يبدو أن أمواج المذكرات التصحيحية والإصلاحية العاتية، سوف لن تجد ساحلاً أو شطاً يستوعب عنفوانها أو يُشكمها ... فبعد أن ضربت سواحل الإسلاميين جناح المؤتمر الوطني مذكرة إصلاحية من طراز «كاترينا»، ارتدت بذات العنف نحو شواطئ الإسلاميين جناح الشعبي، وفي نيتها أن لا تترك بعد ذلك يسارياً أو طائفياً حتى تجرفه، ثم إنها بعد ذلك كله سوف لن تهدأ!! ورغم الاجتياح الهائل إعلامياً الذي أحدثته مذكرة الحركة الإسلامية التصحيحية، إلا أن أحداً لم يجد بين سطورها ما يدلل على كامل الرغبة في بناء جديد يقوم على أنقاض البناء القائم الآن، وكل ما جاءت به، هي أو غيرها من المذكرات «المُشوِشة» لها، لم يكن غير إصلاح، ما يعد كسباً جديداً ورصيداً ممتداً للحركة الإسلامية وليس خصماً عليها كما يروج له. أما التي تتجه الآن ناحية الإسلاميين جناح المنشية، فهي من نوع «تسونامي» المدمرة، وسوف لن ترضى بغير اقتلاع الأوتاد، وليس غير الأوتاد.. حيث تتناقل مجالس المدينة بالتشريح مذكرات عديدة هي في طريقها إلى سواحل المنشية، واحدة يقودها أحد المقربين من الشيخ وصاحب كتاب «الحركة الإسلامية: دائرة الضوء.. خيوط الظلام»، وهو يدعو لضرورة أفول نجم الترابي لمصلحة واستقرار الحزب، ويطرح أفكاره هذه خلال ما يعرف بمجموعة التفسير التوحيدي عند تدارسهم ونقدهم لكتاب الترابي بعنوان: «التفسير التوحيدي».. أما الثانية فهي مجموعة منتدى ابن رشد المنفلتة التي تتخذ من منتداها الأسبوعي سانحة لإخراج ما في الجوف والمطالبة بالتغيير الجذري انطلاقاً من إطاحة الترابي، والثالثة هي مجموعة الشباب الثوري الذي وجد دعماً قوياً من الشباب عند ترشحه لأمانة ولاية الخرطوم، وعندما أخفق بدأ يجاهر بالمعصية وما زال يسنده الشباب، والرابعة بلا شك هي مجموعة نهر النيل الداعمة لاندماج الحركة الإسلامية، والأخيرة هي مجموعة صديق الأحمر التي تطالب بذهاب الترابي كخطوة إصلاحية أولى في مسيرة الحزب... وبهذه التيارات المتناغمة، يصبح الشعبي أول المنجرفين أمام أمواج التصحيح بعنفوانها المحفِّز للركض!! ثم إن الأحزاب الطائفية، تستعد هي الأُخرى لذات المصير، وها هم شباب حزب الأمة الرافض لمشاركة الحزب في الحكومة يقذفون بمذكرة شديدة اللهجة نحو منضدة الإمام الصادق المهدي تطالبه بتنحية ابنه من منصبه بالقصر.. أو فصله من الحزب، كما تطالب بعقد المؤتمر العام للحزب وسحب الثقة من الأمين العام، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى أعمق من ذلك، بتمرير مذكرة يقف خلفها مبارك الفاضل وتطالب بتنحية الصادق وتذكره بوعد كان قد قطعه وهو: الاختيار بين الاعتزال أو الإسقاط بالقوة.. والذي يحدث في هذا الحزب العريق هو التغيير عينه، وقطع الرؤوس وقد أينعت.. وحان قطافها!! وبالمقابل يغلي الحزب الاتحادي الأصل كالمرجل، لما يعتريه من تململ انطلق منذ دخول نجل الميرغني إلى القصر، وأشعلت ناره بقرار حل مركزية الخرطوم، ولما طفح الكيل انهالت المذكرات التصحيحية المطالبة بسحب ممثلي الحزب من الحكومة وعقد المؤتمر العام للحزب وإنهاء هيمنة الرجل الواحد.. لكن رغم كل هذا إلا أن أصحاب المذكرة، لم يدفعهم إلى ذلك سوى التقليد، لضعف موقفهم وعدم تأثيرهم على قواعد الحزب رغم الدعم الكبير المقدَّم لهم من عضوية الحزب بالمهجر أمثال علي محمود حسنين.. ولم ينجُ كذلك الحزب الشيوعي من المذكرات التصحيحية، التي تنادي بتنحية زعيم الحزب محمد إبراهيم نقد لجهة تأثير غيابه عن الحزب بسبب المرض على الأداء العام للحزب، والمذكرة هنا أتت في إطار الصراع حول المنصب بين الشفيع خضر وسليمان حامد الذي يجد الدعم والسند من اليساريين بالتحالف المعارض.. هكذا تنتشر المذكرات التصحيحية في جسد الأحزاب السياسية، كالسرطان.. وقد يأمن شرَّها من تعامل معها وهي في مهدها، وقد تُعجز من تراخى وقال: هذا جبل سوف يعصمُني من الأمواج العاتية!!