بإعلان اللّجنة العليا لانتخابات الرئاسة المصرية فتحها لباب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية في مارس (آذار) الجاري، بدأ ماراثون الرّئاسة المَصريّة في ثوبها الجديد، وتداعي المصريون برؤى مختلفة، يُقيّمون ويُنَظّرون لانتخابات بلدهم، ونحن بقلب الشقيق وبعين الصديق لا نقوى على الانعزال عن ما يجري في شمال وادي النيل، فمصر تجري منا مجرى الدم، فرأينا نحن العشاق لمصر انتخاباتها بعيون أخرى، مصراوية بزاوية أخرى، وبعشم آخر، فمصر التي آوت العرب واحتضنت الافارقة عندما ضاقت بهم بلادهم على سعتها أصبحت لصيقة بنا وقريبة الينا وزرعت فينا حبًا نوافيه دائمًا، إذن لا غرو ان نشاركها، في أهم مراحل تاريخها الحديث. مثلت عملية سحب استمارة الترشيح الخطوة الأولي في مارثون الرئاسة المصرية، وقد كانت الخطوة جّد لافتة وغريبة، فلم يكن أحد يتوقع أن يعج المضمار الرئاسي بالمتسابقين المحتملين للحد الذي تقف فيه الطوابير الطويلة لسحب الاستمارات وكأنها صفوف التموين، فبعد رياح الحرية يبدو أن الفكرة الرئاسية داعبت الكثيرين، فخرج للعلن مرشحون قد لا يملكون مقومات الرئاسة؛ حتى وصل عدد الذين سحبوا الاستمارة الخاصة بالترشح أكثر من 1000مرشح محتمل. القلق المشوب بالاستياء الذي يقرأه المراقب في عيون المواطنين المصريين وفي تصريحات أهل الاهتمام بخصوص محاولات البعض التقليل من أهمية منصب الرئيس كنت قد ناقشته في أوقات مبكرة مع صديق السودان الاستاذ أيمن نور رئيس حزب الغد المصري ومرشح الرئاسة في العهد البائد وانتقده لي بشدة الاستاذ حمدين صباحي السياسي والبرلماني المصري ومرشح الرئاسة في الانتخابات الحالية وهو ليس قلقًا مترفًا، بل هو قلق مبرر، فمن بين المترشحين لرئاسة مصر شخصيات لا طعم ولا لون ولا وزن لها –حسب الإعلام المصري- للدرجة التي جعلت من مرشحي الرئاسة مادة للسخرية والتندر في التناول الاعلامي، حتى أن البعض صرح بأن من بين المرشحين المحتملين شخصيات لا تصلح لرئاسة(خفر) ناهيك عن رئاسة دولة في حجم ووزن مصر بتاريخها وحضارتها وأهميتها. بدخولها في مرحلة اختيار الرئيس الجديد بالانتخاب الحر الديمقراطي، تدخل مصر المرحلة الجديدة لصناعة التاريخ وتفي بأهم استحقاقات ثورة يناير(كانون الثاني) بعد أن أوفت بالاستحقاق الاول الذي أنجز بانتخاب السلطة التشريعية بمجلسيها(الشعب والشورى) والتي سيطر عليها الاسلاميون من إخوان وسلفيين -مما خلّف خوفًا عميقًا لدى كثيرين على مستقبل الديمقراطية والحريات-، والاستحقاق الثاني هو انتخاب الرئيس القادم لمصر والذي تتجه فيه أنظار العالم لمصر بأمل أن توفق في انتخاب رئيس يعيد التوازن المطلوب بين السلطات في مصر، ويبقي الاستحقاق الثالث والأهم وهو إعداد وإجازة دستور متوافق عليه وبذلك تكون مصر الجديدة قد حجزت المكان اللائق بها بين الامم، لتتم أسس عملية التحول الديمقراطي. صحيح أن ترتيب المراحل، مرّ بجدل كبير، وخرج على هذا الشكل الذي يراه كثيرون معطوبًا، مما سمح بفضاء كبير من التوقعات والمضاربات السياسية، فقد كان الحري أن يكون الدستور أولاً، أو ثانيًا، لا أن يأتي ثالثًا، ولكن التدبير المصري استرعى أشياء فرضتها المرحلة، ونحن نثق أن مصر لن تنتخب الرئيس قبل أن تحدد ما هي صلاحياته، حتى لا يصبح السباق الرئاسي سباقًا نحو المجهول، ولكن ماذا يسأل المصريون. إن السؤال المهم الذي ظل مسيطراً على تفكير الأشقاء المصريين الآن هو:من يكون رئيس مصر القادم؟وماهي مواصفاته؟وماهي أولوياته؟ وبداهة فإنّ رئيس مصر القادم هو الفائز من بين المرشحين بأعلى نسبة من حصيلة أصوات الناخبين، المفترض به أن يقنعهم ببرنامج سياسي اقتصادي عصري متكامل، ينال دعمهم ويمنحهم البرامج ليمنحوه الحظوة الجماهيرية . الكلمة الآن للشعب، ولصناديق الاقتراع التي تنتظر أكثر من 40 مليون مواطن مصري، يحددون مصير الأمة، فأصواتهم هذه المرة هي الكلمة الأولى والأخيرة، وهي القول الفصل في تحديد هوية الرئيس القادم لمصر وبذلك تكون مصر قد قطعت صلتها بلا رجعة مع الماضي الذي كان يأتي فيه الرئيس عبر الوراثة أو الحروب أو القوة أو الاغتيالات. نعم إن القوة التي تحدد رئيس مصر هي قوة الجماهير المصرية، ولكن لمصر المكانة في نفوس العرب والأفارقة وشعوب العالم بأسره باعتبارها قلب العالم النابض وأم الدنيا وقائدة الأمة العربية ورائدة الأمة الإسلامية وبوابة إفريقيا للعالم وبوابة العالم لإفريقيا؛ لذلك ظل سؤال من هو الرئيس القادم لمصر؟ يدور في أذهان وعقول السواد الأعظم من كل هؤلاء وذلك يوضح بجلاء أن اختيار رئيس مصر القادم ليس شأناً مصرياً –فقط- فرئيس مصر القادم والحرص على النجاح في اختياره أمر يتعدي المصريين الي ما سواهم من شعوب العالم. وقد رصدت خلال الأيام الفائتة جملة من الرؤى بهذا الخصوص تختلف باختلاف منطلقات وخلفيات من قالوها ولكنها تتفق في أهمية أن يكون الرئيس القادم لمصر شخصية قوية وقومية ومقنعة ومحبوبة ورجل دولة لديه الاستعداد لحمل الأمانة والقدرة على الاضطلاع بالمسؤولية والاستطاعة لدفع التضحيات والتكاليف الباهظة وفوق كل ذلك ينبغي أن يكون الرئيس القادم لمصر قادر وراغب في التعامل مع نفسية وعقلية شعب فجر ثورة مثل ثورة 25 يناير العظيمة أطاحت بأعتى الأنظمة الشمولية في المنطقة لتقيم على انقاضها نظاماً ديمقراطياً وترسي دعائم دولة ديمقراطية مدنية تحمي حقوق جميع المصريين بدون تمييز. نحن كعرب وأفارقة وبعيون غير مصرية ننظر بأمل للعملية الانتخابية الرئاسية في مصر ونتمني أن تحمل خيراً لمصر وشعبها وان تجعل منهما نبراساً مضيئاً للديمقراطية في المنطقة ونموذجاً عصرياً يحتذي للحرية وندعو إلى أن يتم انتخاب الرئيس القادم لمصر بالعقل بعيداً عن العاطفة والشعارات، وأن يدرك الناخب أن لا مجال للمجاملة في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به مصر. فعلي رئيس مصر القادم أن يدرك أن مصر ليست للمصريين وحدهم بل للعرب وللأفارقة ولذلك فعلى شعب مصر الشقيقة وهو يتجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس الجديد أن يعي ويدرك حقيقة أن رئيس مصر ليس ككل الرؤساء لا بد أن تكون لديه رؤية ثاقبة لمستقبل مصر وتصور واضح لاسترداد دورها الاقليمي وبرنامج محدد لضبط حالة الانفلات الأمني بالبلاد وقدرة على كبح جماح التطرف الديني واستعداد لحماية الأدب والفن من الإرهاب الفكري، فالعرب والافارقة يريدون أن يستمتعوا بأدب نجيب محفوظ ويضحكوا بفن عادل إمام ويطربوا بغناء أم كلثوم ويندهشوا لكل فنون مصر، يريدون رئيساً يعلن وبحسم وحزم أن حضارة مصر وفنها وتاريخها خط أحمر ومنطقة محرم الاقتراب منها أوالتلاعب بها بواسطة الفتاوى الدينية وليعلم أصحاب الفتاوي الفضائية الجاهزة أن مصر ليست مثل أفغانستان ولا إيران ولا السودان فمصر أكبر من كل الذين يحاولون اختطافها أو إحتوائها او تلوينها بلون واحد. الوعاء الأخلاقي الذي عجنت فيه مصر، بني على التسامح، وعلى تعايش الأديان، وعلى أخوة الدماء، والاستحقاق الآن هو بناء مصر المتسامحة، التي تسع الجميع. ويبقي الضامن لمستقبل مصر الجديد، ولعدم دورانها للخلف أو سيرها في الاتجاه المعاكس للحضارة والتقدم هو ميدان التحرير. (*)مرشح سابق لرئاسة السودان [email protected]