تستعمل كلمة التعددية الثقافيه في ثلاثة معان أساسية : يشير المعنى الأول لظاهرة وجود أعراق وألوان ولغات وثقافات متعددة داخل الدول ، والذي لا تكاد تخلو منه دولة في الدنيا ، إذ أنه من المستحيل أن يوجد تجانس كامل بين قطاعات المجتمع كله في أي مكان في العالم لا في القديم ولا في الحديث . أما المعنى الثانى للتعددية الثقافية فيقصد به الاتجاهات السائدة للعلاقات العنصرية بين مكونات المجتمع العرقية والثقافية المختلفة . وتتأرجح هذه العلاقات بين الذوبان الكامل في ثقافة واحدة غالبة في طرف ، يقابله في الطرف الآخر التمييز العنصري بدرجات متفاوتة قد تصل إلى الإبادة العنصرية ، ويتوسط ذلك المساواة وكفالة الحقوق للناس كلهم سواء . أما المعنى الثالث والأهم للتعددية الثقافية فيراد به مجموع السياسات والقوانين التى تكفل المساوة والفرص المتكافئة للجميع في التعليم والعمل والحقوق والاحترام والعيش الكريم . ولعله مما يتصل بهذه القضية ذكر حق المواطنة ، إذ أن الدول المعاصرة تقوم على مبدأ القومية . وتسود ثلاث اتجاهات في هذا الصدد . الاتجاه الأول ومن أمثلته ألمانيا واليابان ، لا يعترف بحق المواطنة إلا لمن ينتمى بالنسب إلى أصول البلد ، فحتى الجيل الثالث من الأتراك المستوطنين في ألمانيا – مثلا – لم ينالوا حق المواطنة . أما الاتجاه الثانى فتمثله فرنسا ، التى تفصل فصلا تاما بين الحياة العامة والخاصة ، فتعطى كل من نال الموطنة حقوق متساوية كافراد وليس كمجموعات ، محافظة منها لوحدة الدولة حسب زعمها ، ومن ثم تتحاشى الاعتراف بأي انتماء عرقى أو طائفى في مجالات الحياة العامة ، وإن كانت تسمح بتنظيم المجموعات لأنفسهم في جمعيات تحافظ على هويتهم الثقافية ، ولكن لا يظهر عمليا أن ذلك يحقق التعددية ، بل من الواضح أن الذوبان هو الغالب . والاتجاه الثالث وتمثله كندا واستراليا أكثر من غيرها ، فهو الذي يسمح بالتعددية العرقية والثقافية ، ويظهر ذلك في السياسات العامة والتشريعات والتعليم . ومع هذا فإن المساواة المدعاة من الناحية النظرية لا تتحقق عمليا ، إذ أن العنصرية أمر مستأصل في النفوس ولا تحل بالقوانين ولا التعليم ، إن لم يكن ذلك عقيدة راسخة في النفوس ، ونضال حركة الحقوق المدينة وإزالة التمييز العنصري في كل من أمريكا وجنوب افريقيا شاهد على ذلك . فما موقف الإسلام من التعددية الثقافية ؟ قد لا يكون هناك حاجة لتأكيد المبادئ التى أعلنها الإسلام نحو مشكلة الاختلاف العرقى والثقافي ، حين أعلن القرآن (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ ) . فكان بذلك إعلانا عالميا للمساواة بين البشر على اختلاق أعراقهم وأصولهم وألوانهم ولغاتهم ، واتجه بهذا الإصلاح إلى مداخل النفس البشرية ، وحربا على التمييز العنصري بكل أشكاله ، ولو كان احتقارا داخل القلب أو تغيرا في الوجة أوهمسة بالشفاه . وترجم ذلك إلى تشريعات عملية شهد عليها التاريخ ، وقد عاشت أعراق كثيرة وثقافات ولغات جنبا إلى جنب ، وساهمت كلها في صنع الحضارة الإسلامية التى اتسعت للجميع ، وإن كانت قد شابت ذلك الأصل في المساواة استثناءات في بعض الأزمنة والأمكنة ، فذلك خروج عن الأصل . وإذا كان المجتمع في الدولة المسلمة هو الذي يحافظ على هوية نفسه ، كما اتضح ذلك في شرح التعددية السياسية ، فإن لكل فرد من أفراد الدولة المسلمة ، من مسلمين وغير مسلمين، بجميع طوائفهم وهئاتهم وجمعياتهم الحق في تكوين مؤسسات طوعيه وقفية تخدم مصالحهم الخاصة من ثقافية ودينية واقتصادية وفنيه وغيرها .