عندما كان عشّاق صوت أم كلثوم وغيرها من عمالقة الطرب العربي يفقدون السيطرة على أنفسهم، كان هؤلاء الغائبون عن الوعي نتيجة 'السلطنة' والتحليق بين أجنحة الكلمة وأضلاع النغم، يطلقون الآااااااااه والأللللللللللللللللله من صدورهم بنشوة من انتشل من همومه. لكن هذا التعبير عن الرضا بالإجادة من حق الجمهور المسطول طرباً. لكنه مستهجن على مقدمي البرامج التلفزيونية. هناك برنامجان يتم بثهما حالياً متصلين بالغناء، حيث المبالغة بالأللللله والأوووووه وال يااااااااسلام، التي تطلقها مقدمتي البرنامج إلى درجة تكسر سقف المعقول، وتجعل المستمع يظن بأنه يتابع عملية ولادة متعسرّة لبقرة، لا لبرنامج متعلق بالغناء. البرنامج الأول هو برنامج 'آراب آيدل' الذي تشارك ضمن لجنة تحكيمه المغنية 'أحلام'، والبرنامج الثاني هو برنامج 'يللا نغني' الذي تقدمه المغنية 'لطيفة التونسية'، ويتم بث كليهما من خلال شاشات 'إم بي سي'. من الجميل أن يعبر الإنسان عن إعجابه بصوت مميز أو لحن بديع. لكن مبالغة مقدمتا البرنامجين في التأوه تخطت منسوب المقبول، وأصواتهما تسلقت على أكتاف أصوات ضيوف البرنامج وضجيج الحضور، بحيث أصبح التعبير عن الانتشاء بعيدا عن الطرب. كان على 'إم بي سي' أن تنصح مقدمتي البرنامجين اللتين تفقدان السيطرة على حنجرتيهما عند سماع صوت جميل أو غير جميل، بأن تسكتا عندما يلعلع صوت ضيف الحلقة. وأن ترفق المؤسسة عقدي عملهما بكاتم صوت يستخدم لتكتيف صوت المذيعة عندما يبدأ الآخرون بالغناء، تقليلاً لنسبة الضوضاء وترفقاً بطبلات آذان المستمعين، وحرصاً على أطفال الأمة العربية الذين يجب أن لا يستمعوا إلى كيل من توبيخ الكبار الموجّه لشاشة صماء. الغريب في الأمر أن هاتان السيدتان لا تشعران بكمية المبالغة في التعبير عن رضاهما وأن الأصوات التي تطلقانها وكمشات الآه والأوه التي توزعانها بجود، لتمثيل دور الإعجاب بأصوات بعض المشاركين، هو أمر مستهجن. بارك الله في مخرج برنامج لطيفة الذي تعاطف مع المستمعين، إذ يبدو أنه انتبه إلى انفلات كوابح السيطرة على الصوت لديها. حيث لاحظنا من خلال لقطات الكاميرا في حلقات لاحقة، أنه أثناء غناء الضيف، كانت شفاهها تتحرك ووملامحها مستنفرة وكأنها تغني من خلف زجاج عازل، لكن صوتها غير مسموع. التفسير الوحيد هو أن الميكرفون المرفق بها، تم تعطيله مؤقتاً من غرفة السيطرة أثناء غناء الضيف. لكن معاناتها نتيجة كبح صوتها بدت واضحه من خلال حركات يداها اللتان حاولتا من خلال التلويح ذهاباً وإياباً، تقمّص وظيفة حنجرتها لإبداء الإعجاب فلم تفلحا في التنفيس. لكن السيطرة على صوت أحلام كان أمراً أصعب من محاولة تكتيف بافالو بري شموص، لأنها تجلس ضمن لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص، ومقعدها يتوسط مقاعدهم، وأمام كل منهم ميكروفون. مما يعني أن كتم صوت ميكروفونها لن ينجح، لأن صوتها سيصارع طريقه عبر الميكروفونين المجاورين من كلا الطرفين، عندما تنفرط ضاحكة على المتعثرين كحبات مسبحة انقطع خيطها. ناسية بداياتها الشخصية، غير عابئة بتأثير هذه السخرية على مستقبل شباب أتوا متجشمين العناء، في بحث عن مستقبل أفضل. من المؤكد بأن هؤلاء الشباب سيخرجون من هذه التجربة محطمي الشخصيات بسبب كمية التهكم عليهم من قبل أشخاص، كانوا يعتبرونهم قدوة إلى حين لحظة صياح أحلام الللللللآاااااه في غير موضعها. في عالم الترفيه التجاري، لا يهم عدد من يتم تحطيمهم من الشباب في الطريق إلى تسويق برنامج على شركة راعية. ولا يبدو أن هناك كثير اهتمام بحال الشباب الذين تم تهشيم شعورهم بالثقة بأنفسهم. السؤال المحيّر هو لماذا لا تسيطر المرأة على نفسها عندما تسمع صوتاً تود تشجيعه كلطيفة، أو كسره كما تفعل أحلام؟ وإلى أن تتم الإجابة عن هذه التساؤلات، من المستحسن توفير كاتم صوت لكل من لطيفة وأحلام لنتمكن من الاستماع للأصوات المشاركة، والحكم عليها قبل أن تقوم أصوات الفنانات القديرات بالتسلق عليها وطمس معالمها. قاموس البذاءة في الغالبية العظمى من الإنتاج الدرامي الغربي، يظهر الجنس كمتعة ماجنة أو علاقة عاطفية محرّمة. لذلك يتم الحجر على أي عروض تتناول الموضوع من قريب أو بعيد على الشاشات العربية. لكن الجنس في الدراما العربية، غالباً ما يكون عقاباً أو فساداً وفجوراً، ولا علاقة له بالعاطفة من قريب أو بعيد. لذلك أصبحت الشاشة المنفّر الأول للأجيال الصاعدة من الجنس الآخر لأنها تستقذره وتخشى سلطاته ولا تأتمنه، خصوصاً وأن أحد الطرفين في العملية الجنسية غالباً ما يكون الحكومة. أحد آخر وأهم ما عرضته القنوات الفضائية من دراما عربية مؤخراً، مسلسل 'وادي الملوك'. الذي تبثه إم بي سي 1. قصته المعدّة بإتقان وعمق، مأخوذه عن رواية يوم غائم في البر الغربي للروائي محمد المنسي قنديل، وسيناريو محمد الحفناوي، وإخراج حسني صالح. كتب كلمات أغنية المقدمة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي. وتشارك في بطولتة مجموعة من الممثلين القديرين، من ضمنهم سمية الخشاب وصابرين. من خلال المسلسل يستعرض المخرج جرأته ويكشف سوءات المجتمع العربي 'المحافظ' ورجاله، عندما يكون تعبيرهم عن الجبروت بالقهر الجنسي، ويواجه مجتمعه الذي يدعي الطهارة الجمعية بنماذج من أسوأ ما أنجبت رحم الأحداث. من خلاله شاهدنا نموذج ابن العم الكبير الذي يفترض بأنه يحمي عرضه، وهو يهتك عرض ابنة عمه الشابة ويغتصبها لأنه لم يستطع وضع يده على أملاكها. وشاهدنا الصحفي الفنان الذي يدخل السجن بتهمة النشاط السياسي ليخرج فاقداً رجولته، وشاهدنا الفلاحة المصرية، ابنة العزّ، المحاطة برجال يسدّون عين الشمس، مسلحين بأشنابهم وهراواتهم ونحنحاتهم، وهي تضطر لاخفاء انتماءها الديني، لتحتمي بمدرسة دير تابعة للكنيسة، هاربة من سطوة وجبروت وجور رجل، لأن حُماتها مجرد رجال من ورق. مجموعة المسلسلات التي عرضت بعد اشتعال جذوة ثورة الوطن العربي التي حملها عام 2011، كشفت غالبيتها عن جانب لم نكن نعلم عنه من قبل، وهو اغتصاب الحكومة لأفراد الشعب، نساء ورجالاً. هذا الأسلوب، هو أشد أشكال الانتهاك والتنكيل شراسة لأن ما يتم انتزاعه، لا يمكن استعادته ولا بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن تعويضه ولا يقبل فيه اعتذار. نتشدّق كثيراً بصفات الرجل العربي وشهامته وبطولته، وحاجة النساء إلى الرجال حتى لو كان هؤلاء الرجال مجرد ظل قد لا يستطيع منافسة ظل 'الحيطة'. بينما الواقع الأليم، كشف أن رجال الوطن الذين أُرضعنا وهم أنهم عماد الأسر وملجأ المرأة المنكوبة، في الواقع منهم القذر والخائن والمرتشي والمتسلّط على حقوق النساء والهارب من مسؤولياته. فعل الجنس الذي كان جزء من العبادة وتعمير الكون وأحد أشكال المودة والتراحم، أصبح بسبب تقاليد دكتاتوريات الحكومات الجائرة، فعلا شائنا مشينا تنحصر وظائفه في ابتداع مفردات قاموس البذاءة والسباب والشتائم، وأفعال التهديد والوعيد، وأسوأ أشكال انتهاك الجسد والكرامة. والنصوص التي يؤرخها تفتقر إلى حروف العطف، وتجرّ إلى الهاوية، لأن الفاعل لا يضم والمفعول به منصوب على أعمدة القهر. كاتبة من فلسطين تقيم في بريطانيا القدس العربي