جاء في الأنباء أن الحكومة نجحت في كشف مخطط (عاجل) لإسقاط النظام خلال هذا الشهر بقيادة حزبي المؤتمر الشعبي والشيوعي اللذين يبدو أن اللغة وتعاقب العين والشين في كليهما قد ساهمت في تذويب الفوارق النظرية والفكرية والعملياتية فصارا حليفين بعد أن ظننا جميعا- كل الظن- ألا تلاقيا. أولاً ينبغي أن نطمئن جماهير الشعب السوداني أن هذا المخطط لن ينجح في إسقاط النظام خلال هذا الشهر أو هذا العام كله لأسباب لا علاقة لها بقوة النظام نفسه أو درجة الوداد التي يكنها الشعب له. ثانياً يبدو أن حزب المؤتمر الشعبي قد يئس من محاولة تغيير المتنفذين الحاليين واستبدالهم بآخرين من عنده وأقول هذا بناء على أن حزب الترابي لا يسعى لتغيير النظام كله وهو بانيه ولكنه – بلغة أكثر دقة- يسعى لإقصاء المجموعة الحالية في الحكم على سبيل الانتقام ورد الصاع صاعين لا أكثر. المهم أن الشعبي بتقاربه العلني وبتحالفه السري هذا مع الشيوعي يرمي إلى إسقاط النظام والبلاد وكل شيء، لأنه ليس ثمة ما يجمع الشتيتين على الإطلاق. لن يتفق شركاء المستقبل الذي لن يأتي على مسودة الدستور ومصادر التشريع ونظام الحكم وتأميم المصارف وموعد شهر رمضان! ثالثاً وهذا هو الأهم نود أن نلفت النظر إلى أن العلاقة بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحزب الشيوعي المعارض هي ليست علاقة متناقضة وإنما هي علاقة شراكة، ودليلنا أنه كلما أراد النظام التوجه إلى الشعب وإبلاغه بخطر يتهدده فإنه يضيف إلى ذلك الخطر الحزب الشيوعي وهذا يرفع من قيمة الحزب أمام عضويته، وأمام جماهير الشعب السوداني الذي تكاد الغالبية منه على يقين بأن الحزب العتيق لم يعد قادراً على قول (لا) ناهيك عن إسقاط الأنظمة. يكسب الحزب الشيوعي أيضاً من توجيه التهمة الكبيرة عدة أشياء إضافية من بينها الترويج له في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، وفي هذا تذكرة للبلاد بأنه – أي الحزب- ما زال يحتفظ بأسنانه، وبأنه يعمل من أجل سيادة ودكتاتورية البروليتاريا والشيوخ هذه المرة. يكسب الحزب أيضاً مساحات إعلان مجانية إذا أراد التأمين على ما قالته الحكومة بأنه يخطط فعلاً لإسقاط النظام. وفق هذا الخيار يمكن لقادة الحزب أن يصرحوا لقنوات الجزيرة، والحرة، وروسيا اليوم، وراديو دبنقا وأن يهددوا ويتوعدوا قادة النظام. أما إن أرادوا نفي التهمة عنهم فيمكن أن يحصلوا على زمن مقدر في صحفنا المحلية وقنواتنا ومحطات الإف إم. مقابل هذه الخدمات سيواصل الشيوعيون الصمت عن قضايا الفساد وحصر النضال الثوري في هذا الجانب على بث بعض الأخبار عن بناء المسئول الفلاني لمنزل من ثمانية غرف، أو زواج المسئول العلاني من خطيبته الرابعة. على كل فإن التقاء أقصى اليمين مع اليسار ليس شيئاً مبتدعاً وإنما هو جزء من إرث الثورة العالمي إذ تحالفت الكنيسة الكاثوليكية مع ثوار حركة الساندينستا في نيكاراغوا حتى وصلت الحركة إلى الحكم بقيادة دانيال أورتيغا رغم أنف واشنطن. إذا رغب الحزبان في التأسيس النظري لتحالفهما المقبل يمكنهما اتباع التجربة النيكاراغوية حيث سيتوجب على قادة المؤتمر الشعبي أن يصدروا بياناً شبيهاً ببيان الأساقفة الكاثوليكيين الصادر عام 1979 بعنوان ( العهد الكاثوليكي من أجل نيكاراغوا الجديدة) والذي اعترف قيادة الجبهة الوطنية الساندينية للتحرير. المشكلة هي هل سيعترف الشعبيون بقيادة الشيوعي أم سيضطر الشيوعيون لإصدار وثيقة قد ترغمهم لاحقاً على دفع الجزية في المنشية؟ www.dabaiwa.com