قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِيَنَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَاُلوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ). «صدق الله العظيم». إنها حقاً: مأساة كبيرة!، وتراجيديا فظيعة!.. أشبه بالتراجيديات الشكسبيرية، يمكن أن نطلق عليها: «تراجيديا جبل النار». «إن الموت كسارق دق شخصه يصول بلا كف ويسعى بلا رجل»، ولكن. إيماننا بالآجال كبير جداً، فإذا جاء الأجل المحتوم لا يتأخر ساعة ولا يتقدم. ولأن الموت حق على كل إنسان: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)، فالموت: لا يستثني أحداً، ولا يستأذن فرداً، ولا يقرع باباً، ولا يهاب حجاباً، ولا يقبل بديلاً، ولا يأخذ كفيلاً، ولا يرحم صغيراً، ولا يوقر كبيراً، فكفا بالموت واعظاً ونذيراً!!. في صبيحة يوم الأحد الفائت.. الذي يقابل يوم عيد الفطر المبارك.. فُجعت بلادنا بموت نفر من أبنائها الكرام.. بحادث تحطم طائرة بمدينة «تلودي» بجنوب كردفان. ومنهم الشهيد «مكي علي بلايل»: رئيس حزب العدالة والوزير السابق والمثقف والكاتب السياسي.. ذو الأفكار العميقة والجريئة. وبفقد بلايل، فقد فقدت بلادنا: أحد أعمدة السياسة والفكر فيها، كما فقدت الرجل ذا المواقف الوطنية الصلبة، والأطروحات السياسية الصادقة والهادفة، والعزيمة القوية التي لا تلين. فهو أي الرجل يدور مع الحق أينما دار، ويذهب مع الحقيقة أينما ذهبت، ولا يكاد يفارقها أبداً!!. والحق أنني لم ألتقِ الرجل في حياتي قط، ولكني التقيته من خلال أفكاره العميقة والفريدة، والتي كانت تخرج في شكل: مقالات وحوارات على صفحات الصحف والمجلات، وكذلك من خلال لقاءاته مع القنوات الفضائية ومخاطبته للجماهير. فهو: الكاتب البليغ، والمؤرخ المثقف، والسياسي الضليع، والمتحدث اللبق. فكان الرجل فكرة تمشي على قدمين، وكان كالشمعة التي تضيء ظلام الباطل الحالك السواد. فكيف لنا أن نرثيك ونصف ونحصي فضائلك يا رجل؟!. فإننا مهما: أسرفنا في التعبير!.. وأغرقنا في الخيال!.. فلن نستطيع أن نصفك، ولن نقدر أن نرثيك!. إننا جميعاً نبكيك يا رجل!، بل تبكيك أشجار التبلدي في بوادي كردفان!، وتبكيك كل كردفان: جنوباً وشمالاً وغرباً!. فبفقدك الأليم: أضحى لون القمر شاحباً!.. والشمس اكتست لون السواد!. إننا نُعزيك!.. ونُعزي أنفُسنا فيك!، كما نُعزي فيك أنفُسنا!، وأيضاً نُعزي أسرتك المكلومة!: وأولهم.. والدك ووالدتك وزوجتك وابناك وإخوتك، ونسأل الله أن يلزمهم الصبر على فقدهم الجلل، ولا نقول إلا ما يرضي الله ورسوله (إنا لفراقك لمحزونون): الحزن يقلق والتجمل يردع والدمع بينهما عصي طيع يتنازعان دموع عين مسهد هذا يجيء بها وهذا يرجع تصفو الحياة لجاهل أو غافل عما مضى فيها وما يتوقع ولمن يغالط في الحقائق نفسه ويسومها طلب المحال فتطمع أين الذي الهرمان من بنيانه ما قومة، ما يومه، ما المصرع تتخلف الآثار عن أصحابها حيناً ويدركها الفناء فتتبع المجد أخسر والمكارم صفقة من أن يعيش لها الكريم الأروع والناس انزل في زمانك منزلاً