إليكم الطاهر ساتي [email protected] ثور المرحلة القادمة بلا ذيل ...!! ** هي حكاية يونانية، بيد أن مغزاها درس لأهل الدنيا جميعاً.. أحد شبابهم أحب فتاة ريفية، وذهب إلى والدها المزارع طالباً يدها..وضع الوالد شرطاً غريباً للموافقة، حيث قال للشاب : (يا بني ، قف عند مدخل تلك الحظيرة ،وسأقوم بإطلاق سراح ثلاثة ثيران منها، إذا تمكنت من إمساك ذيل أي واحد من الثيران، يمكنك أن تتزوج ابنتي).. وقف الشاب المتيم عند مدخل الحظيرة، فأطلق المزارع ثوراً ضخماً خاف منه الشاب ولم يتحرك نحوه قيد أنملة حتى مر الثور، ثم حدثته نفسه بأن ينتظر الثور الثاني، ربما يكون أصغر حجماً وليس بعنيف كذاك.. فأطلق المزارع الثور الثاني، وكان أضخم وأعنف من ذاك، ولذلك خاف الشاب أيضاً و لم يفكر في الإمساك بذيله حتى مر، ثم حدثته نفسه بأن الثور الثالث قد يكون أصغر حجماً وليس بعنيف كما الأول والثاني..فأطلق المزارع الثور الثالث، وكان ثوراً هزيلاً، فابتسم الشاب وتنفس الصعداء وتقدم نحوه ليمسك بذيله، ولكن - يا للأسف - تفاجأ بأنه ثور بلا ذيل.. وهكذا أضاع الشاب كل فرص الاقتران بمحبوبته ..!! ** وهكذا حياة الناس والحكومات أيضاً، أي هي حياة تضج بالفرص الذهبية التي يجب اقتناصها.. بعض الفرص سهل الاقتناص والبعض الآخر صعب، وليس من الحكمة أن ندع أية فرصة تمر بمظان أن الفرصة القادمة أفضل، بل يجب أن نقاتل في سبيل اقتناص كل الفرص حتى نقتنصها كلها أو بعضها..للأسف، النهج الاقتصادي لحكومتنا، كما نهج ذاك الشاب، أضاع على البلاد كل فرص التنمية والرخاء.. بالأنانية وتغليب المصالح الذاتية على مصالح الناس والبلاد، ثم بغض النظر عن فساد وسوء الإدارة، وليس بسبب الخوف كما ذاك الشاب ..وبالمناسبة، بتوفيق من الله تحصلت الصحيفة على تقرير المراجع العام الذي راجع كل ولايات السودان الشمالية، وهي التقارير التي كان يجب عرضها للبرلمان والرأي العام بكل شفافية، وهي التقارير التي تكشف بأن ولايات السودان سواسية في الإعتداء على المال العام وإهداره، إعتبارا من الغد – إن شاء الله- سوف يفجعكم زميلنا القذافي عبد المنطلب بالتفاصيل، ولاية ولاية، محلية محلية.. المهم، نرجع لموضوع اليوم.. نعم وجد نهجنا الاقتصادي العقيم فرصة البترول الذهبية، ولم يقتنصها بحيث يحول العائد إلى الزرع والضرع والصناعة، بل تسبب البترول في تجاهل الزرع والضرع والصناعة..ولذلك، لم يكن مدهشاً أن يرثي حمدي الصناعة الوطنية ويتبرع لها بتكاليف مراسم الدفن قبل عام، ولم يكن مدهشاً أن يقول وزير المالية للبرلمان قبل أسبوع - دون أن يرمش له جفن - بأن السودان يستهلك قمحاً بمقدار (2 مليون طن)، ولكن إنتاج أرضه لايتجاوز (400 ألف طن) .. ولم يكن مدهشا أن يتم تدمير أعظم مشروع في القارة – مشروع الجزيرة – في لمحة بصر، بحيث يصبح زراعه من المعسرين كل عام .. أما الثروة الحيوانية، فحدث عن إهمالها بلاحرج، وشكراً للسعودية التي أرغمت وزارة الثروة على تأهيل المحاجر قبل عام ونيف، ولو لم ترغمها لما تأهلت تلك المحاجر.. هكذا كان حصاد فرصة البترول، حيث لم يكن الحصاد إلا تجفيفاً للزراعة وتدميراً للصناعة وتجميداً للصناعة الوطنية، ولكن بالمقابل ساهمت تلك الفرصة في تطوير (الموازنات القبلية والمساومات الجهوية وترهل أجهزة الدولة والمليشيات المسلحة وشركات البدريين الإسلامية والعمارات السوامق.. و...)، ضع كل الموبقات التي في خيالك - يا صديق - ما بين القوسين، لتعرف (أين ضاع عائد البترول ؟) ..!! ** ثم وجد ذات النهج الاقتصادي فرصة أمطار الاستثمار الأجنبي التي هطلت على مدار عقد من الزمان، ولم تجد الأرض الخصبة المسمدة بالشفافية وإعلاء الغايات العامة على الأطماع الخاصة..تأمل حصاد تلك الفرصة، وما آل عليه الحال.. لم تبق من آثار ذاك الضوضاء غير مطاعم شارع المطار وكافتريات شوارع العمارات ثم بضعة فنادق مع حفنة مشاريع تلفظ في أنفاسها الأخيرة تحت وطأة (حظر الدولار وسعر الكهرباء وجبايات الولايات والمحليات وصراع السلطات)..كم بلغت رؤوس الأموال الأجنبية التي دخلت البلاد قبل خمس سنوات - يا وزير المالية - وكم منها تبقت؟، وكم عدد المشاريع التي صادقت عليها السلطات الاتحادية والولائية المتشاكسة ؟، وكم منها تنتج حالياً؟، ولماذا؟، أوهكذا على البرلمان أن يسأل وزير المالية – قدام الناس - في أقرب فرصة، ليعلم بأن النهج الاقتصادي أهدر فرصة الاستثمار أيضاً، كما أهدر فرصة البترول..ولذلك، لاتبشروا الناس بالترشيد والرقابة وتحسين الاقتصاد ومحاربة الفساد وووو، أو كما تقول خطب مجلس شورى الحزب الحاكم..فالنهج الاقتصادي الذي لم يقتنص ثور مرحلة البترول كما يجب، ولم يقتنص ثور مرحلة الاستثمار الأجنبي كما يجب، لايرجى منه أن يقتنص ثور مرحلة هزيلة بلا ذيل.. والحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه...!! ................. نقلا عن السوداني