتحصيل المعرفة العامة بمفهوم ومنهجية عمل حقوق الإنسان، ونرسل الإجابات الأخرى للحكومات التي تنظر إلى ملف حقوق الإنسان بإعتباره أداة فقط لتفعيل علاقاتها السياسية مع المجتمع الدولي والمحلي، من خلال اعتمادها على لغة ومصطلحات مختلفة في كل خطاب من الخطابين اللذين تقوم بتوجيهما للمجتمع الدولي والمحلي. فالخطاب الأول الموجه للمجتمع المحلي ملئ بالمغالطات تؤكد من خلاله الحكومة نجاحها في رد الهجمة الدولية وتلقيها إشادات بحسن إدارتها لملف وأوضاع حقوق الإنسان على أراضيها، بينما تُخفي مشتملات تقاريرها وخطابها الذي تقدمه في اجتماعات الآليات الدولية للحماية، حتى لا يسمع أو يعي أحد بمضمون التوصيات والملاحظات الختامية والأسئلة والاستفسارات والانتقادات التي يتعرض لها الوفد الحكومي من قبل الخبراء في هيئات المعاهدات أو المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان، أو من قبل سفراء الدول الأطراف في جلسات المجلس العادية، التي تناقش أوضاع حقوق الإنسان حول العالم دون مساحيق تغطي تجاعيد الإخفاقات. فما هي مسؤوليات وواجبات كلا الطرفين؟ وهل بإمكان كل طرف القيام بواجباته في احترام وتقدير متبادل ودون مساس بحقوق ومسؤوليات الطرف الآخر؟ متى وكيف يمكن للسلطات الرسمية اتخاذ إجراءات قانونية تحد من قدرة المنظمات على تنفيذ أنشطة محددة؟ وهل هنالك أساس قانوني يمكن أن تستند إليه الدولة في اتخاذ هذه الإجراءات؟ مسؤوليات وواجبات المنظمات غير الحكومية الحقوقية: مرجعية ومسؤوليات وواجبات المنظمات غير الحكومية حددتها المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وقبل ذلك ميثاق الأممالمتحدة الذي أعطاها الحق في مساندة النظام الدولي لحقوق الإنسان باعتبارها فاعلا رئيسياً. فهذه المنظمات تعنى بحماية تعزيز حقوق الإنسان على المستوى الوطني، من خلال قيامها بثلاث مهام: المهمة الأولى: المساهمة في إدارة حوار وطني فعال حول قضايا مواضيع حقوق الإنسان بغرض نشر ثقافتها وتمكين الأفراد من معرفة حقوقهم، وكيفية المطالبة بها، والقيام بواجباتهم تجاه دولتهم. والمهمة الثانية: تنمية القدرات الوطنية في مجال حقوق الإنسان، وذلك من خلال إقامة ورش العمل والدورات التدريبية. والمهمة الثالثة: هي حماية حقوق الإنسان من خلال القيام برصد امتثال الدولة لالتزاماتها الناشئة بموجب مصادقتها أو انضمامها للمعاهدات الدولية مسؤوليات وواجبات الحكومات: فالدولة تقع عليها التزامات وواجبات ومسؤوليات أخلاقية وقانونية بموجب قبولها الصكوك الدولية لحقوق الإنسان (المعاهدات، والإعلانات، والمدونات، والمبادئ، والقواعد،، إلخ)، ذلك القبول الذي يفسره القانون الدولي للمعاهدات بأنه إجراء يقوم به وزير الخارجية أو العدل أو من تفوضه الحكومة، ليعلن إلتزام الدولة بالامتناع عن القيام بأي فعل يخالف نصوص الاتفاق المحدد، وإتيان كل فعل يضمن تطبيق روح المعاهدة المحددة، بينما يقوم البرلمان بإجراء المصادقة، والانضمام. فيقال عن الدولة أنها صادقت عندما تقوم بإيداع صك مصادقتها وقبولها للمعاهدة لدى الأمين العام للأمم المتحدة قبل سريان المعاهدة ودخولها حيز النفاذ، بينما يقال للدولة انضمت أي أنها أودعت صك انضمامها بعد سريان المعاهدة ودخولها حيز النفاذ. ولا تكتفي الدولة بهذه الجوانب النظرية فقط إنما عليها أيضا واجبات عملية في تنفيذ الحقوق الأساسية، من خلال بذل أقصى قدر من مواردها المحلية المتاحة خاصة في تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هنالك أساس قانوني وأخلاقي يحكم العلاقة بين السلطات الرسمية والمنظمات غير الحكومية، أولها أساس الحقوق والواجبات المبين في تنظيم الحق في ممارسة تشكيل الجمعيات والانتماء إليها والتجمع السلمي، وهي حقوق أساسية الدولة ملزمة بها بمجرد مصادقتها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث لا يكلفها إطلاق الحريات العامة مالا أو جهدا إنما إرادة سياسية تمكن المجتمع المدني والأفراد من ممارسة حرياتهم العامة المنصوص عليها في الدستور دون اعتداء أو تعدٍ على حقوق وحريات الآخرين. والطرفان ملزمان بمبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبية المصدر: الشرق القطرية 22/6/2015م